شهادة المؤرخ / يعقوب نخلة روفيلة
صاحب كتاب " تاريخ الأمة القبطية "
يعد كتاب " تاريخ الأمة القبطية " أول كتاب باللغة العربية تحدث عن تاريخ الأقباط معتمدًا في مادته على المخطوطات الموجودة بالأديرة والكنائس القديمة , وقد كتبه العلامة المؤرخ المسيحي / يعقوب نخلة روفيلة منذ أكثر من مائة عام , وتمت طباعته في " مطبعة التوفيق القبطية الأرثوذكسية " عام 1899م حسب ما جاء في في نهاية خاتمة مؤلف الكتاب , وسوف نعتمد في نقلنا عنه على طبعته الثانية .

وحسب القاريء على أهمية هذا الكتاب , هو إعتماد جميع الدارسين في مجال التاريخ القبطي عليه , وقد إستعان به المؤرخ الكبير / عزيز سوريال عطية في كتاباته العديدة حول تاريخ الأقباط وحضارتهم .
وسنستعرض من خلال هذا المرجع الهام , المراحل التي مر بها الأقباط في ظل الحكم الإسلامي بداية من الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه .
الأقباط تحت حكم الرومانيين والفتح الإسلامي لمصر !
يقول المؤرخ يعقوب روفيلة تحت عنوان " الأقباط تحت حكم الرومانيين " : ( ... وبقيت مصر في يد الفرس نحو عشر سنوات ساموا فيها المصريين الخسف والعذاب أشكالاً , واستمروا على ذلك إلى أن قام هرقل ملك الروم وقاتلهم , وهزمهم واسترجع البلاد من يدهم , ولكن لم ينل أقباط مصر مع الأسف من هذا التغيير خيرًا بخلاف ما كانوا يتوقعونه من أن الحوادث علمته والتجارب ربته , بل كانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار فإن هرقل بعدما خلص البلاد من يد الفرس حول نظره إلى تنفيذ الغرض الأصلي الذي كان يسعى وراءه الملوك سلفاؤه , وهو توحيد العقيدة النصرانية , وجعلها واحدة في كل المملكة , ولما لم يجد منهم إلا الرفض والإباء , إلتجأ في تنفيذ غرضه هذا إلى القوة والشدة بحد السيف فقتل كثيرًا من السوريين والمصريين , وإستباح دماءهم وسلب أموالهم وعزل البابا بنيامين بطريرك الأقباط وعين بدله ممن على مذهبه ثم طلبه ( بنيامين ) ليقتله فهرب واختفى من وجهه في دير صغير بالصعيد , وبقي مختفيًا فيه إلى مجيء العرب واستيلائهم على مصر ) ( تاريخ الأمة القبطية ص 34 -35 ) .
ثم يستطرد المؤرخ / يعقوب روفيلة قائلاً : ( وبينما كان الملك هرقل مهتمًا بتأييد مذهبه وتعذيب مخالفيه في سوريا ومصر , متشاغلاً بذلك عن إجراء ما فيه حفظ البلاد وصونها وراحة العباد وتنظيم أحوال المملكة ولـمّ شعثها , ظهرت الدولة العربية الإسلامية في شبه الجزيرة العربية أوائل الجيل السابع للميلاد , وكان ظهورها قاضيًا على مملكة الروم الشرقية بالويل والخراب ) ( المصدر السابق ص 37 ) .
ويحدثنا المؤرخ / يعقوب روفيلة عن عمرو بن العاص فيقول : ( وكان بين قواد جنود العرب رجل يسمى عمرو بن العاص , اشتهر بالبسالة والشجاعة وإصابة الرأي وحسن التدبير , وجاء في بعض الروايات أنه كان قبل الإسلام يتعاطى التجارة فجاء إلى مصر غير مرة ورأى بالعيان ما كانت عليه البلاد من سوء الحال وميل الأقباط للتخلص من نير الرومان الثقيل فأشار على الخليفة بفتح مصر ) ( المصدر السابق ص 38 ) .
ويستطرد المؤرخ يعقوب قائلاً : ( وصار عمرو يخترق الهضاب والبطاح ويجوب الفيافي والبلاد حتى وصل إلى مصر , فدخل مدينة العريش سنة 639للميلاد أي سنة 18 للهجرة ومنها وصل إلى بلبيس وفتحها بعد قتال طال أمده نحو شهر , ولما إستولى عليها وجد بها أرمانوسة بنت المقوقس , فلم يمسسها بأذى ولم يتعرض لها بشر , بل أرسلها إلى أبيها في مدينة منف مكرمة الجانب معززة الخاطر , فعد المقوقس هذه الفعلة جميلاً ومكرمة من عمرو وحسبها منه له ) ( المصدر السابق ص 39-40 ) .
ويخبرنا المؤرخ عن عهد الأمان للأرثوذكس قائلاً : ( ولما ثبت قدم العرب في مصر , شرع عمرو بن العاص في تطمين خواطر الأهلين واستمالة قلوبهم إليه واكتساب ثقتهم به وتقريب سراة القوم وعقلائهم منه وإجابة طلباتهم , وأول شيء فعله من هذا القبيل استدعاء بنيامين البطريرك الذي كان مختفيًا من أمام هرقل ملك الروم ... ولما حضر وذهب لمقابلتة ليشكره على هذا الصنيع أكرمه وأظهر له الولاء وأقسم له بالأمان على نفسه وعلى رعيته وعزل عمرو البطريرك الرومي الذي كان قد أقامه هرقل و ردّ بنيامينَ إلى مركزه الأصلي معززًا مكرمًا ) ( المصدر السابق ص 54- 55 ) .
ومن المهم للغاية أن يفهم أهلنا من نصارى مصر اليوم أن عمرو بن العاص لم يكن في حاجة إلى هذا التطمين ولا في حاجة لإكتساب ثقة أحد , لأنه ما فعل ذلك إلا بعد أن انتصر وأحكم قبضته على البلاد تمامًا , وإنما ذلك راجع إلى طبيعة العقيدة التي يؤمن بها عمرو وجنده , فهو داعية إلى الله وإن ارتدى زي الجند , وهو داعية إلى الإسلام وإن أمسك في يده اليسرى درعًا وفي اليمنى سيفًا !
وكان عمرو بن العاص قادرًا على أن يقضي على المسيحية في مصر قضاء نهائيًا , لولا أنه لو فعل ذلك لأقام عليه أمير المؤمنين الحد لما في دين المسلمين من تقديس لحرمة الدماء !
فعمرو بن العاص لم يكن في حاجة إلى نصارى مصر , وإن كان في حاجة إليهم فقد كان مستطيعًا أن يأمرهم بتلبية حاجته بالحال التي كان يأمرهم بها إخوانهم في الدين من الرومان والبيزنطيين .
ونقول في هدوء : ألم يكن قادرًا على التعامل معهم كعبيد محاربين ؟! ألم يكن قادرًا على التعامل مع الروم عليهم ؟! ألم يكن قادرًا على تقديم الروم في الحكم ومُـصالحـتهم ؟! ألم يكن يعرف أن نصارى الروم أكثر خبرة ومعرفة بأصول الحكم والحرب والقتال من نصارى مصر فيستخدمهم في الخلاص من نصارى مصر والإبقاء على ما كانت عليه الأحوال من قبل ؟!
ولنقرأ السطور التالية للمؤرخ يعقوب نخلة : ( كان عدد الروم في مصر ينوف عن ثلاثمائة ألف نفس , فهاجر أغلبهم , ولم يبق منهم إلا من كانت له علاقات ومصالح لا تسمح له بالخروج منها والإبتعاد عنها , وإنتهز القبط خروج الروم فرصة مناسبة فوضعوا يدهم على كثير من كنائسهم وأديرتهم وملحقاتها , بدعوى أنها كانت في الأصل مِـلكًا لهم وأن الروم نزعوها من يدهم قوة وإقتدارًا بسبب ما كان بينهم من الشقاق , ومن ذلك الحين عاش الروم والأقباط بالــحـُـسـنـى , وانتهت من بينهم النزاعات والمخاصمات , التي كانت تــُــفـضِـي إلى قتل الألوف المؤلفة لزوال أسبابها ) ( المصدر السابق ص 55-56 ) .
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة )
ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحد بخلق جميع الأنام من شخص واحد ، معرفا عباده كيف كان مبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة ، ومنبههم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة وأن بعضهم من بعض ، وأن حق بعضهم على بعض واجب وجوب حق الأخ على أخيه ، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حق بعض ، وإن بعد التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم ، مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب الأدنى وعاطفا بذلك بعضهم على بعض ، ليتناصفوا ولا يتظالموا ، وليبذل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف على ما ألزمه الله له (تفسير الطبرى)
المفضلات