بسم الله الرحمن الرحيم


كنت قد كتبت مرارًا إلى الزوجة الصالحة أنصحها وأوجهها إلى ما يُصلح بيتها، ويَنسج مشاعر الحب والود بينها وبين زوجها، ويعينها على استيعابه وإرضائه؛ ليعيشا الحياة الهنيئة التي رسمها لهما القرآن، قبل أن تكون من رسم خيالهما.
ولكني اليوم أوجه رسالتي إليك أيها الزوج الكريم، فأنت ربَّان سفينة رحلة العمر في بحر الحياة، ورحلتك هذه- لاشك- تحتاج إلى زادٍ يعينها، وإلى هدف معلوم حتى لا تسير على غير هدى، وحتى تصل إلى شاطئها بأمان وسعادة.
قد يظن البعض أن مقصودي بالزاد هو ما يتجشمه الرجل من مشاق ومتاعب لكي يوفر الطعام والشراب لزوجته وأولاده، وهي مطالب على أهميتها لا تشبع جوع الزوجة إلى ما تحتاجه من غذاء روحها ووجدانها وقلبها، ولا تلبي أشواقها المتجددة إلى المشاعر الرقيقة الفياضة، والأحاسيس الحنونة الرقراقة التي تنتظرها منك، ولا تروي عطشًا إلى حبك وحنانك الغامر الذي يسري في دمائها فتفور حيويتها، وتتألق نضارتها، وتنشر عبيرها في حياتك أنت.
يطيب لي هنا أن أستشهد على مقصودي بقصتين مشهورتين قبل أن أستطرد في ذكر زاد رحلتك وهدفها، فأما القصة الأولى فتروي أن زوجًا ما إن وصل إلى باب منزله حتى رأى أطفاله حول الباب يلعبون بثياب متسخة، وبقايا طعام على ملابسهم ووجوههم، فسأل الأولاد: أين أمكم؟ فقالوا: في غرفتها؟ فظن أن بها مرضًا، فأسرع بالدخول، فوجد البيت يموج بالفوضى وعدم النظام، وحاجيات الأطفال وألعابهم مبعثرة، وأواني طعامهم على الأرض، ولا أثر لأي تنظيف أو ترتيب. وصل غرفة زوجته فوجدها مفتوحة وزوجته جالسة على السرير تقرأ مجلة، فقال لها في دهشة: أأنت مريضة؟ قالت في ابتسام: إطلاقًا أنا في خير حال؟ قال في غيظ: فلماذا الأولاد والبيت على هذا الحال؟ قالت: لقد سألتني بالأمس: ماذا تعملين في البيت؟. أنا الذي أشقى وأتعب وأنتِ مرتاحة؟
هذا الزوج الغضوب العصبي بكلماته الصغيرة كان يستطيع تحطيم بيت الزوجية بمنتهى البساطة، كلماته صغيرة لكنها أشبه بمقذوفات الصواريخ، خرجت من فمه لتلغي وجود زوجته بكل سهولة، وتشعرها بالتفاهة وعدم القيمة، ولولا حسن فطنة الزوجة- التي أوصلت إليه رسالتها بوضوح وهدوء وذكاء- لانهار هذا البيت والأسرة، أو عاشت الزوجة والزوج في نكد وهمٍّ دائمين، أو حدث الشقاق والخصام والطلاق.
وأما القصة الثانية، فتروي أن زوجًا تناول فطوره مع زوجته، وارتدى ملابسه، واستعد للذهاب إلى العمل, وعندما دخل مكتبه يأخذ مفاتيحه وجد أتربة كثيرة على المكتب وعلى شاشة التليفزيون، فخرج في هدوءوقال لزوجته: حبيبتي، احضري لي مفاتيحي من على المكتب.
دخلت الزوجة تأتى بالمفاتيح فوجدت زوجها قد كتب وسط الأتربة بأصبعه على مكتبه الذي يحمل الكثير من الأتربة: أحبُّك زوجتي. والتفتت لتخرج من الغرفة فشاهدت شاشة التلفاز مكتوبًا عليها بإصبع زوجها وسط الأتربة: بحبك يا رفيقة عمري.
خرجت الزوجة من الغرفة وأعطت زوجها المفاتيح، وتبسمت في وجهه كأنها تخبره أن رسالته قد وصلت، وإنها ستهتم كثيرًا بنظافة بيتها.
هذا الزوج الحنون الفطن عرف كيف يحول الموقف من خسارة إلى ربح، ويعبر بحاله وحال زوجته من حزن إلى فرح. بأمثال هذا الزوج تستقر البيوت وتهنأ، وتقل الخلافات، وتخوض سفينته غمار البحر ولججه في مرونة وثقة ونجاح. هذا الزوج هو الذي يروي الظمأ، لكنه ليس الظمأ إلى الماء.


يتبع بإذن الله