# بين الهدهد وفرعون#:
إن الهدهد لما عمل لدينه ومنهجه وجماعته المؤمنة بالله وحده تحت ملك سليمان ؛ أكرمه الله بأن كان سببا في إسلام بلقيس وقومها ، فقال تعالى :
{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)}
فكان نعم الداعية هو ....

وأما فرعون عندما تخلى عن آدميته وطغا طغيانا لم يُسبقْ إليه مثله حتى أنه قال :
{ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}
أذله الله وأخزاه وقال عنه أنه سيكون قائدا لقومه في النار ، فقال الله تعالى :
{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)}

فأين الهدهد من فرعون؟!!!

#هاء السكت#:
هاءُ السَّكْتِ - في اصطلاح النحاة والقراء -: هي اللاحقة لبيان حركة أو حَرْفٍ نحو : ماهِيَهْ وهاهُناهْ . وأصْلها أن يُوقَفَ عليها وربما وُصِلَتْ بِنِيَّةِ الوقف.....
وأما في القرآن : فكأني بها ؛ بأنك يا قارئ القرآن إذا قرأتَ فقف هنا، فهنا معنى الكلام تمّ ولا تتجاوزه وتأمله جيدا واعتبر ..... وهذا واضح أشد الوضوح في سورة الحاقة .
فلنلاحظ الوقوف عليها كيف يستدعي التأمل حيث قال تعالى :
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}!
قف هنا وتأمل كيف حاله، وكأنه بعد توقفه اطمأنّ قلبه وقرتْ عينه فبعدها قال :
{ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}! ....
قف هنا ولا تصله بما بعده فهو ليس كلامه بل قول الله عزوجل، حيث يقول بعدُ :
{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)}.....
فبعدها يتحول الكلام إلى الذي يأخذ كتابه بشماله وأيضا موقفه يدعو للتأمل ولهذا جيء بهاء السكت ، كما جيئت في صاحب اليمين حيث قال :
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25)}....قف وتأمل!
{ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)}...اسكت وتامل!

وعلى هذا نلاحظ أنّ هاء السكت جاءت في مواطن تحتاج إلى وقفة واهتمام وتأمل كما قلنا ، وهذا واضح جلي في قوله تعالى :
{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}!
فهذه الهاء جائزة وليست واجبة فكان يمكن أن يقول (اقْتَدِ) ولكن جاء بهاء السكت؛ وهي علامة الوقف ، وهذا يدل على أنه أمر يجب أن يقف عند هداهم فلا يتعدّاه ولا يسأل عن هدى غيره ، ولذا قدّم تعالى (فبهداهم) لتفيد الحصر ، وقد ذكر تعالى عن الأنبياء كإبراهيم ونوح وغيرهم كما في الآيات فقال :
{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)}
ثم قال (فبهداهم اقتده) أي اسكت هنا ولا تسأل عن هدى غيرهم واقتد بهداهم فقط !.
والله أعلم

#تعليق#كتاب سيبويه#:
قال سيبويه في (الكتاب) : (واعلم أنَّ بعض الكلام أثقلُ من بعض فالأفعالُ أثقلُ من الأسماء لأنّ الأسماء هي الأُولَى وهي أشدُّ تمكّنا فِمن ثم لم يَلحقها تنوينٌ ولحقها الجزْم والسكون...) ج1 ص20
وكذا قال غيره بنفس المعنى

التعليق:
قلت :أظن - والله أعلم- أنّ مسألة الأفعال أثقل من الأسماء؛ مسألة منطقية كلامية ليس لها واقع تصدق عليه ، فهي مسألة أقحمتْ في علم النحو ...فالضمة تلحق الاسم (يا زيدُ) كما تلحق الفعل (يكتبُ)....والفتحة تلحق الاسم ( لا إلهَ إلا الله ) كما تلحق الفعل (كتبَ) .
وأما الكسرة يجلبها عامل الكسر، وهو إما حرف الجر أو الإضافة وهذان لا يأتيان إلا مع الأسماء، أو مع التوابع... فأين الثقل؟؟؟!!!

فإن قيل : الضمة في (زيدُ) بناءٌ ، وفي (يكتبُ) إعرابٌ .
قلت : لا علاقة لنا باسمها ، ولا بمسماها ؛ بل بحثنا على حسب ما ذهبوا إليه بالنطق لا بالتسمية والماهية فلذا قالوا الثقل والخفة !!!

أما بخصوص أنّ الجزم والسكون لا يلحق الاسم والسبب هو الثقل والخفة ...الخ : فأظن أن المسألة متعلقة بالعامل الداخل على الفعل حيث إنه أحدث الجزم أو السكون ...ولا نجد لهذا العامل لفظيا كان أو معنويا مكانا للدخول على الأسماء ، فبالتالي لا نجد اسماً مجزوما ولا ساكنا ، ولنا دليلٌ آخر وهو : أنّ السكون يلحق الاسم حال الوقف عليه ولا نجد مشكلةً بالنطق به مع الاسم ....فأين الثقل؟؟؟!!!

وأما بخصوص لحوق التنوين بالاسم : فالمسألة ؛ لا علاقة لها بالثقل والخفة المتوهَمَيْن – حسب نظري القاصر- بل لأن من الاسم ما هو نكرة ؛ وما هو معرفة ، فلذا أتى في الاسم التنوين ولم يأت في الفعل ...فأين الثقل من الخفة ؟؟!!

والله أعلم