

-
إعجاز القرآن بين مبادئ اللغة وأصول العقيدة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إعجاز القرآن بين مبادئ اللغة وأصول العقيدة
د. حفان مليكة *
لقد تبين من خلال متابعة الخلاف الذي دار بين المعتزلة والأشاعرة حول قضية الصفات الإلهية، وهل هي عين الذات، أم أنها زائدة على الذات. وما تفرع عنها من قول بقدم الكلام أو حدوثه، أثر ذلك على دراسة إعجاز القرآن، وما يتعلق بهما من قضايا لغوية وبيانية. لأن صاحب كل مذهب كان يلتزم بما في مذهبه من أصول ومبادئ في دراسته لهذه القضايا اللغوية.
ولما كان موضوع اللغة وثيق الصلة بالعقيدة، كان من غير المعقول أن يخرج الرأي في اللغة عما وجب القول به في العقيدة، وقد جرى بين المعتزلة والأشاعرة نقاش وجدال حول طبيعة اللغة وحقيقتها، وذلك بمناسبة البحث في أصلها ونشأتها، وهل هي تواضع واصطلاح، أم هي توقيف ووحي من الله؟ ونعتقد أن الإطار الصحيح الذي يمكننا أن نفهم من خلاله مذهب الفرقتين في التوقيف والتواضع، هي الأصول الفكرية والمذهبية لكل منهما (1).
أما المعتزلة الذين نفوا الصفات، وجعلوا الكلام من صفات الأفعال. وقالوا إن القرآن حادث، فقد ذهبوا إلى أن اللغة اصطلاحية. وأما الأشاعرة الذين أثبتوا لله الصفات، واعتبروا الكلام من صفاته تعالى، وأثبتوا له كلاما نفسيا قديما، فقد قالوا بتوقيفية اللغة. وقد أدى الخلاف بين الفرقتين حول أصل اللغة ومصدرها وطبيعتها، إلى ظهور قضايا خلافية أخرى، كان أهمها حول الحقيقة والمجاز، وكيفية التعامل معهما في اللغة.
فالمعتزلة الذين قالوا باصطلاحية اللغة، أثبتوا المجاز في القرآن واللغة عموما، واتخذوه سلاحا لتأويل النصوص القرآنية التي لا تتفق مع أصولهم الفكرية.
أما الأشاعرة فقد وقفوا موقفا وسطا بين المعتزلة الذين بالغوا في استخدام آلية المجاز، وبين الظاهرية الذين أنكروا وجوده، وتمسكوا بالمعاني الحرفية لنصوص القرآن وآيات الصفات. فهم وإن كانوا يقرون بوجوده في اللغة، لكنهم يتحفظون في تطبيقه على النصوص القرآنية، وخاصة آيات الصفات التي أثبتها الله تعالى لذاته، وبذلك يكون الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة حول المجاز، ليس مجرد خلاف لغوي بلاغي فحسب، وإنما هو خلاف فكري مذهبي أيضا.
وامتد خلاف المعتزلة والأشاعرة حول قدم الكلام وحدوثه، إلى قضية أخرى لها علاقة وثيقة بقضية الإعجاز القرآني، وهي قضية اللفظ والمعنى بصفة عامة.
أما الأشاعرة الذين أثبتوا لله كلاما نفسيا قديما، فقد التمسوا إعجاز القرآن في هذا الكلام النفسي القديم الذي يتقدم في وجوده، الألفاظ والعبارات. فصرفوا عنايتهم للاهتمام بالمعاني وبأحوال التراكيب، من تقديم وتأخير وحذف وذكر...الخ، واستهانوا بقيمة الألفاظ وحسن تلاؤمها، وبالبديع ومحسناته البلاغية.
أما المعتزلة الذين نفوا أن يكون لله كلاما نفسيا قديما، واعتبروا القرآن محدثا مخلوقا مركبا من حروف منظومة وأصوات مقطعة، فقد التمسوا إعجازه في نظم الأصوات والألفاظ وحسن تلاؤمها وفي جماليات الصياغة اللفظية.
وانطلاقا من الوعي بهذه الجدلية بين ما هو فكري مذهبي، وما هو لغوي معرفي، سنحاول التحدث بإيجاز عن أثر المعتقد في تحديد مواقف كل من المعتزلة والأشاعرة من هذه القضايا الثلاث: أصل اللغة ونشأتها، والحقيقة والمجاز، وإعجاز القرآن وعلاقته باللفظ والمعنى. وهو منهج صالح لأن يعمم لمعالجة كثير من قضايا اللغة والفكر قديما وحديثا.
تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة المهندس زهدي جمال الدين محمد في المنتدى اللغة العربية وأبحاثها
مشاركات: 10
آخر مشاركة: 21-02-2013, 11:45 PM
-
بواسطة one1_or_three3 في المنتدى פורום עברי
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 06-10-2012, 05:08 PM
-
بواسطة مريم في المنتدى قسم الأطفال
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 08-07-2010, 11:13 PM
-
بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 24-04-2010, 02:00 AM
-
بواسطة احمد التل في المنتدى العقيدة والتوحيد
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 27-11-2009, 08:57 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات