أحمد البهنسي

ترجمة مقال "الإسّلام" في الموسوعة العبرية العامة ترجمة وإعداد: أحمد البهنسي * مقدمة: يعود تاريخ الإهتمام اليهودي بالإسّلامِ ومصادرِه الأساسيّة وفي مقدمتها القرآنُ الكريمُ، إلى زمن ظهور الإسّلام نفسه، وهو ما سجله القرآن الكريم في ورود بعض الآيات التي تردُّ على بعض التساؤلات التي طرحها اليهودُ على الرسولِ بهدف تحديْهِ والجدلِ معه وإظهارِ ضَعفِه، وكان منها الآيات 9-26 من سورة الكهف . تبدّى الإهتمام اليهودي في العصر الحديث بالإسّلام، وبكل ما يتعلق بشؤونه، في ظهور وتكوّن ما يمكن تسميتَه بـ"المدرسة اليهودية في الإستشراق"، التي كان من أهمِّ مجالاتها: الدراساتُ الدينيةُ المقارِنةُ بين اليهوديّة والإسّلام، بهدف ردِّ القرآن الكريم إلى العهد القديم، وكان من أبرز المؤلفات في هذا الصدد: كتابُ الحَبْر اليهودي الألماني الشهير أبراهام جايجر "ماذا أخذ محمدٌ عن اليهودية؟" Was hat Mohammed aus dem Judenthume aufgenommen?. الذي صدر باللغة الألمانية في بون عام 1834م . فضلاً عن ذلك، فإن المستشرقين اليهودَ و"الإسرائيليين"، قاموا بنشر أفكارهم وأيديولُوجيَّاتِهم الإستشراقيّةِ عن القرآن الكريم في مؤلفاتٍ ومجلداتٍ ضخْمة، إضافةً إلى نشرِها في موسوعات ودوائر معارف كبيرة والتي كان من أبرزها مقال الإسّلام "אסלאם" في الموسوعة العبرية العامة باللغة العبرية. وتعد "الموسوعةُ العبرية العامة لليهودية وأرض إسرائيل"- האנציקלופדיה העברית כללית יהודית וארץ ישראלית، חברה להוצאת אנציקלופדיות. من أهمّ وأكبر الموسوعات اليهودية قاطبةً، فهي الموسوعة الأكثر شمولاً، المكتوبة باللغة العبرية، وقد خرجت للنور في النصف الثاني من القرن العشرين، ويعود ظهورُ فكرتها إلى صيف عام 1944؛ إذ تمّ تشكيلُ لجنة من أجل تحديد توجهات الموسوعة، وبدأت طباعة المجلد الأول منها في صيف عام 1948، وأصبح البروفيسور حاييم فايتسمان أول رئيس لـ"دولة إسرائيل"، هو الرئيسَ الشرفي لهذه الموسوعة . فيما يتعلّق بالترجمة الإنجليزية للموسوعة العبرية التي حملت اسم Encyclopaedia Hebraica، فقد صدرت عام 1948 في "إسرائيل"، وأشرف على ترجمتها للإنجليزية Bracha Peli صاحبة دار نشر ماسادا في تل أبيب . ينعكس طابعُ الموسوعة من خلال إسمها فهي موسوعةٌ "عامة وشاملة" ولا تختص بعلم واحد دون الآخر، أي أنها "غيرُ متخصصة"، لكن يسيطر عليها الطابعُ اليهودي الإسرائيلي . كما أن محررِّي كتاب الموسوعة لم يَخْفَوا وجهاتِ نظرهم السياسية اليهودية القومية، فعلى سبيل المثال لم يُذكر بها مقال أو معلومات عن مملكة الأردن؛ لأنّ الموسوعة لم تعترفْ بها . وبالنسبة لمقال الإسّلام "אִסְלַאם" في الموسوعة فهو يقع في نهاية المجلد الرابع منها، والذي صدر في عام 1951 في إسرائيل، ويشمل المقال حوالي 38 صفحة داخل الموسوعة، وهو مُقسم لـ12 عنوانًا مختلفًا حول الإسّلام، وينتهي كل جزء تحت هذا العنوان بمجموعة من المصادر والمراجع التي إعتمدت عليها الموسوعة في هذا الجزء. أمّا مؤلفُ مقال "الإسّلام"، فمن المعروف أن هناك آلية أو طريقة محددة لمعرفة مؤلف أو محرر المقالات بالموسوعات؛ إذ يوجد في نهاية كل مقال " حرف أو حرفين منفصلين"، هما اختصار لإسم المؤلف، وتوجد في بداية الموسوعة أو في بداية الجزء الذي يوجد به المقال في الموسوعة، قائمة بالاختصارات وأمام كل اختصار اسم المؤلف وتعريف مختصر به. وقد تعرفنا على كاتب مقال الإسلام في الموسوعة العبرية العامة من خلال إستخدام هذه الآلية، إذ يوجد في نهاية المقال حرفي (מ.פ) بالعبرية، وهما يشيران إلى وسف كلاوزنر יוסף גדליה קלוֹזְנֶר (1874-1958م) وهو مؤرخ وباحث وأديب يهودي –إسرائيلي، وهو من مواليد روسيا عام 1874 لكنه درس في جامعة هايدلبرج بألمانيا، وكان من المحررين الأوائل للموسوعة العبرية العامة، كما كان من الشّخصيات الفكرية الهامة في إسرائيل، وتم ترشيحه لمنصب رئيس الدولة عام 1949م. تتركز أهمية ذلك المقال حول الإسلام في الموسوعة العبرية العامة، في أنّه يقع ضمن أهم وأكبر موسوعة عامة صدرت في إسرائيل، وهي المصدر المعرفي الأساسي لكل إسرائيلي أو يهودي يتقن العبرية، علاوة على أنه تمت ترجمة هذه الموسوعة إلى اللغة الإنجليزية واسعة الإنتشار والإستخدام، ما يضيف لها أهمية أخرى، إضافة إلى أنه شارك في تحريرها نخبة من المفكرين اليهود على مدار فترات تاريخية مختلفة. في ضوء ما سبق، فإن مقال الإسّلام "אִסְלַאם" في الموسوعة العبرية العامة، هو المصدر الأولي والأساسي لمعظم الباحثين والمستشرقين الإسرائيليين واليهود المهتمين بالإسّلام وكل ما يرتبط به. ما يعني من ترجمة هذا المقال من العبرية إلى العربية، يعد إضافة وإفادة مهمة وحقيقة لكل باحث أو دارس للمجهودات الإستشراقية اليهودية- الإسرائيلية، لاسيما المتعلقة بالإسّلام وشوؤنه. * نص ترجمة مقال الإسّلام "אִסְלַאם" في الموسوعة العبريّة العامة من العبريّة للعربيّة الإسـّــــــــــــلام أ - الوصف: 1- الإسّلام: هو دين يُعرَّف بأنّه عبادة الله وحده، وهو ما تمَّ تحديده منذ البداية بواسطة محمّد في القرآن، ومثلما تطور خلال الأجيال التي أعقبت موت محمّد. ويعدّ هذا الدين دينًا عالميًا (أيّ أنَّه لا يرتبط بشعب واحد فقط)، وهو الدين الأحدث من بين الديانات التوحيدية. إلا أنّ الإسلام غير محدد بحدود موضوعات الشريعة والعقيدة وحسب، بل أنّه استخدم كخلفية لثقافة خاصّة تتوحد حولها – حتى يومنا هذا- جميع الشعوب الإسلامية، رغم كلّ الفروق الجغرافيّة والعرقيّة والثقافيّة التي بينهم. 2- يُستخدم إسم الفاعل "إسّلام" من جانب المؤمنين به، وفقًا لتفسير محمّد بالقرآن، بمفهوم "إستسلام المؤمن لله"، لكن قبل ثلاثين عامًا تم اقتراح تفسير أكثر قبولا للفظة " إسلام" من الناحية اللغوية، وهي أن يكون المؤمن بالإسلام " إنسانًا مسالمًا" أو " يستحق الخلاص" ومنها تم اشتقاق اللفظ "مُسّلم" ( أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة) التي تشير إلى المتمسك بالإسّلام ( الصورة المتداولة "مُسلمي" لا أساس لها). ب- تَكوُُّن الإسلام: 1- جاء الإسّلام إلى العالم على أرض العرب، ونشأ في مدينة التجارة "مكّة "، وكان النبيُّ محمّدًا نفسه تاجرًا، وهذا العمل إنعكس إنعكاسا بالغ الأهمية على الشرائع التي شرعها محمّد والتي كانت شرائع مُعدَّة لسكان جزيرة العرب. ورغم أن سكان هذه المدن كانوا يعبدون الأصّنام ولم تكن الديانتيّن التوحيديتيّن "النصرانيّة واليهوديّة" معروفتين لديهم، إلا أن تواصل محمّد مع ممثلي اليهوديّة والنصرانيّة هو الذي أدى لشهرته، وظهرت في دينه دلائل قويّة لتأثير هاتين الديانتيّن، كما ظهر أيضا تأثيرًا من جانب ديانات أخرى متطورة. ولم يكن محمّدًا هو النبي الوحيد الذي ظهر في أوساط العرب خلال هذه الفترة الزمنية، فالتراث يحكي لنا عن عدد من الأنبياء الآخرين، الذين من الصعب تحديد من منهم الأقدم من حيث الفترة الزمنيّة، إلا أنَّ محمّدًا نجح – على عكس هؤلاء الأنبياء- في أن يتحول دينه إلى دين العرب جميعًا، كما نجح في إستغلال العرب لتنفيذ مخططات مكّنت الإسّلام فيما بعد من أن يحتل عالمًا كاملا، كان جزءً منّه مدينتي مكّة والمدينة التي نجح الإسّلام في إحتلالهما نجاحًا باهرًا. 2- مشروع محمّد، ويبرز بشكل أساسي في: أ- فكرة يوم الدين ( أنظر عنوان: "نهاية الأيام في الإسلام" بنفس الموسوعة)، ووفقًا لهذا المفهوم فإنه لدين محمّد طابعًا أخلاقيًا على خلاف الديانات الوثنيًة لآبائه. ب- إرساء مكانة الله كإله واحد وإلغاء كل الآلهة المقدّسة لدى العرب في زمن محمّد. ج- إعطاء توراة مكتوبة، والتي جاءت لمحمّد أجزاء أجزاء من خلال " أمّ الكتاب" الذي في السماء على أيدي الملاك جبرائيل. د- التأكيد على قداسة الكعبة، البيت المقدس (المعبد) في مكة، بعد أن تمّ تطهيره من عبادة الأصّنام. هـ- تقديس شخصية أبراهام أبينا " خليل الرحمن" كمؤسسّ لدين التوحيد ومؤسس الكعبة، وقد رأى محمّد نفسه كمجدد لمكانة دين أبراهام، وبهذا رأى محمد خصوصية رسالته لاسيما بعدما زوال دين أبراهام، وبعد تمرد اليهود أبناء أبراهام. و- تشريع تشريعات، إتسمت بسمات غير مسبوقة من الناحيتين الأخلاقية والإجتماعية على خلاف ذلك الوضع الذي كان سائدًا قبل ظهور محمّد. ز- وضع الأساس للتنظيم الديني والسياسي للمؤمنين به، الذي ألغى – على أرض الواقع- النظام القبائلي، وحفظ للإسلام منذ البداية طابعه المُزدوج الذي يجمع بين الدين والدولة في آن واحد. ح- إخضاع جزء من قبائل العرب لسيطرته، ولسيطرة الله، تلك السيطرة التي تم إستكمالها بعد موت محمّد، ووصلت لذروتها عن طريق حملات الإحتلال. ح - إعادة مكة، مدينة ميلاد محمّد، إلى سيطرة الإسلام بعدما تركها عام 622 م ( أنظر مقال " هجرة" بالموسوعة)، وأنشأ لنفسه في المدينة ( أنظر مقال يثرب في الموسوعة) قاعدة لأعماله وأنشطته... وغيرها. ي- إعتماد اللغة العربية أساسًا للغة الدينيّة للإسّلام. 3- تأثير الديانات التوحيدية السابقة للإسلام، والتي إعترف بها محمّد طوال فترة حياته، لكنّه لم يعلن أنّه يدعو لدين جديد، وكان الجديد الذي جاء به محمدّ – وفقا لرأيه- هو أنّ القرآن "عربيّ"، ما يعني أن أبناء عمومته بإمكانهم الإستفادة من تلك القوانين والتشريعات الصالحة، التي أعطاها الرب للشعوب الأخرى بلغاتها الأخرى المختلفة. وبعدما استقرت دعوة محمدّ في المدينة، والتي لم يعترف اليهود بها وبدين الإسلام الذي يعد الصورة العربية لدينهم، حينها فقط بدأ محمّد في إشاعة فكرة أن توراته مختلفة عن توارة اليهود، وبعدها سعى إلى إبراز الفروق التي بين الإسلام واليهوديّة، ووفقا لذلك بدأ محمّد في تغيير إتجاه الصلاة، وفرض على المؤمنين به التوجه نحو "بيت الله " في مكة، كما ألغى صوم يوم عاشوراء في اليوم العاشر من شهر محرم (أنظر نفس العنوان من الموسوعة)، وحدّد بدلا منه صوم شهر رمضان (أنظر نفس العنوان من الموسوعة). وبالنسبة ليوم القراءة- المقدس (الجمعة) فقد حُدّد له اليوم السادس من الأسبوع ولم يُفرض على المؤمنين التوقف عن العمل فيه باستثناء وقت صلاة الظهر، كما خفّف كثيرًا من المحظورات الخاصة بالأطعمة الحرام تناولها، إذ لم يحظر منها سوى أكل لحم الخنزير. وقد بقيت كل هذه التغييرات في إطار فرائض عملية، لذلك لم يكن بهم ما يُمكن أنّ يُغير من الطابع العام لدين محمّد، ذلك الطابع المشترك بين دينه وبين كل من اليهوديّة والنصرانيّة. فيما يتعلق بالمصدر الأساسي الذي تأثر به دين محمّد، فقد إنقسم الباحثون حول ذلك إلى معسكرين، الأول: مالَ كثيرًا إلى اليهوديًة، والثاني: مالَ إلى النصرانيًة. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى رأي "أندريه " الذي نَسبَ إلى اليهودية غالبية التأثيرات من الناحية الماديّة، في حين نَسب إلى النصرانيّة، خاصة النصرانية في صورتها الشرقيّة، التأثيرات من الناحية الروحيّة. ج- العالم الإسّلامي: 1- إنتشار الإسّلام إلى خارج حدود الجزيرة العربية: بدأ على الفور بعد وفاة محمّد، عقب قمع تمرد القبائل، الذين حاولوا التخلص من عبء سلطان المدينة عليهم. وعقب أن تم إستكمال إحتلال الجزيرة العربية بأكملها بعد وفاة محمدّ عام 632 م، حكم أربعة خلفاء، وصلوا إلى سدة الحكم عن طريق الإنتخاب (الخلفاء الراشدون)، وهم: أبو بكر ( أنظر نفس العنوان بالموسوعة) 632-634م، وعمر (أنظر نفس العنوان بالموسوعة)، 634-644م، وعثمان (أنظر نفس العنوان بالموسوعة) 644-656 م، وعليّ (أنظر نفس العنوان بالموسوعة)، 656-660م. أُحتلت في عهد عمر، كل من سوريا وأرض إسرائيل وآرام النهر، وبابل وأرمينيا وفارس ومصر ووسط شممال أفريقيا، وخلال التسعين عامًا لحكم بني أميّة 661-750م، تم إحتلال كل شمال أفريقيا، وأسبانيا وعمق نهر هيندوس، وأيضًا أفغانستان والأراضي الواقعة شرقي نهر أوكسّوس. وخلال هذه الفترة كثيرًا ما فرض العرب حصارا على كوستا 77/673م، و 18/717م، وتسللوا كذلك إلى جنوب فرنسا، لكن تم عرقلتهم عام 732م بالقرب من بواتيا على أيدي كارل مارتل. كانت السيطرة على كل هذه الأراضي الشاسعة التي أحتلت من جانب المسلمين، خلال فترة حكم بني أُميّة، مركزة في أيدي السلالة الحاكمة فقط، وكانت عاصمتهم دمشق، كما تمكن قادة بني أميّة من السيطرة على المناطق البعيدة جدًا من العاصمة الأمويّة، وبعد أن تمت إزاحة بين أميّة على أيدي بني عباس في 750 ميلاديّة، أُقيمت عاصمة جديدة وهي بغداد على نهر الفرات عام 762م، وهذه المدينة أصبحت مركزُا للإسلام لمدة خمس قرون، حتى تم إحتلالها وتخريبها على أيدي المغول عام 1258م، وهذا الحدث وضع حدًا لسلالة بني عباس، التي هرب حاكمها إلى القاهرة. تفرقت كذلك المملكة العربية الواسعة الأرجاء، خلال فترة حكم بني عباس، وإنفصلت عدد من الممالك العربية التي كانت تعترف إعترافًا جزئيًا بسلطان الخليفة في بغداد؛ فحكام بني أمية أقاموا في عام 756م إمارة في قرطبة بأسبانيا، وتم إعلائها عام 928م إلى درجة خلافة، كما أن الفاطميين، وهي سلالة شيعية إسماعيلية، أقاموا عام 910م خلافة مستقلة في تونس، وفي عام 973م إحتلوا مصر وأسسّوا القاهرة، وظل سلطانهم عليها حتى عام 1171م، حينما سقطت مملكتهم في أيدي صلاح الدين الأيوبي ( أنظر نفس العنوان بنفس المقال)، الذي إحتل القدس من أيدي الصليبيين. كما أُقيمت كذلك ممالك مستقلة في أجزاء أخرى من الأراضي التي أحتلها المسّلمون، وكانت منها سلالات الأدارسة في المغرب(788-974م)، والأغالبة في تونس(800-909م)، والطاهريون في خورستان (819م)، والطولونيون في مصر (868م)، والسامانيون في بُخارى (874 م)، والغزنويون في أفغانستان(976م)، والسلاطنة السلجوقيون (1038-1157م)، والسولجقيون في العراق (1118-1194م)، وفي كرمان (1041-1186م)، وفي سوريا (1078-1117م )، وفي آسيا الصغرى(1077-1302م). والمرابطون في المغرب وجنوب أسبانيا ( فيما بعد 1060م)، والذين تمت إزاحتهم بعد ذلك على أيدي الموحدون ( 1146م). والحفصيون في تونس 1228-1574م.... وغيرهم. وقد توسعت الإحتلالات الإسّلامية بشكل كبير، إلا أن المسّلمين لم يتمكنوا من السيطرة على كل الأراضي التي إحتلوها، ففي عام 831م تم احتلال باليرمو عاصمة سيسيليا، وفي عام 1085م تم طرد المسلمين منها بالكامل على أيدي النورمانيين، وفي عام 1099م احتل الصليبيون القدس وسلطانهم ظل بالمدينة المقدّسة حتى عام 1187م، وفي أجزاء أخرى من أرض إسرائيل حتى عام 1291م. أما آسيا الصغرى فتم إحتلالها من قبل السلجوقيين التي أقاموا بها سلطنة قونيا، ومهدوا الطريق للإحتلالات التي قام بها الأتراك العثمانيين. ومثلما أن السّلاجقة بدخولهم الإسّلام أضافوا قوة له وللعالم الإسلامي، فكذلك كان المغول الذي إجتاحوا آسيا خلال القرنين الـ13 والـ14م، وكذلك الإيلخانيون في فارس، الذي قام أبو هذه السلالة ( هولاكو) باحتلال بغداد عام 1282م، إلا أنّ أحفاد الخان "باتو"، دخلوا الإسلام. وفي عام 1254م، وبالتزامن مع خراب بغداد، وضع المماليك حدًا لحكم الأيوبيين (أحفاد صلاح الدين)، وذلك بعد دورهم الكبير في التصدي للغزو المغولي؛ إذ أقاموا حكمهم في مصر كحكم مستقل حتى تم إحتلال مصر على أيدي العثمانيين عام 1517م، وبعد ذلك أصبح المماليك حكامًا تابعين للعثمانيين حتى غزو نابليون لمصر عام 1798م. لم تكن مقاومة السلاجقة للمغول كتلك المقاومة التي أظهرها المماليك للمغول في مصر، وبنهاية حكم سلاطنة السلاجقة وبين فترة إقامة الحكم العثماني في آسيا الصغرى، مرت فترة لا تقل عن مائة عام، والتي كانت فيها تلك البلاد خاضعة للطغاة المغول، أمّا الإمارات السلجوقية التي بقيت في تلك المناطق خلال هذه الفترة، فقد خضعت لسلطان العثمانيين 1391-1399م. فقد بدأ سلطان العثمانيين الفعلي في آسيا الصغرى بداية القرن الـ14م؛ فقد تم إحتلال بورصه عام 1326م وخلال هذه الفترة التي إستمرت مائة عام، تسلل الأتراك إلى أراضي البلقان، وفي نهاية هذا القرن من الزمان أصبحت مقدونيا وبلغاريا بأيديهم، في حين أن قطاعًا صغيرًا من الأراضي الواقعة وراء كوستا وعاصمتها كانت تحت سيطرة البيزنطيين. 2- شهد القرن الـ15 م، تحررًا كاملا لغرب أوروبا من سيطرة الإسّلام، وتم إستكمال طرد المسلمين بالكامل من أسبانيا عام 1492م، بالتزامن مع طرد اليهود كذلك، لكن قبل أربعين عاما من هذا التاريخ وقعت كوسّتا في أيدي محمد الثاني، وبذلك إنتشر حكم الإسلام بشكل غير مسبوق منذ أربعة قرون في مناطق مهمة بشرق أوروبا، وظلت بقايا هذا الإنتشار الإسلامي قائمة حتى يومنا هذا في صورة الدولة الإسلامية على الأراضي الأوروبية وهي (دولة ألبانيا). كانت هناك ممالك إسّلامية قائمة خلال العام 1500 م، في كل مناطق شمال أفريقيا وأرض إسرائيل وسوريا وآسيا الصغرى وشبة جزيرة البلقان حتى الحدود المجرية، وشبة جزيرة العرب، والعراق، وأرمينيا، وفارس، وفي أجزاء مهمة بالهند، والممالك المنغوليّة، والتي بقيت حتى بعد وفاة تيمورلنك في 1405م. 3- تراجع الحكم السياسي للإسّلام خلال الـ 450 عاما الأخيرة، خاصة بعد دحر الأتراك من شرق أوروبا، وبسبب إقامة الحكم الإستعماري على أيدي الدول الأوروبيّة العظمى في عدد من الممالك المستقلة السابقة، لكن خلال هذه الفترة أُقيمت الإمبراطورية الإسلامية في الهند، كما حصلت عددا من الدول التي كانت واقعةً تحت الإستعمار الأوروبي على الإستقلال. لكن من الناحية الدينية إحتل الإسّلام خلال الـ450 عامًا الأخيرة أراضي أخرى في أفريقيا وشرق آسيا بدلا من تلك التي فقدها في أوروبا. 4- يتكون العالم اليوم من دول إسّلامية مسّتقلة في أفريقيا وآسيا وأوروبا (ألبانيا)، ودول إسّلامية تحت حكم غير المسلمين (مثل مالايا، الجزائر، تونس)، ومن شعوب إسلامية بلا تنظيم سياسي مستقل مثل الشعوب الإسلامية الواقعة في دول الإتحاد السوفيتي، ومن شتات إسلامي داخل دول غير إسّلامية مثال في أمريكا وشينغيانج في الصين. وصل عدد المسلمين في الوقت الحالي لحوالي 300 مليون نسّمة، بهم أكثر من 90 مليونًا في الهند، وأكثر من 55 مليونًا في مالايا وإندونيسيا، و15 مليونًا في البلدان العربية، و17 مليونًا في مصر والسودان الشرقي، و16 مليونًا في بقية شمال أفريقيا، و15 مليونًا في فارس، و12 مليونًا في أفغانستان، و18 مليونًا في تركيا، وما لايقل عن 30 مليونًا في روسيا الآسيوية والصين، و24 مليونًا في أفريقيا الكوشية والشرقية، و3 مليونًا في البلقان وجنوب روسيا، ويضاف إلى ذلك المسلمون المتواجدون في البلدان الأوروبية وأمريكا ( حوالي 2 مليون). وقد تم استقاء هذه الملعومات من جيب (Gibb)، لكن " زكي علي " يُعطي في كتابه أرقامًا أكبر من هذه الأرقام بكثير، ووفقا لتقديراته فإن عدد المسّلمين يصل إلى 400 مليون نسمة تقريبًا. 5- كان اليهود والنصارى تحت سلطة الإسّلام، خاضعين لظروف مختلفة وفقًا لإختلاف الزمان والمكان. فالطائفتان ( اليهود والنصارى) كانتا موجودتين في الجزيرة العربية قبل ظهور محمّد، إلا أنّ الإسّلام طالب عبدة الأصنام الإعتراف به وحسب، ولم يطلب ذلك من اليهود والنصارى وبقية "أهل الكتاب"، فقد طُلب منهم فقط دفع ضرائب خاصة. بشكل عام، كان اليهود يعيشون في ظل ظروف وأوضاع لم تكن موجودة على الإطلاق تجاه اليهود والمسلمين في البلدان النصرانية، فلم يتم إجبار اليهود الذين يعيشون في بلدان إسّلامية على دخول الإسّلام بالقوة ولم يتم طردهم، مثلما تمّ طرد اليهود من البلدان النصرانيّة. كما أنّه في بعض الأماكن إنتهج حكام المسلمين، سياسة الإستفادة من الخدمات الجيدة التي يقدمها اليهود والنصارى بالجيش وبالوظائف الحكومية العليا، وبمرور الوقت تم وضع حدود معينة لليهود والنصارى بهذه البلدان، مثل منع بناء دور عبادة جديدة- في حين تم السماح لهم بترميم وتقوية دور العبادة القائمة بالفعل- إضافة لبعض الأحكام المتعلقة بإرتداء لباس معين، وبعض الأمور الأخرى. لكن هذه الأحكام لم تكن مُستحدثة من الاسلام، لكن كلها أو معظمها هي من موروثات الإمبراطورية الرومانية النصرانيّة، وفي معظم الحالات لم يكن المسلمين حريصين على تنفيذها، وفقط أيام الخليفة المتوكل ( 847-861م)، هي التي اتسمت بسوء معاملة أهل الديانات الأخرى، وكذلك خلال فترة حكم البربر الموحدين، ولكن هذا لم ينتشر في كل المجالات إبان حكم المسلمين على مر التاريخ. تغيرت الأمور فيما يتعلق بالعلاقة مع النصارى، خلال فترة حكم العثمانيين، بسبب سياسات الدول الإستعمارية الأوروبية والذين رأوا في أنفسهم رعاة لأمور إخوانهم في الدين من العرب الذين يسكنون في تركيا (أنظر مقال تركيا في الموسوعة). د- علاقة ثقافة الإسّلام بالثقافات السابقة لها: 1- وصلت الثقافة الإسّلامية لدرجة من التوحّد، ذلك رغم أنها إتسعت لتشمل أكثر من نصف مساحة البسيطة شرقًا وغربًا، ولتشمل حوالي ثلث مساحة الكرة الأرضية شمالا، وكانت جذور هذه الثقافة قوية جدًا حتى في الفترة التي عاشت فيها بأجزاء من أوروبا، التي تحررت بمرور الوقت من سلطة الإسلام مثلما حدث في أسبانيا وسيسليا وبلدان البلقان. وقد تنوعت الأسباب الكامنة وراء وحدة هذه الثقافة الإسلامية بين الداخليًة والخارجيّة. 2- كانت العناصر الداخلية هي: أ- الدين، ب- اللغة العربية ( أنظر نفس العنوان بالموسوعة)، ذلك نظرًا لأنّها اللغة المقدسة للقرآن وللشريعة الإسّلامية، فقد إحتلت مكانة مهمة بالبلدان التي دخلها الإسّلام، والتي لم تكن العربية هي لغة سكانها، إلا أن العربية منحت للغات الشعوب التي دخلت الإسلام ألفاظًا وأجزاء كلمات كثيرة. ج- القضاء المدني والجنائي، وتنظيم المحاكم، وصورة إدارة القضاء، فصورة كل هذه الأمور لم تختف حتى الآن في أماكن كثيرة من العالم الاسلامي، د- إستخدام الخط العربي في كل البلدان الإسّلامية ذات اللغات المختلفة، باستثناء تركيا التي بعد الحرب العالمية الأولى، إستبدلت الخط العربي بالخط اللاتيني. أما بالنسبة للشعوب الإسّلاميّة التي كانت خاضة للاتحاد السوفيتي، ومتأثرة سياسيّا وثقافيا به، فقد إستخدموا خطًا عمليًا، وبالنسبة لمالطا التي رغم إنها إستوعبت الثقافة العربية بشل أساسي، إلا أنها فيما بعد العصور الوسطى إستخدمت لغة إيطالية معينة كُتبت بحروف لاتينية، هـ - الفنون: نظرًا للضرورة الدينية للصلاة بالمسجد، والدور الحاسم للخط العربي كعنصر زخرفي، إضافة إلى أن تحريم عمل أي صورة أو تمثال، حدَّد ماهيّة الفنون الإسلامية ( أنظر مقال "الفنون الإسلامية" بالموسوعة). 3- أما العناصر الخارجية، فتتحدد في أهمية البلدان التي إحتلتها الجيوش الإسّلاميّة، والتي كانت في معظمها بلدان تسيطر عليها الثقافة الهيلنيتسيّة، مثل البلدان الواقعة غربي نهر الفرات والتي كانت كلها جزء من الإمبراطورية الرومانية، أو البلدان التي تأثرت بشكل كبير بالحضارة الهيلنيستيّة، مثل البلدان الواقعة من شرق نهر الفرات وحتى حدود الهند؛ فالهلينستيّة تواجدت هناك في البداية على أيدي المستوطنين اليونانيين، وأيضا على أيدي حكم اليونان لأجزاء من هذه البلدان، وبعد ذلك بتأثير من النصارى الذين تمت مطاردتهم على أيدي الكنيسة الأورثوذكسيّة البيزنطيّة وطلبوا اللجوء في أجزاء مختلفة من أراضي الإمبراطوريّة الفارسيّة. لم ينتج عن الإحتلالات الإسلاميّة لهذه المناطق، تغييرًا لنمط الحياة الثقافية بها، فيمكن القول إنه بشكل أو بآخر لا تعد الثقافة الإسّلاميّة وريثة للثقافة الهيلنيستية في لباس إسّلامي – عربي- فارسي، في حين أنّ ثقافة أوروبا في العصور الوسطى هي التي ورثت هذه الثقافة (أي الثقافة الإسّلامية) في لباس نصراني – لاتيني، أو أن الثقافة البيزنطية هي التي ورثتها في لباس أورثوذكسي- يوناني. ولم يتم التعبير عن هذه الحقيقة بشكل عملي في الثقافة الروحانية غير الدينية وحسب، أي في الفلسفة وعلوم الطبيعية والطب، ولكن أيضًا تم التعبير عنها بشكل كبير في الثقافة الدينية نفسها كذلك. وذلك بعد أن وضع بحث علوم الفكر بواسطة منظومة المصطلحات للعالم الكلاسيكي، وضع بصمته على اللاهوت وبشكل كبير على القوانين والتشريعات الإسلامية. لكن الشعوب التي دخلت في الإسلام استوعبت الكثير من الألفاظ والمصطلحات اليونانية واللاتينية، سواء بشكل مباشر أو سواء عن طريق اللغتين السُريانيّة والفارسيّة، وكانت مصادر هذه الألفاظ هي كتابات الأدباء اليونانيين التي تُرجمت إلى العربية ( كتب أفلاطون وأرسطو وابيقراط " سقراط" وجالينوس، وديسقوريديس، واقليديس وبطليموس)، وكان تراث القيادات الإدارية في هذه البلدان هو الذي ورث التراث العربي قبل أن ترثه أية جهة أخرى. مع ذلك، فإنّ الثقافة الهلينستيّة في وقتها لم تنتشر في فضاء واسع، وتأثرت بالكثير من المراكز الثقافيّة الرئيسة في البلدان التي إحتلتها، وكذلك أيضًا تم إثراء الثقافة الإسّلاميّة بالكثير من الأسس الثقافيّة لشعوب البلدان التي إحتلها الإسّلام، وخاصة من الثقافة الفارسية لاسيما في مجالي الشعر والفنون. وتجدر الإشارة إلى أنّ كل رجال العلوم في الإسّلام خاصة في فترة نموه كانوا من الفرس ولم يكن ذلك في العلوم وحسب، ولكن في اللغة العربية أيضًا. حصلت الثقافة الإسّلاميّة من الهند على (الأرقام) المعروفة بـ" الأرقام العربية"، والتي أحدثت ثورة عالميّة في طرق الحساب عن طريق وضع رمز خاص للصفر، والذي مَكّن من إستخدام الطريقة العشرية في كتابة الأرقام. كما حصلت الثقافة الإسلاميّة من الهند كذلك على النظرية المتعلقة بالـ 27 والـ28 منزلة للقمر والتي كان حسابها يتعلق بعلوم الفلك ( أنظر مقال الفلك بالموسوعة). كما أثرت الهند أيضًا الثقافة المادية للإسّلام عن طريق الإختراعات القيّمة في مجالات الأدوية والفلك، والأعمال الحسابيّة المتطورة، لكن الإسهام الهندسي الأشهر كان في مجال الأدب النثري، فحتى اليوم يتخذ أي طفل في العالم الإسلامي خطواته الأولى في مجال دراسة الأدب عن طريق قراءة كتاب " كليلة ودمنة"، وما هو إلا ترجمة عربية لكتاب فانتشاتانترا الهندي، الذي كُتب قبل ما لا يقل عن 150 عاما من ظهور الإسّلام. 4- الشعوبيّة: جزء مهم من الشعوب غير العربية التي ساهمت في تشكيل الوجه الثقافي للإسلام لاسيما الفرس، ظهرت لديهم نعرة الفخر القوميّة، والتي أدت بهم إلى رفض الأساس العربي للثقافة الإسلاميّة، وأدى بهم للميل للمطالبة بحقوق أكثر، وهذا التوجه عُرف بإسم (الشعوبيّة) أو (القومجيّة). 5- من الضروري التأكيد على أن بقية الشعوب التي دخلت الإسّلام، أضافت من تراثها الثقافي للثقافة الإسلاميّة العامة، مثل البربر في المغرب والأتراك في آسيا الصغرى، وفي زمن متأخر جدا يُضاف إليهم أيضًا شعوب البلقان، إلا أنّ جزء من هذه الشعوب لا يمكن مقارنتها بذات الشعوب التي لها جذور ثقافيّة هيلينستيّة مثل الهند وفارس. يُذكر كذلك أن الأصول الصينية موجودة في الثقافة الإسّلاميّة حتى يومنا هذا. هـ- تطور الدين الإسلامي: 1- إنّ دين محمّد كما تبلور في القرآن، لم يكن سوى نقطة النشأة للدين الإسلامي؛ إ لا يمكن التعرف على الإسّلام من خلال القرآن وحسب، مثلما إنّه لا يمكن التعرف على اليهوديّة من خلال التوراة وحسب أو من خلال العهد القديم وحسب، ومثلما لا يمكن التعرف على النصرانيّة من خلال العهد الجديد وحسب. وإذا كان بالفعل يوجد للدين الإسّلامي بكل جوانيه، نقطة إنطلاق في القرآن، الذي كان عملا كبيرًا حقًا، نشأ خلال فترة حياة شخص واحد فقط، ومع ذلك فإنه لم يكن من غير الممكن أن يُستخدم – أي القرآن- كأساس لنهج ديني لعشرات الملايين من البشر على مر الأجيال؛ إذّ أنّ ظروف الحياة أدت إلى أن يتطور الدين بعيدًا عن الحدود الضيقة للقرآن، والذي لم يخرج على شكل كتاب كامل خلال حياة النبي، كما أنه ناقص وفقا لبنائه وأسلوبه سواء فيما يتعلق بمجالات الشرائع أو بمجالات التاريخ المقدس والقصص، لذلك فإن تطور التفسيرات القرآنية إنتشر بشكل كبير في أوساط الإسّلام. 2- فيما يتعلق بالتطور الأساسي للدين الإسّلامي، فقد تم وضع " توراة شفويّة"، أصبح لها ثلاثة أدوار. أ) إستكمال التوراة المكتوبة وفقًا للمعلومات حول سلوك النبي (سُنّة) والتي تشتمل التعليمات التي أعطاها محمد تفصيلا، أووفقا لشهادات رجال معيته (الصحابة) حول أسلوب حياة النبي والتي لم تكن على شكل تعليمات مباشرة، أو الأفعال التي فعلها غيره في حضوره ولم يعترض عليها محمد. ب) إعطاء معلومات حول حياة النبي وحول الظروف المخلتفة المتعلقة بنزول الأجزاء المختلفة للقرآن. ج) بلورة ثروة من الأقوال المتعلقة بأمور العقيدة والأخلاق، المنسوبة لمحمّد وصحابته. ويمكن مساواة هذه التوراة الشفويّة الإسّلاميّة من حيث طابعها بالمدراشيم التشريعية والآجادا ، أكثر ما يمكن مساواتها بالتلمود والجمارا؛ إذ أنها مُكونة – أي التوراة الشفوية الإسّلاميّة- من وحدات صغيرة من "الحديث" التي تشتمل على سلسلة القبول (الإسناد)، التي تأتي للتدليل على صلاحيّة المحتوى. ذلك المحتوى ذاته الذي أدى إختلاف الآراء حوله إلى التشكيك في الكثير من التراث المتعلق بالتوراة الشفويّة. وفي الواقع فقد استخدم الحديث صورة أدبيّة ممنهجة لوضع تشريعات جديدة. جمع كل التراث المتعلق بالتوراة الشفويّة عددًا من رجال الدين، بعد تحقيقها وفحصها في عدد من الكتب، ومنها الجامع الصحيح للبخاري 810-870م، والذي يعد مساويًا من حيث قداسته للقرآن نفسه. يلاحظ في عدة مواضع بالحديث، الكثير من التأثيرات اليهودية والنصرانية وكذلك التأثيرات الأخرى، ليس فقط في المواضع المتعلقة بقصص المقرا التي بالقرآن وبجدل محمد مع اليهود والنصارى، ولكن أيضا موجودة في الكثير من المقولات التلموديّة ومقولات عيسى التي جاءت على لسان محمّد، ومن هنا تطور فرع خاص سُمي بـ" قصص الأنبياء"؛ فـ النبي "في الإسلام ليس الذي إسمه " نبيّ" وحسب كما هو في المقرا، ولكن أيضا أولئك الأشخاص الوارد ذكرهم في المقرا والعهد الجديد وكان لهم إتصالا مباشرا مع الإله، وتم ذكر قصصهم من مواد مقرائية ومدراشية وإسلامية، كما أن صورة "الأحاديث" تدل كذلك على تأثير يهودي بارز. 3- إن تطور الشريعة تم تأسيسه بشكل أساسي فيما يتعلق بالعبادة والقانون الذين كانا قائمين أصلا قبل ظهور محمد؛ فشرائع القرآن أخذت في الحسبان الواقع القانوني والتعبدي الذي كان موجودًا سابقًا، والذي يدل كذلك على تأثير يهودي ونصراني في آن واحد. وقد نشأ القانون الإسّلامي عن طريق نقاش من الناحية الدينية على المواد القانونية التي لم تكن موحّدة حتى ذلك الحين، وقد إشتمل هذا القانون الإسّلامي على وجهات نظر البدو في الجزيرة العربية قبل الإسّلام، وقانون البيع والشراء لمدينة مكّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ّّة التجارية، والقانون الزراعي لمدينة المدينة، وعدد من الأسس الأخرى العديدة، التي كان أصلها مختلف عن تلك الأسس التي تم إستيعابها في سنوات الإحتلالات الإسّلاميّة. وكل هذه الأسس تم صهرها في داخل بوتقة دينية- أخلاقية- تعبدية واحدة.