الصحافة والكنيسة

محمود سلطان : بتاريخ 13 - 8 - 2006

تصلني من وقت لآخر رسائل بعضها من "بسطاء" استشعر في كلامهم الصدق ، وبعضها من "خبثاء" لا أجد صعوبة في استكشاف مغزى مكرهم "الصبياني" الذي لا يدلف إلا إلى عقول السذج والبهاليل ، تتساءل: مالك ومال الكنيسة ؟! إنها شأن قبطي داخلي لا يجوز لغير القبطي الاقتراب منها أو التصوير وكأنها "منشأة عسكرية" بها من الأسرار ما لاينبغي الاطلاع عليه من قبل شركاء الوطن من الملل والديانات الأخرى !

ومع ذلك إذا اقترب "مصلح" قبطي منها وانتقد طريقة إدارتها.. ناله من البهدلة وقرارات الشلح والتكفير الكثير وأنزلته القيادة الدينية للكنيسة منزلة تفوق منزلة إبليس وأنجاله وأحفادة من الجن والشياطين !

حتى لو كان الناقد رجل دين مسيحي ورع وتقي ووقور ! ولاتزال قصة الصديق العزيز الراحل القس إبراهيم عبد السيد ذلك الرجل التقي الزاهد ومأساته ماثلة في الذاكرة حتى الآن .. لأنها فعلا لا تنسى لا على المستوى الإنساني ولا على المستوى الأخلاقي .. عندما طرده البابا شنودة من الكنيسة وقرر عدم الصلاة عليه في أي من كنائسه بعد وفاته.. ولعلي أنا وأصدقاؤه لا زلنا نتذكر المشهد الجنائزي المروع وزوجته تحمل جثمانه "كعب دائر" تطرق أبواب الكنائس تستجديهم وتقبل أياديهم .. حتى يقبلوا الصلاة عليه قبل أن يوارى جسده التراب .. وعبثا تحاول بصوتها المتهتك والحاني الحزين ... إذ كان الرد في كل مرة " دي تعليمات سيدنا"! كل ذلك كان عقابا لهذا الرجل النبيل والذي لا يكاد أحد يختلف على خلقه ووطنيته وحرصه على كنيسته ... لأنه فقط وضع كتابا تساءل فيه عن "أموال الكنيسة"!

إنني أتكلم هنا عن واقع عايشته بنفسي ، وسمعت من الراحل تفاصيل مروعة ، خلفت في نفوس المقربين له ، الشعور بالشفقة على الأقباط لأني تيقنت حينها حجم المأساة التي يعانون منها ، وهي مآس مضاعفة لما يعاني منها أشقاؤهم المسلمون ، فإذا كان المسلمون يعانون من ديكتاتورية النظام .. فإن الأقباط يعانون من ديكتاتوريتين معا: ديكتاتورية النظام مثل بقية المصريين وديكتاتورية الكنيسة باعتبارهم مسيحيين !
وكانت في ذات الوقت مبررا لظهور حركات المعارضة في الكنيسة والتي تطورت الان في شكل حركة إصلاحية تطرح رؤى أكثر استنارة وعقلانية واعتدالا بات المسيحيون يتوقون إليها منذ ما يزيد عن ربع قرن .
نعود إلى ما تقدم .. ونتساءل هل الشأن القبطي لايجوز أن يكون جزءا من اهتمامات الرأي العام ؟!

هذا السؤال طُرح قبل عشر سنوات .. عندما عبر البابا شنودة عن غضبه من تناول الصحافة للخلافات داخل الكنيسة وهدد "القسوس المخطئين" من اللجوء إليها .. وهو التهديد الذي أزعج مثقفين أقباطا وانتقدوه واعتبروه منحى قد يحيل الحالة القبطية المصرية لأن تكون أطرا غامضة ومعزولة مقيدة بـ"ثقافة الجيتو "
وأذكر أن د. غالي شكري وهو كاتب قبطي يتهمه البعض بأنه "علماني متطرف متعصب لطائفته الأرثوذكسية" اعترض على كلام البابا وقال :" إن معالجة قضايا الكنيسة ومشكلاتها بين أيدي الرأي العام المتعدد الأديان والمذاهب والاتجاهات والهموم هو علامة صحة وليس علامة ضعف تستوجب اللوم ، لأن الكنيسة جزء من المجتمع ، ولأن أخص شؤون النصارى هو حق للرأي العام وإلا أصبح النصارى في مصر من أهل الجيتو"

لم يكن غالي شكري وحده الذي يرى هذا الرأي ، باعتبار الكنيسة جزءا من المجتمع وأن ما يجري فيها حق للرأي العام ، ولايجوز للكنيسة أن تصادر رأيا يتناولها في صحيفة أو في مجلة أو كتاب .. إذ شاركه العشرات من المثقفين الأقباط في ابداء مخاوفهم من فرض نوع من "الحصانة" على الكنيسة تعصمها من الملاحقات الصحفية ، إذ من المتوقع والحال كذلك أن تفضي مثل هذه الحصانة ، إلى تحول الكنيسة إلى صورة مستنسخة من "محاكم التفتيش" سيئة السمعة التي دفع ثمنها مئات الالاف من المسحيين والمسلمين واليهود في أوروبا ، الأمر الذي حمل المفكر القبطي الكبير د. رفيق حبيب على أن يضع كتابا في عام 1995 ، تناول فيه هذا الوضع بعنوان "محاكم التفتيش في الكنيسة المصرية" .

وفي تقديري فان الوقت قد حان للصحافة أن تساند الأقباط وتدعمهم ولا تتخلى عنهم وهم يخوضون الآن واحدة من أهم محطات نضالهم الديني ضد الجمود والتكلس الذي أصاب كنيستهم ثلاثة عقود على الأقل وذلك بفتح هذا الملف كنوع من التنوير الديني والسياسي وذلك من أجل مصر بمسلميها وأقباطها وأنا على المستوى الشخصي بين يدي ملف كامل في هذا الموضوع فضلا عن كتب الراحل القس ابراهيم عبد السيد التي كان يهديها الي قبل وفاته .. ولعلي اكتب عن ذلك تفصيلا في وقت قريب إن شاء الله تعالى

http://www.almesryoon.com/ShowDetail...D=22480&Page=1