ذات الدين

أحمد عبداللطيف النجار

لو سألت أحدًا من شباب هذا الزمن «العجيب»: ما مواصفات عروس وزوجة المستقبل لقال لك: الجمال بالطبع، أي تكون جميلة جدًّا وهو هنا يقصد جمال الشكل والمظهر لا جمال الروح والجوهر! ولأضاف وياحبذا لو كانت غنية أيضًا ذات مال وثراء!
هذا هو للأسف منطق وتفكير جيل الإنترنت والدِّش بكسر الدال! وهذا ما عايشته بنفسي في قصة صاحبي عبدالرؤوف، فقد كان طالبًا جامعيًا مستهترًا إلى أبعد حد، حصل على شهادته بطلوع الروح كما يقولون!
ولكن بعد أن أضاع كل ميراثه من والده، بعد حصوله على الشهادة تعرف على فتاة بسيطة من أسرة متوسطة، تلك هي سلمى التي حدث تقارب وإعجاب بينها وبين عبدالرؤوف رغم أن جمالها كان متواضعًا للغاية، ولا أقول دميمة فالإنسان العاقل يقيس جمال المرأة بروحها الطيبة وعقلها الراجح!
يقول عبدالرؤوف انجذبت إلى سلمى وقررت الزواج منها رغم الفارق الشاسع بيننا في التعليم، فهي لم تنل من التعليم غير الشهادة الإعدادية، واعترض إخوة عبدالرؤوف على ذلك الزواج «غير المتكافئ» كثيرًا ورغم ذلك أصر صاحبي على موقفه وقراره الزواج من سلمى، خاصة وقد وفرت له عروسته الشقة التي سيتزوجا فيها، وتم الزواج بالفعل وسافر صاحبي للعمل بالخارج واصطحب معه زوجته سلمى واستمر في العمل أكثر من عشر سنوات كاملة، وتمضي الأيام سريعًا ويرزق المولى عز وجل عبدالرؤوف ولدين يحسن تربيتهما وتنشئتهما منذ الصغر على التدين وتقوى الله جل في علاه، ويزرع فيهما الفضيلة، وتتحسن علاقة زوجة عبدالرؤوف بإخوته بفضل اتزانها وشهامتها وحسن معاملتها للناس.
ذات يوم فاجأني عبدالرؤوف بقوله إن العمر تقدم به وأحواله تحسنت كثيرًا ولكن مايؤرقه حقًّا هو «دمامة زوجته» خاصة أنه يرى نفسه وسيمًا ويرى زوجته «عاطلة عن الجمال» على حد قوله!
قلت له استغفر الله يا أخي وأحمده على عطاياه ولا تتبطر على نعمته التي أهداك إياها، فكان رده عجيبًا بأن قال: إني أخجل جدًّا من الظهور بها أمام أصدقائي وجيراني، خاصة أنه قد نفر منها الجميع بالفعل لدمامتها!
فقلت له سبحان الله ألا تتذكر قول الحبيب المصطفى اظفر بذات الدين تربت يداك، ألا تتقي الله في زوجتك وهي أمانة في عنقك؟ ألا تتذكر لها وقوفها بجانبك في أيام الضيق والعسر والشدة؟
ألا تشكر لها جميل صنيعها لك عندما ساعدتك بموافقتها على زواجكما في شقتها ومساعدتها لك أيام كنت عاطلًا عن العمل!
والآن يا عبدالرؤوف بعد أن أغناك الله من فضله تجحد نعمته وتكشر عن أنياب الغدر لزوجتك المخلصة الوفية!
عجيب أمر ابن آدم لا يملأ عينه سوى التراب، وتمضي الأيام والسنون بسلمى وزوجها عبدالرؤوف الذي يصر على أن يعوض ما فاته من عمره بالزواج مرة أخرى من امرأة جميلة، بل ويرغبها جميلة جدًّا حتى يعوض النقص الذي يشعر به في سلمى!
قلت له والله يا أخي النقص الحقيقي فيك أنت، في تفكيرك القاصر، ومنطقك الأناني! فإن من يعاشر حيوانًا أليفًا قد يعز عليه فقده، فلماذا لا يعز على بني آدم فقد عشيرته من بني الإنسان بمجرد أن ظروفه المادية تحسنت!
ويصر عبدالرؤوف على عناده ويسوق لي تبريراته العجيبة بأنه يشعر دائمًا بنظرات الإشفاق في عيون أصدقائه وجيرانه بسبب «دمامة» زوجته سلمى، فقلت له لماذا يا عبدالرؤوف لم تكتشف هذه النظرات إلا الآن فقط بعد أن استقرت أحوالك المادية!
لماذا لم تر نظرات الإشفاق هذه التي تدعيها في عيون الآخرين وأنت ضائع بلا عمل ومال، وحين وافقت سلمى على الزواج منك وأوتك وكفلتك في بيتها وحين ساندتك في بداية حياتك؟!
فالجمال يا صاحبي مسألة نسبية، الشيء الجميل والباهر بحق في أي امرأة هو جمال روحها، جمال طبعها، جمال إيمانها، جمال جوهرها وباطنها وليس الجمال الظاهر فقط!
تأكد يا صديقي أنه لا تخلو أي امرأة من لمسة جمال مهما كانت دمامتها بل كن على يقين أن من شقوا بجمال زوجاتهم أضعاف أضعاف من شقوا بدمامة زوجاتهم!
تأكد يا صاحبي أنك بإصرارك على الزواج من ثانية ستخسر حتمًا أضعاف ما أخذت وتخسر استقرار حياتك وتعرض أبناءك لمحنة لا داعي لها، وستخسر راحة البال وتتمزق بين أسرتين وحياتين!
وصعب جدًّا في هذا الزمن الأصعب أن تعدل بين زوجتين!
وأخيرًا أخيرًا اقتنع صاحبي عبدالرؤوف بكلامي البسيط ورجع إلى عقله، رجع إلى نفسه، رجع إلى ربه، وطرد من تفكيره وساوس شياطين الإنس والجن، بل وقام ذات يوم بزيارة عائلية عزيزة وغالية مع زوجته المؤمنة سلمى وولديه، ونظرت إلى وجهه ورأيت نور الله يشع من عينيه والخشوع واليقين والسكينة تنبعث من وجه زوجته الوفية سلمى، حينها شعرت يا أصحابي أن الدنيا رغم كل ما فيها مازالت بخير وتذكرت قول الحبيب المصطفى ص: «الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين».