

-
النداءالسابع:النهى عن الغلوفى الدين
قال تعالى (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّـهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا ﴿171﴾النساء
يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم فتتجاوزوا الحدود التي حدها الله لكم ، فإن الزيادة في الدين كالنقص منه ، كلاهما مخرج له عن وضعه ولا تقولوا على الله إلا الحق أي الثابت المتحقق في نفسه ، إما بنص ديني متواتر ، وإما ببرهان عقلي قاطع ، وليس لكم على مزاعمكم في المسيح شيء منهما
إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله إلى بني إسرائيل أمرهم بأن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئا ، وأن يرجعوا عن الإيمان بالجبت والطاغوت ، وعن اتباع الهوى وعبادة المال ، وإيثار شهوات الأرض على ملكوت السماء ، وزهدهم في الحياة الدنيا ، وحثهم على التقوى ، وبشرهم بالنبي الخاتم الذي يبين لهم كل شيء ، ويقيمهم على صراط الاعتدال ، ويهديهم إلى الجمع بين حقوق الأرواح وحقوق الأجساد
وكلمته ألقاها إلى مريم أي وهو تحقيق كلمته التي ألقاها إلى أمه مريم ومصداقها ، والمراد : كلمة التكوين أو البشارة ، فإنه لما أرسل إليها الروح الأمين جبريل عليه السلام ، بشرها بأنه مأمور بأن يهب لها غلاما زكيا ، فاستنكرت أن يكون لها ولد وهي عذراء لم تتزوج ، فقال لها : كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون فكلمة ( كن ) هي الكلمة الدالة على التكوين بمحض قدرة الله - تعالى - عند إرادته خلق الشيء وإيجاده ، وقد خلق المسيح بهذه الكلمة
وكلمته ألقاها إلى مريم أي أوصلها إليها وبلغها إياها
وأما قوله : وروح منه ففيه وجهان ( أحدهما ) : أن معناه أنه مؤيد بروح منه تعالى ، ويوضحه قوله فيه وأيدناه بروح القدس
وثانيهما : أن معناه أنه خلق بنفخ من روح الله ، وهو جبريل عليه السلام ، ويوضحه قوله - تعالى - في أمه : والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وقال - تعالى - فيها : فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا كما قال في خلق الإنسان بعد ذكر بدئه من طين : ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون
ويجوز أن يراد بقوله تعالى : وروح منه الأمران معا
وآية الله - تعالى - في خلق عيسى بكلمته ، وجعله بشرا سويا بما نفخ فيه من روحه ، كآيته في خلق آدم بكلمته وما نفخ فيه من روحه ; إذ كان خلق كل منهما بغير السنة العامة في خلق الناس من ذكر وأنثى إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون .
وزعم بعض النصارى أن " من " للتبعيض ، وأن عيسى جزء من الله ، بمعنى أنه ابنه ، ونقل المفسرون أن طبيبا نصرانيا للرشيد ناظر علي بن حسين الواقدي المروزي ذات يوم فقال له : إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى ، عليه السلام ، جزء منه تعالى ، وتلا هذه الآية ، فقرأ له الواقدي قوله ، تعالى : وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه وقال : يلزم إذا أن تكون جميع هذه الأشياء أجزاء منه تبارك وتعالى ، فانقطع النصراني وأسلم ، ففرح الرشيد بإسلامه ، ووصل الواقدي بصلة فاخرة .
أما أناجيل النصارى وكتبهم فقد استعملت لفظ الروح في معان مختلفة فيما يتعلق بالمسيح وفي غير ما يتعلق به ، فمن ذلك قول متى : ( 1 : 18 أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا ، لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف ، قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس ) والقدس : الطهر ، ويذكر في مقابله في الأناجيل الروح النجس ، أي : الشيطان ، فجعلوه إلها كما فعل الوثنيون من قبل .
وجملة القول أن هذه الأناجيل تدل على ما ذكرناه آنفا من كون عيسى خلق بواسطة روح القدس ، وأن يحيى خلق كذلك وكان خلقه آية من وجه آخر ، إذ كان أبوه شيخا كبيرا وأمه عاقرا ، ولكن الواسطة والسبب واحد ، وهو الملك المسمى بروح القدس ، أيدهم الله به نساء ورجالا عليهم السلام ، فمن الحماقة أن يقول قائل مع هذا : إن قوله تعالى وروح منه يفيد أنه جزء من الله - تعالى - جل شأنه عن التركيب والتجزؤ والحلول والاتحاد بخلقه ، بل يقولون : إن تلاميذ المسيح أنفسهم كانوا مؤيدين بروح القدس حتى من طرده المسيح ولعنه منهم وسماه شيطانا ، وقد أيد به من كان دونهم أيضا .
فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة أي آمنوا بالله إيمانا يليق به ، وهو أنه واحد أحد ، فرد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد
ولا تقولوا : الآلهة ثلاثة : الآب والابن وروح القدس ، أو : الله ثلاثة أقانيم كل منها عين الآخر ، فكل منها إله كامل ، ومجموعها إله واحد ، فتسفهوا أنفسكم بترك التوحيد الخالص الذي هو ملة إبراهيم وسائر الأنبياء عليهم السلام ، والقول بالتثليث الذي هو عقيدة الوثنيين الطغام ، ثم تدعوا الجمع بين التثليث الحقيقي والتوحيد الحقيقي ، وهو تناقض تحيله العقول ولا تقبله الأفهام انتهوا خيرا لكم أي انتهوا عن هذا القول الذي ابتدعتموه في دين الأنبياء تقليدا لآبائكم الوثنيين الأغبياء ، يكن هذا الانتهاء خيرا لكم ، أو انتهوا عنه وانتحلوا قولا آخر خيرا لكم منه ، وهو قول جميع النبيين والمرسلين بتوحيده وتنزيهه حتى المسيح الذي سميتموه إلها فإن مما لا تزالون تحفظون عنه قوله في إنجيل يوحنا) وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته)
إنما الله إله واحد ليس له أجزاء ولا أقانيم ، ولا هو مركب ولا متحد بشيء من المخلوقات سبحانه أن يكون له ولد أي تنزه وتقدس عن أن يكون له ولد كما تقولون في المسيح إنه ابنه وإنه هو عينه ، فإنه تبارك وتعالى ليس له جنس فيكون له منه زوج يقترن بها فتلد له ابنا ، والنكتة في اختيار لفظ الولد في الرد عليهم ، على لفظ الابن الذي يعبرون به ، هي بيان أنهم إذا كانوا يريدون الابن الحقيقي الذي يفهم من هذا اللفظ ، فلا بد أن يكون ولدا ، أي مولودا من تلقيح أبيه لأمه ، وهذا محال على الله تعالى ، وإن أرادوا أنه ابن مجازا لا حقيقة كما أطلق في كتب العهد العتيق والعهد الجديد على إسرائيل وداود وعلى صانعي السلام وغيرهم من الأخيار ، فلا يكون له دخل في الألوهية ، ولا يعد من باب الخصوصية .
له ما في السماوات وما في الأرض أي ليس له ولد خاص مولود منه يصح أن يسمى ابنه حقيقة ، بل له كل ما في السماوات والأرض والمسيح من جملتها خلق كل ذلك خلقا ، وكل ذي عقل منها وإدراك يفتخر بأن يكون له عبدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لا فرق في هذا بين الملائكة المقربين ، والنبيين الصالحين ، كما صرحت به الآية التالية لهذه ، ولا بين من خلقه ابتداء من غير أب ولا أم كالملائكة وآدم ، ومن خلق من أصل واحد كحواء وعيسى ، ومن خلق من الزوجين الذكر والأنثى ، كلهم بالنسبة إليه - تعالى - سواء ، عبيد له من خلقه محتاجون دائما إلى فضله ، وهو يتصرف فيهم كما يشاء وكفى بالله وكيلا أي به الكفاية لمن عرفه وعرف سننه في خلقه إذا وكلوا إليه أمورهم ، ولم يحاولوا الخروج عن سننه وشرائعه بسوء اختيارهم .
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة سيف الاسلام م في المنتدى حقائق حول عيسى عليه السلام
مشاركات: 5
آخر مشاركة: 02-12-2009, 10:48 PM
-
بواسطة نوران في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 19
آخر مشاركة: 24-03-2009, 02:06 AM
-
بواسطة islam62005 في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 20-11-2006, 11:09 PM
-
بواسطة islam62005 في المنتدى مشروع كشف تدليس مواقع النصارى
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 20-11-2006, 03:39 PM
-
بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 13-11-2005, 02:26 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات