سلام الله عليكم ورحمته وبركاته

القراءات جمع قراءة ، والقراءة فى اللغة مصدر قرأ0
وفى الاصطلاح: مذهب من مذاهب النطق فى القرآن، يذهب إليه إمام من الأئمة مخالفاً به غيره ، سواء أكانت هذه المخالفة فى نطق الحروف ، أو فى نطق هيئاتها.
وعلم القراءات:


هو علم يعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية ، وطريق أدائها اتفاقاً واختلافاً ، مع عزو كل وجه لناقله. فموضوع علم القراءات إذن ، كلمات القرآن الكريم من حيث أحوال النطق بها ، وكيفية أدائها.([1])



نشـــأة القراءات:


الزمن الذى نشأت فيه القراءات القرآنية ، هو نفسه زمن نزول القرآن الكريم ، ضرورة أن هذه القراءات ، قرآن نزل من عند الله فلم تكن من اجتهاد أحد ، بل هى وحى أوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد نقلها عنه أصحابه الكرام - رضى الله عنهم - حتى وصلت إلى الأئمة القراء ، فوضعوا أصولها ، وقعدوا قواعدها ، فى ضوء ما وصل إليهم ، منقولاً عن النبى -صلى الله عليه وسلم - وعلى ذلك ، فالمعول عليه فى القراءات ، إنما هو التلقى بطريق التواتر ، جمع عن جمع يؤمن عدم تواطؤهم على الكذب ، وصولاً إلى النبى صلى الله عليه وسلم. أو التلقى عن طريق نقل الثقة عن الثقة وصولاً كذلك إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، ويضاف إلى هذا القيد قيدان آخران سيذكران فى محلهما عند الحديث عن شروط القراءة الصحيحة ، أو ضوابط قبول القراءة.


وانطلاقاً من ذلك وبناءً عليه ، فإن إضافة هذه القراءات إلى أفراد معينين ، هم القراء الذين قرأوا بها ، ليس لأنهم هم الذين أنشأوها أو اجتهدوا فى تأليفها ، بل هم حلقة فى سلسلة من الرجال الثقات الذين رووا هذه الروايات ونقلوها عن أسلافهم ، انتهاءً بالنبى صلى الله عليه وسلم ، الذى تلقى هذه القراءات وحياً عن ربه - جل وعلا. وإنما نسبت القراءات إلى القراء لأنهم هم الذين اعتنوا بها وضبطوها ووضعوا لها القواعد والأصول.


ما سبب اختلاف القراءات ؟


لقد عرفنا فيما مضى أن هذه القراءات منقولة عن النبى صلى الله عليه وسلم ، ومعنى ذلك أن الوحى قد نزل بها من عند الله.

والإجابة عن السؤال المطروح ، لمسها الصحابة وقت نزول القرآن واقعاً لا نظرية ، وذلك أن الصحابة - رضى الله عنهم - كانوا من قبائل عديدة ، وأماكن مختلفة ، وكما هو معروف أنه كما تختلف العادات والطباع باختلاف البيئات ، فهكذا اللغة أيضاً ، إذ تنفرد كل بيئة ببعض الألفاظ التى قد لا تتوارد على لهجات بيئات أخرى ، مع أن هذه البيئات جميعها تنضوى داخل إطار لغة واحدة ، وهكذا كان الأمر ، الصحابة عرب خلص بيد أن اختلاف قبائلهم ومواطنهم أدى إلى انفراد كل قبيلة ببعض الألفاظ التى قد لا تعرفها القبائل الأخرى مع أن الجميع عرب ، والقرآن الكريم جاء يخاطب الجميع ، لذلك راعى القرآن الكريم هذا الأمر ، فجاءت قراءاته المتعددة موائمة لمجموع من يتلقون القرآن ، فالتيسير على الأمة ، والتهوين عليها هو السبب فى تعدد القراءات.

والأحاديث المتواترة الواردة حول نزول القرآن على سبعة أحرف تدل على ذلك:

جاء فى الصحيحين - عن ابن عباس رضى الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أقرأنى جبريل على حرف فراجعته ، فلم أزل أستزيده ويزيدنى حتى انتهى إلى سبعة أحرف"([2]) ، وزاد مسلم: " قال ابن شهاب: بلغنى أن تلك السبعة فى الأمر الذى يكون واحداً لا يختلف فى حلال ولا حرام"([3])

وأخرج مسلم بسنده عن أبى بن كعب ، أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان عند أَضَاة بنى غفار([4]) قال: " فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف ، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن أمتى لا تطيق ذلك ، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين ، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن أمتى لا تطيق ذلك ، ثم جاء الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف ، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن أمتى لا تطيق ذلك ، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف. فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا" ([5])

والأحاديث الواردة فى هذا المقام كثيرة ، لكنى أكتفى بما ذكرت ، والمزيد فى مظانه ، ويؤخذ من ذلك ما يلى:

1. إن الأحرف السبعة جميعها قرآن نزل من عند الله ، لا مجال للاجتهاد فيها.

2. أن السبب فى هذه التوسعة هو التهوين على الأمة ، والتيسير عليها فى قراءة القرآن الكريم.


النسبة بين الأحرف السبعة والقراءات السبع ([6])

نسبة القراءات السبع إلى الأحرف السبعة هى نسبة الخاص إلى العام ، فالأحرف السبعة تشمل جميع القراءات بما فيها السبع.

ومن يعتقد أن القراءات السبع هى الأحرف السبعة ، فقد أبان عن تعجله فى حكمه ، وكشف النقاب عن قلة إدراكه بكنه المراد بكل من القراءة والأحرف السبعة ؛ لأن هؤلاء القراء السبعة وهم: ابن عامر ، وابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، ونافع ، وأبو الحسن الكسائى.

أقول: هؤلاء القراء السبعة لم يكونوا قد ولدوا حين ذكر النبى - صلى الله عليه وسلم - الأحرف السبعة ، فهل معنى ذلك أن حديث النبى - صلى الله عليه وسلم - "أنزل القرآن على سبعة أحرف" كان عارياً من الفائدة ، وبعيداً عن الواقع ، إلى أن ظهر هؤلاء القراء ، وماذا فهم الصحابة إذن من الحديث؟

ما أبعد هذا القول عن الواقع ، بل ما أكثر مجانبته للصواب !!!



([1]) المهذب فى القراءات العشر 1 / 6

([2]) ينظر صحيح البخارى ، كتاب فضائل القرآن ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف

([3]) ينظر : صحيح مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف

([4]) مستنقع ماء كالغدير ، كان بموضع بالمدينة نزل عنده بنو غفار فنسب إليهم

([5]) ينظر صحيح مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف

([6]) سوف يأتى التعريف بالقراء السبعة أصحاب هذه القراءات فى المبحث القادم إن شاء الله تعالى ، ومعهم بقية الأربعة عشر





من بحث ( أ0د: أحمد سعد محمد الخطيب )


والى اللقاء فى الجزء الثانى

أقسام القراءات

وبيان ما يقبل منها ومالا يقبل

أوجه الاختلاف بين القراءات الثابتة


خادمة القرآن