سألني أحدُ الطلاب عن قوله تعالى : { وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} ؛ أليس الكتاب هو التوراة والأنجيل وكيف يعطف الشيء على نفسه؟!!

فأجبتُه – متدبرا- بأن قولَ المفسرين بخصوص (الكتاب) هو الكتابة ومنهم من قال حسن الخط..إلخ!!!! بصراحة أجدهم كُلّا قد نقلَ من كلٍّ ولم يقفوا وقفة تأمل عندها.
يا عزيزي إني لأرى وحسب علمي القاصر أنّ في هذه الآية إشارة لنزول عيسى عليه السلام آخر الزمان ، وأنّ(الكتاب والحكمة) هنا هما الكتاب – أي القرآن- والسنة وذلك من وجهين :
الأول : لو استقرأنا القرآن - من أوله إلى آخره- بخصوص مجيء (الكتاب والحكمة) لوجدناها لم تأتِ إلا في سياق الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خااااصة إلا في آية النساء أتت بــ (آل إبراهيم) ؛ وسيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم من الآل فلا إشكال من عدم التخصيص، وإليك سرد الآيات من دون تعليق :
{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ } 129/البقرة
{وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)}/البقرة
{وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} 231/البقرة
{وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) }/آل عمران
{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)}/النساء...مرّ الحديث عنها أعلاه
{ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}113/النساء
{وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } 1/الجمعة

وأما الثاني : فلا غرابة بتعليم اللهِ لعيسى عليه السلام القرآن والسنة أي (الكتاب والحكمة) لِما جاء من حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :
(عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) رواه البخاري
وكذا : (وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم حَكَما مُقْسِطا. فَيَكْسِرُ الصّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) رواه مسلم
قال النووي بشرحه على صحيح مسلم :
((حكما) أي ينزل حاكما بهذه الشريعة، لا ينزل نبيا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة، بل هو حاكم من حكام هذه الأمة والمقسط العادل..)
فإذا عُلِمَ ما جاء به الحديثُ وشرحهُ ؛ علمتَ كيف علّمَ اللهُ عيسى عليه السلام (الكتاب والحكمة) أي الكتاب والسنة وليس كما قال المفسرون (الكتاب) أي الكتابة وحسن الخط!!!. فافهم.
والله أعلم