من معجزات النبي محمد - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - غير القرآن و الرد على من ينكرها بدعوى أنها من نقل المسلمين



و من معجزات النبي - صلى الله عليه و سلم - غير القرآن الإخبار ببعض الغيبيات و تحققها فقد أذن الله لهذه الأخبار أن تقع ، تصديقاً وتأييداً لنبوة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ، و لا سبيل إلى معرفة هـذه الغيوب إلا ممن هي في يده ، وهو الله - جل وعلا - عالم الغيب والشهادة، مثل الإخبار عن أويس بن عامر فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن خير التابعين رجل يقال له أويس . وله والدة . وكان به بياض . فمروه فليستغفر لكم »[1].



و كان عمر بن الخطاب ، إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن ، سألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على أويس . فقال : أنت أويس بن عامر ؟ قال : نعم . قال : من مراد ثم من قرن ؟ قال : نعم . قال : فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال : نعم . قال : لك والدة ؟ قال : نعم . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ، ثم من قرن . كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم . له والدة هو بها بر . لو أقسم على الله لأبره . فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " . فاستغفر لي . فاستغفر له . فقال له عمر : أين تريد ؟ قال : الكوفة . قال : ألا أكتب لك إلى عاملها ؟ قال : أكون في غبراء الناس أحب إلي .


قال : فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم . فوافق عمر . فسأله عن أويس . قال : تركته رث البيت قليل المتاع . قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن . كان به برص فبرأ منه . إلا موضع درهم . له والدة هو بها بر . لو أقسم على الله لأبره . فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " فأتى أويسا فقال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح . فاستغفر لي . قال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح . فاستغفر لي . قال : لقيت عمر ؟ قال : نعم . فاستغفر له . ففطن له الناس . فانطلق على وجهه . قال أسير : وكسوته بردة . فكان كلما رآه إنسان قال : من أين لأويس هذه البردة ؟[2] .


و من الإخبار بالغيب الإخبار عن قتال التتار فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : «‏بين يدي الساعة تقاتلون قوماً ينتعلون الشعر وتقاتلون قوما كأن وجوههم ‏‏ المجان المطرقة»[3] ووجوه التتار كالمجان المطرقة أي وُجُوههمْ كالتُّرْسِ لِبَسْطِهَا وَتَدْوِيرهَا وَكالْمِطْرَقَةِ لِغِلَظِهَا وَكَثْرَة لَحْمهَا .


و من الإخبار بالغيب الإخبار عن شهادة عمر وعثمان - رضي الله عنهما - فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً، ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله، وقال : « أثبت أحد، فإنما عليك نبي، وصِدّيق، وشهيدان »[4] ، وقد قتل عمر و عثمان .


و من الإخبار بالغيب الإخبار بمقتل علي رضي الله عنه فعن أبي سنان الدؤلي - رحمه الله تعالى - ، أنه عاد علياً - رضي الله عنه - في شكوى له شكاها، قال: فقلت له : لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال: لكني ـ والله ـ ما تخوّفت على نفسي منه، لأني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصادق المصدوق يقول : « إنك ستُضرب ضربةً ههنا، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقرُ الناقة أشقى ثمود »[5] .


ومن الإخبار بالغيب إخباره عن مشاركة أم حرام فى أول غزو للبحر و وفاتها قبل غزو مدينة قيصر ففى خبر أم حرام بنت ملحان ، سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : « أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا ». قالت أم حرام: قلتُ: يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : « أنتِ فيهم ». ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ». فقلتُ: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال : « لا »[6].


و إن قيل الإخبار بالغيب ليس دليل على النبوة لاحتمال الكهانة فالجواب الإخبار بالغيب إذا اقترن بدعوى النبوة فهو دليل على النبوة لا الكهانة إذ الكهانة ليس فيها دعوى النبوة و شخصية النبي الصادق تختلف عن شخصية الكاهن الكذاب ، والنبي الصادق خبره يطابق ما سيحدث أما الكاهن فخبره قد يوافق بعض الذي سيحدث أو لا يوافق الذي سيحدث ، و ما هدف النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - من إدعاء النبوة ؟فمن يقرأ سيرته يجده لا يرغب في سلطة ولا مال ولا جاه ،و لما يجازف النبي صلى الله عليه وسلم و يقول سيحدث كذا .
و من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضاسماع تسبيح الطعام بين يدى رسول الله - صلى الله عليه و سلم- فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قال: كنا نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ، فقل الماء، فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بإناءٍ فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حي على الطهور المبارك، والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل [7] .



و من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا سماع الصحابة بكاء جذع النخلة و صراخها لما فارقها رسول الله إلى المنبر فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار- أو رجل- يا رسول الله، ألا نجعل لك منبراً ؟ قال: إن شئتم.فجعلوا له منبراً فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي - صلى الله عليه و سلم - فضمه إليه ، يئن أنين الصبي الذي يسكن قال: " كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها " [8] .


و من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا انقياد الشجرة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فعن جابر ابن عبدالله قال : سرنا مع رسول الله ‏- ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏- حتى نزلنا واديا ‏ ‏أفيح ‏ ‏فذهب رسول الله ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم ‏- ‏يقضي حاجته فاتبعته ‏ ‏بإداوة ‏ ‏من ماء فنظر رسول الله ‏- ‏صلى الله عليه وسلم ‏- ‏فلم ير شيئا يستتر به فإذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم -‏ ‏إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير ‏ ‏المخشوش ‏ ‏الذي ‏ ‏يصانع قائده ‏ ‏حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كذلك حتى إذا كان ‏ ‏بالمنصف ‏ ‏مما بينهما لأم بينهما ‏ ‏يعني جمعهما فقال ‏ ‏التئما ‏ ‏علي بإذن الله فالتأمتا .


قال ‏ ‏جابر ‏ ‏فخرجت ‏ ‏أحضر ‏ ‏مخافة أن يحس رسول الله ‏ - ‏صلى الله عليه وسلم - ‏ ‏بقربي فيبتعد وقال ‏ ‏محمد بن عباد ‏ ‏فيتبعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله ‏- ‏صلى الله عليه وسلم -‏ ‏مقبلا و إذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق فرأيت رسول الله ‏- ‏صلى الله عليه وسلم ‏- ‏وقف وقفة فقال برأسه هكذا وأشار ‏ ‏أبو إسماعيل ‏ ‏برأسه يمينا وشمالا [9] .


و كل هذه المعجزات لدليل ساطع على صدق النبوة فكيف إذا اجتمعت مع حسن سيرته و اتصافه بالصدق والأمانة و دعواه النبوة في وقت البشرية بحاجة لنبي و تأييد الله له ونصره على أعدائه و إخباره بالغيب .


و إن قيل هذه المعجزات ليست دليلا على صدق النبوة إذ هي من نقل المسلمين لا غيرهم فالجوابأن هذا القول غير صحيح فلكل قوم عربا وعجما أخبار يتناقلونها عبر الأزمنة و أحداث تنتقل من جيل إلى جيل ، فهل يصح أن يقول أحد ما الدليل على صحة هذه الأخبار دون أن يدرسها و يناقشها بعد أن يلم بها إلمامًا واسعًا ، فإذا كان كذلك مع أخبار الأمم والأقوام و التي لا يهتم عامة الناس بضبط أحداثها ودقة تفاصيلها .


فما الشأن بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله الله إلى قوم عرفوا بقوة الحافظة وسعة الذاكرة ودقة الملاحظة ، فإن هذه الأخبار والوقائع التي ذكرنها منها ما هو في القرآن ومنها ما هو متواتر يعلمه العامة والخاصة ؛ والمتواتر هو ما نقله العدد الكثير من الناس الذين يستحيل تواطؤهم على الكذب ، وهو ما تناقلته الأمة المسلمة جيلاً بعد جيل وخلفًا عن سلف من أخبار معجزات النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم - .


وليس لأحد أن يشكك في شهادة هؤلاء الأخيار الأفاضل ، أو يزعم أن هؤلاء الأفاضل إنما شهدوا لنبيهم فشهادتهم غير مقبولة ، فإن هذا الزعم من شأنه أن يلغى جميع معجزات الأنبياء و جميع ما ورد عن أخبار السابقين لأنه يمكننا أن نقول أن ما ورد عن عيسي - عليه السلام - أو ورد عن موسي - عليه السلام - إنما ذكره أصحابهما والمقربون منهما، و كذلك الشأن مع بقية أخبار الأمم السابقة و المعاصرة .


و من البديهيات أن المروي بالتواتر لا يستطيع أحد إنكاره ،و من المحال لدى أي عقل اتفاق رواة التواتر على كذب ، ومن ينكر وجود شخصية من الشخصيات كملك أو وزير كان موجودا يكذبه المؤرخون و يأتون له بكل سهولة بأكثر من نقل ورواية بأن هذه الشخصية كانت موجودة بالفعل ، وأن الأحداث التي حصلت لها مروية بأكثر من رواية وكذلك نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم و معجزاته ثابتة و مروية بالتواتر من آلافالصحابة و التابعين و حتى عصرنا هذا .






[1]- رواه مسلم في صحيحه رقم 2542
[2]- رواه مسلم في صحيحه رقم2542
[3] - رواه البخاري في صحيحه
[4] - رواه البخاري في صحيحه
[5] - رواه أبو يعلى في مسنده و الطبراني في التاريخ الكبير و حسنه الهيثمي
[6] - رواه البخاري في صحيحه
[7] - رواه مسلم في صحيحه
[8] - رواه البخاري في صحيحه
[9] - رواه مسلم في صحيحه
</B></I>