{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا "85"}

(سورة الإسراء)

إنها من عند الله .

و(الروح) لها إطلاقات متعددة، منها:
1)الروح التي تمد الجسم بالحياة إن اتصلت به، كما في قوله تعالى:

{ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "29"}
(سورة الحجر)

فإذا ما فارقت هذه الروح الجسد فقد فارق الحياة، وتحول إلى جثة هامدة، وفيها يقول تعالى:

{ فلولا إذا بلغت الحلقوم "83"}
(سورة الواقعة)

2) وقد تأتي الروح لتدل على أمين الوحي جبريل عليه السلام، كما في قوله تعالى:

{ نزل به الروح الأمين "193"}
(سورة الشعراء)

3) وقد تطلق الروح على الوحي ذاته، كما في قوله تعالى:

{ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا "52"}
(سورة الشورى)

4) وتأتي بمعنى التثبيت والقوة، كما في قوله تعالى:

{ أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه .. "22"}
(سورة المجادلة)

5) وأطلقت الروح على عيسى ابن مريم ـ عليه السلام ـ في قوله تعالى:

{ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه .. "171"}
(سورة النساء)

إذن : لهذه الكلمة إطلاقات متعددة، فما العلاقة بينها؟

قالوا: الروح التي بها حركة الحياة إذا وجدت في الإنسان تعطي مادية الحياة، ومادية الحياة شيء، وقيم الحياة شيء آخر .

فإذا ما جاءك شيء يعدل لك قيم الحياة فهل تسميه روحاً ؟

لا... بل هو روح الروح ..... لأن الروح الأولى قصاراها الدنيا، لكن روح المنهج النازل من السماء فخالدة في الآخرة، فأيهما حياته أطول؟

لذلك فالحق سبحانه ينبهنا: إياك أن تظن أن الحياة هي حياتك أنت وكونك تحس وتتحرك وتعيش طالما فيك روح ، لا بل هناك روح أخرى أعظم في دار أخرى أبقى وأدوم:

{ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون "64" }
(سورة العنكبوت)

لأن الروح التي تعيش بها في الدنيا عرضة لأن تؤخذ منك، وتسلب في أي مرحلة من مراحل حياتك منذ وجودك جنيناً في بطن أمك، إلى أن تصير شيخاً طاعناً في السن ..

أما روح الآخرة ، وهي روح القيم وروح المنهج ، فهي الروح الأقوى والأبقى؛ لأنها لا يعتريها الموت.

إذن: سمي القرآن ، وسمي الملك النازل به روحاً ؛ لأنه سيعطي حياة أطول هي حياة القيم في الآخرة.

وهنا يقول تعالى:

{ قل الروح من أمر ربي .. "85"}
(سورة الإسراء)

أي: أن هذا من خصوصياته هو سبحانه، وطالما هي من خصوصياته هو سبحانه، فلن يطلع أحداً على سرها.

وهل هي جوهر يدخل الجسم فيحيا ويسلب منه فيموت
أم هي مراد (بكن) من الخالق سبحانه
فإن قال لها كن تحيا ... وإن قال مت تموت؟

إن علم الإنسان سيظل قاصراً عن إدراك هذه الحقيقة، وسيظل بينهما مسافات طويلة؛ لذلك قال تعالى بعدها:

{ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا "85"}
(سورة الإسراء)

وهل عرف العقل البشري كل شيء حتى يدعي بالباطل عن أسرار الروح؟!

ولما تعرض أحد الزاهدين للنقد، واعترض عليه أحد الأشخاص
فقال له الزاهد: وهل أحطت علماً بكل شيء في الكون؟
قال الرجل: لا
قال: فأنا من الذي لا تعلم.

فالحق سبحانه وتعالى حينما يعطينا فكرة عن الأشياء لا يعطينا بحقائق ذاتها وتكوينها؛ لأن أذهاننا قد لا تتسع لفهمها، وإنما يعطينا بالفائدة منها