الخالق يأمر الناس أن يعبدوه وحده و ألا يشركوا له في عبادته

الخالق يأمر الناس أن يعبدوه وحده و ألا يشركوا له في عبادته فهل رأيت صاحب محل من المحلات يحب نسبة المحل لغيره بالطبع لا و إذا نسبت المحل لغيره غضب وهل رأيت أبا يحب أن ينتسب ابنه لغيره بالطبع لا و إذا نسبت الابن لغيره غضب وهل رأيت كاتبا يحب أن تنسب كتاباته لغيره بالطبع لا و إذا نسبت الكتابات لغيره غضب و للخالق المثل الأعلى فمادام خلق فلا تنسب هذا الخلق لغيره و الخالق كان ولا خلق معه فهو مستغني عنهم و مادام مستغني عنهم فلا يريد بخلقهم نفعه و إنما يريد منهم عبادته لذلك أرسل لهم الرسل كي يعرفه الناس وكي يعبدوه و الرسل تبلغ الناس أنهم من عند الله الذي يقول لهم أنا الخالق فأعبدوني فالخالق وحده هو المستحق للعبادة وحده و العباد لا يعرفون كيفية عبادته إلا ببيان منه و ليس عن طريق نفسه بل عن طريق رسل يعرفون الناس ما يحبه وما يكرهه و كيفية عبادته و كيف تعبد من لم يخلقك وتترك من خلقك هذا ليس عدل منك بل سوء أدب منك للذي خلقك و يحك أيها الإنسان أتعطي الإحسان لغير أهله و تترك أهله .

مهمة الرسل تعريفنا بالخالق و كيفية عبادته

الخالق خلق الخلق ليعبدوه ، والخالق لا يعرفنا نفسه وكيفية عبادته عن طريق نزوله لنا بل أرسل لنا رسل منا لنعرف الخالق ونعرف كيفية عبادته و نعرف ما يحب وما يكره و ما ينبغي له وما لا ينبغي له فمهمة الرسل دعوة الناس للخالق وكيفية عبادته و تعريفهم بأسمائه و صفاته و الرسل بحاجة لتأييد ليعرف الناس أنهم من قبل الخالق فلا بد أن يأيدهم بالمعجزات و مع هذه المعجزات يدعون الناس لدين الخالق و عبادة الخالق تمييزا لهؤلاء الرسل عن غيرهم ممن تحدث لهم بعد الخوارق لكنهم لايدعون لعبادة الخالق ولا لدين الخالق ،وتأييد الخالق رسله بالمعجزات من كمال عدله ورحمته ومحبته للعذر وإقامته للحجة علىالعباد، إذ لم يبعث الخالق رسولا من الرسل إلا ومعه آية تدل على صدقه فيما أخبربه،ومن عظيم حكمة الخالق أن جعل معجزات رسله من جنس ما أبدع فيه القوم المرسلإليهم، إمعاناً في الحجة، وقطعاً للعذر، فلو جعلت معجزة الرسول في أمر يجهله منأرسل إليهم ، لكان لهم عذر في عدم إحسان ما يجهلونه ، والرسل قد ذكروا أن اسم هذا الخالق العظيم الله ومن الرسل موسى عليه السلام الذي أرسل في قوم كان السحر شائعا بينهم ، فآتاه الخالق من الآيات مافاق به قدرة السحرة على أن يأتوا بمثله ، فلما رأى السحرة ذلك ، علموا أن هذا أمرليس من فعل السحر ، وإنما هي المعجزة الربانية التي أيَّدَ الخالق بها رسوله موسى ،فما كان من السحرة إلا أن آمنوا وأذعنوا ومن الرسل عيسى عليه السلام ولما بعث الخالق عيسى في بني إسرائيل كان فن الطب فيهمشائعاً، فاقتضت حكمة الخالق أن جعل كثيراً من معجزاته عليه السلام من قبيل أعمالأهل الطب، فأبرأ الخالق على يديه الأبرص والأكمه - الذي ولد أعمى - وأحيا الموتى، وكلمن البرص والكمه فضلا عن الموت من الأمراض المستعصية التي لم يكن بمقدور الأطباء فيذلك الزمان التسبب في الشفاء منها ، فآتى الخالق عيسى عليه السلام معجزة الشفاء منهابلمسة ودعاء، وكل ذلك يدل على أن فعله عليه السلام لم يكن من جنس ما يفعله الأطباء،فإن الأطباء يمكنهم أن يشفوا من البرص ، لكن بعد معالجة وزمن، وكذلك يمكنهم أنيشفوا من العمى الذي يكون عرضياً ليس مخلاً بجوهر البصر، وأما شفاء الأكمه عديمالبصر فهذا ليس في طاقتهم ، وكذلك إحياء الموتى،ومثل ذلك مع رسول الإسلام محمد عليه السلام فقد بعث في قوم كانوا أهل فصاحة وبيان، وكانعليه السلام أميا لا يقرأ ولا يكتب، فلما بعثه الخالق جعل معجزته منجنس ما نبغ فيه العرب، وهو الكلام الفصيح، فآتاه الخالق القرآن، وتحدى العرب أن يأتوابمثله فعجزوا ، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بمثلسورة منه فعجزوا ، ثم أعلمهم بأنه لو اجتمع البشر كلهم، وتظاهرت الجن معهم على أنيأتوا بمثل هذا القرآن ما استطاعوا أن يأتوا بمثله ،ولقد أعجَز الخالق فصحاء العرب وتَحدَّاهم أن يأتوا بِسُورةمِن مثل هذا القرآنو كل من حاول الإتيان بِقول مسجوع يحاكي به القران يجيء بْالْمُضْحِكات مع أنه وجد قبل النبوة فُصحاء وبلغاء وشُعراء ، وكان فيهم خُطباء نَطَقُوا بالْحِكْمة ، مثل : قسّ بن ساعدة ، وغيره ، ليس إعجاز القران فقط في بلاغته ونظمه بل أيضا في ذكره لحقائق علمية لم تعرف إلا في العصر الحديث كانشقاق القمر كقوله تعالى : ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ [1]، و مراحل تكوين الجنين من نطفة ثم علقة ثم مضغة ومن تكوين العظام قبل اللحم قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [2] و أنه يوجد أكثر من شمس و أكثر من قمر فقد قال تعالى : ﴿ و َمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾[3] فالحديث في الآية عن الشمس والقمر، ومع ذلك قال تعالى : خلقهن وليس (خلقهما)، مما يدل على وجود أكثر من شمس و أكثر من قمر وفي زمن نزول القرآن أي قبل 1400 سنة لم يكن أحد يعرف شيئاً عن وجود أقمار غير قمرنا وشموس غير شمسنا، ولكن الاكتشافات الجديدة في علم الفلك أثبتت وجود ما لا يقل عن مئة ألف مليون شمس مثل شمسنا، وهذه موجودة في مجرتنا فقط، فكيف لو أحصينا عدد الشموس في الكون؟! و قد تحدث القران ليس فقط عن حقائق علمية بل عن أمور مستقبلية و قد وقعت مثل إخباره بموت أبي لهب على الكفر قال تعالى :﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ [4] و أبو لهب كان يسمع هذه الآية و مع ذلك لم يسلم ظاهريا كي يكذب دعوة محمد الله عليه وسلم .


[1] - القمر الآية 1

[2] - المؤمنون الآية 12 - 14

[3] - فصلت الآية 37

[4] - سورة المسد