الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

و في هذا المقال سنتناول بإذن الله بيان خطأ سؤالهم من خلق الله فهو سؤال غير منطقي و غير صحيح إلا أن الملاحدة يكررونه دوما .

بيان شبهة الملاحدة

يقول الملاحدة : أنتم أيها المؤمنون بوجود الإله تسألون عن علة وجود المادة الأولى للكون وتجيبون بأن علة وجود المادة الأولى للكون هي الله، ونحن نسألكم وما علة وجود الله ؟ وستجيبون بأن الله غير معلول الوجود، فلماذا تقفون بمبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالله؟ و هنا نجيبكم ، و لماذا لا نفترض أن المادة الأولى غير معلولة الوجود، وبذلك يُحسم النقاش .

ويقول بعضهم : إذا قلنا بأن للكون خالق فهذا سيؤدي بنا إلى القول أن هذا الخالق له خالق آخر ، وهذا يمهد الطريق لآخرين ليضيفو خالقين آخرين ،وهذا تسلسل ممنوع فالتوقف عند الكون يعني التوقف عند المحسوس والملموس المدعوم بدليل، ويغلق الباب أمام من يحاول إضافة أسباب أخرى، بينما الإيمان بخالق هو بحد ذاته من يفتح الباب للقول بالتسلسل .








عدم منطقية سؤال من خلق الله

سؤال من خلق الله من الأسئلة غير المنطقية فالخالق لا يُخلق ،و الله ليس مخلوقا لنسأل من خلقه ، و الله قديم ليس حادثا أول ليس قبله شيء ، فلاينطبق عليه قانون الحوادث في السؤال عن خالقه ، و السؤال عمن أحدثه ،و المخلوقية من صفات الحوادث ،وهي الأشياء التي وجدت بعض أن لم تكن موجودة فكيف نصف الخالق بصفات الحوادث و ننسب له ما لا يليق ؟!!.

قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ﴾ (الحديد : الآية 3 ) أي : الله هو الأول الذي ليس قبله شيء, وهو الآخر الذي ليس بعده شيء, وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء, وهو الباطن الذي ليس دونه شيء, ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء, وهو بكل شيء عليم .

و الله – سبحانه وتعالى - أزلي ليس لوجوده بداية فوجوده ذاتي لا ينفك عنه أي يبقى إلى الأبد ،وإذا كان الله ليس لوجوده بداية فكيف نسأل عن سبب وجوده ؟!! وكيف نسأل عن علة لوجوده ؟!

والأصل في الخالق الوجود إذ لو كان الأصل فيه العدم لما أوجد الكون ؛ لأن فاقد الشيء لايعطيه ، وإذا كان وجود الله هو الأصل ، فهذا يستلزم أنه لا يحتاج إلى موجِد يوجده ، ولا علة لوجوده إذ لا يبحث عن علة وجود ما الأصل فيه الوجود .

وقول القائل : إن خالق الكون بحاجة إلى خالق رغم أنه خالق قريب من قول القائل إن الملح يحتاج إلى ملح كي يكون مالحاً رغم أنه ملحا، وإن السكر يحتاج إلى سكر حتى يكون حلواً رغم أنه سكر ، وإن الأحمر يحتاج إلى اللون الأحمر كي يكون أحمرا رغم أنه أحمر.


و قول القائل : من خلق الله ؟ يساوي قوله : ما الذي سبق الشيء الذي لا شيء قبله ؟ و يساوي قوله : ما بداية الشيء الذي لا بداية له ؟ ويساوى قوله : ما بداية وجود الشيء الذي لا بداية لوجوده ؟ وهذا قول في غاية السخف والسقوط .