الدليل الأول من أدلة خصوصية الحجاب بنساء النبي صلي الله عليه وسلم
قال تعالي: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً (53) إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ً(54) لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً}.
متاعاً : المتاع كل ما ينتفع به.
وهذه هي آية الحجاب , فعن أنس بن مالك في حديث سبب نزول الآية قال :"فأنزل الله تعالي آية الحجاب" .
وقول عائشة رضي الله عنها في "حديث الإفك" : (وكان يراني قبل الحجاب) أي قبل نزول "آية الحجاب".
قال الحافظ في الفتح : قوله : ( وكان يراني قبل الحجاب ) أي قبل نزول آية الحجاب.
قال الألباني في «مختصر صحيح البخاري» : تعني قبل نزول آية الحجاب: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ).
ومن كتاب "عودة الحجاب " وهو من كتب المعارضين : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} هذه هي آية الحجاب , نزلت في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة , وهي تعم بإطلاقها حجاب جميع الأعضاء بما فيها الوجه والكفان , لا تثتني عضوا من عضو.وهذا المعني هو الذي يشهد له عمل أمهات المؤمنين. ولم يختلف العلماء في تعيين هذا المعني.
الآية تتحدث صراحة عن بيوت وأزواج النبي صلي الله عليه وسلم وليس بيوت وأزواج عامة المسلمين.
قال ابن عاشور : وضمير {سألتموهن} عائد إلى الأزواج المفهوم من ذِكر البيوت في قوله {بيوت النبي}
ورد في تفسير البغوي لقوله تعالي : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} : أي من وراء ستر , فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلي امرأة رسول الله متنقبة أو غير متنقبة .
وورد في تفسير الطبري : القول في تأويل قوله تعالي {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي ءابائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ... } يقول تعالي ذكره لاحرج علي أزواج رسول الله في آبائهن ولا إثم. ثم اختلف أهل التأويل في المعني الذي وضع عنهن الجناح في هؤلاء فقال بعضهم : وضع عنهن الجناح في وضع جلابيبهن... وقال آخرون : وضع عنهن الجناح فيهم في ترك الحجاب... وأولي القولين في ذلك بالصواب قول من قال ذلك وضع الجناح عنهن في المسمين أن لايحتجبن منهم وذلك أن هذه الآية عقيب آية الحجاب.
وهكذا نلحظ أن الله تعالي استثني نساء النبي صلي الله عليه وسلم من الإحتجاب وذلك في قوله تعالي : {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ.. } بينما استثني محارم نساء المسلمين من إخفاء الزينة فحسب وذلك في قوله تعالي : {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ أَوْ ءابَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ.... }.
ومما يؤكد أن هذه الآية , أي آية الحجاب , تثبت خصوصية الحجاب بأمهات المؤمنين عدم ذكرها "بعولتهن" الذين ورد ذكرهم في آية سورة النور ـ حيث الخطاب فيها لعامة النساء ـ ولكل واحدة "بعل"، أما في حالة أمهات المؤمنين ـ والحجاب خاص بهن ـ فلا مجال لذكر "بعولتهن" لأن لهن جميعاً بعلاً واحداً وهو النبي صلي الله عليه وسلم .
وإذا كان يُفهم الخطاب الموجه لنساء النبي صلي الله عليه وسلم على أنه "لجميع النساء" فلِمَ جاء لفظ "ونساء المؤمنين" في آية الجلاليب؟ فمجرد ذكر "نساء النبي" يكفي لأن "الحكم" عام , أم إن هذا يعني أن الحجاب خاص بنساء النبي صلي الله عليه وسلم كما جاء بصريح الآية وصحيح السنة , والجلباب للمسلمات عموماً كما جاء أيضاً بصريح الآية؟
يقول القرضاوي : وأما استدلال بعضهم بقوله تعالى: {فاسألوهن من وراء حجاب} فلا وجه له لأنه خاص بنساء النبي صلي الله عليه وسلم كما هو واضح ، وقول بعضهم : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لا يرد هنا , إذ اللفظ في الآية ليس عامًا. وقياس بعضهم سائر النساء على نساء النبي صلي الله عليه وسلم مردود ، لأنه قياس مع الفارق ، فإن عليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن ، ولهذا قال تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء}.
وأما قول بعضهم أن الخطاب في الآية خاص يراد به عام مثل قوله تعالي :{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن}, فيناقش هذا بأن توجيه الخطاب إلي النبي صلي الله عليه وسلم أسلوب من أساليب التشريع فلا يقتضي تخصيص ما يذكر بعد النبي صلي الله عليه وسلم مثل {يا أيها النبي حرض المؤمنين عل القتال}. لأنه المبلغ للناس وإمام أمته وقدوتهم والمنفذ لأحكام الله فيهم فيما بينهم من المعاملات. فإن كان التشريع الوارد يشمله ويشمل الأمة جاء الخطاب مشتملا على ما يفيد ذلك مثل صيغة الجمع في قوله هنا {إذا طلقتم النساء}, فالمراد به هو وأمته. وإن كان التشريع خاصا بالرسول صلي الله عليه وسلم جاءت بما يقتضي ذلك نحو {يا أيها الرسول بَلّغ ما أنزل إليك من ربك}.فالأمر باحتجاب زوجاته صلي الله عليه وسلم وتحريم نكاحهن من بعده ليس من الخاص الذي يراد به عام قطعا.
وأما قول بعضهم أن نساء النبي صلي الله عليه وسلم مأمورات بالحجاب وهن العفيفات الطاهرات ، أفليس غيرهن من نساء الأمة أولى بهذا منهن؟ فيناقش هذا بأنه لو كان الأمر كذلك لأمرنا نحن عامة المسلمين بتكاليف أكثر من النبي صلي الله عليه وسلم لأن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إضافة إلى عصمته صلى الله عليه وسلم من الذنوب ونحن المعرضون للذنوب والعذاب ، لكنَّا وجدنا أنه صلي الله عليه وسلم قد خص بتكاليف أشد وأشق مما كلف به سائر المسلمين كقيام الليل مثلا.
البيان اللغوي في استعمال بني وأبناء:
د.فاضل السامرائى
بني (بنو بالرفع) أكثر من أبناء من حيث العدد.
الفرق بين الآيتين: لو لاحظنا آية النور التي فيها (بني) , نساء المؤمنين كثير , بني أخواتهن وبني إخوانهن فقال بني. بينما في آية الأحزاب التي فيها (أبناء) فالخطاب لنساء النبي صلي الله عليه وسلم , أبناء إخوانهن وأبناء أخواتهن , وهن قليلات بالنسبة لنساء المؤمنين فقال أبناء لأن أبناء أقل من بني.
المفضلات