قرائن إضافية علي مشروعية سفور وجه المرأة

القرينة الرابعة:
أن حاجات الحياة تدعو إلي كشف الوجه

1- كشف الوجه يعين علي تعرف الناس علي شخصيات مخاطبيهم وأحوالهم

قال ابن قدامة : ( روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال "المرأة عورة" وهذا عام في جميعها ترك في الوجه للحاجة فيبقي فيما عداه ).

ويحق لنا أن نتسائل هل كانت الحاجة إلي كشف وجه المرأة في زمن الإمام ابن قدامة دون زماننا , أم هي حاجة بشرية عامة مستمرة قائمة تقع في كل زمان ومكان؟
ويقرر الفقهاء إباحة النظر إلي وجه المرأة عند التعامل , وقد ورد في المغني لابن قدامة: ( وللشاهد النظر إلي وجه المشهود عليها لتكون الشهادة واقعة علي عينها ، قال أحمد: لايشهد علي امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها , وإن عامل امرأة في بيع أو إجارة فله النظر إلي وجهها ليعلمها بعينها فيرجع عليها بالدرك.... وقد روي أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز، ولعله كره لمن يخاف الفتنة أو يستغني عن المعاملة, فأما مع الحاجة وعدم الشهوة فلا بأس).

إن الشهادة قد تطلب علي أمر مضي من زمن ولم يسبق تعمد كشف الوجه من أجلها فكيف تتحقق الحاجة هنا إلي الشهادة ما لم يكن الوجه مكشوفا بصفة دائمة؟

وورد في المجموع للنووي: ( ويجوز لكل واحد منهما ( أي الرجل والمرأة ) أن ينظر إلي وجه الآخر عند المعاملة لأنه يحتاج إليه للمطالبة بحقوق العقد والرجوع بالعهدة, ويجوز ذلك عند الشهادة للحاجة لمعرفتها في التحمل والأداء).

نحسب أن من البديهيات تقرير حاجة البشر إلي أن يعرف بعضهم بعضا فيما لا يحصي من صور التعامل, إذ لا يقتصر الأمر علي البيع والإجارة والشهادة ، كما أنهم قد يحتاجون أحيانا معرفة ماهو أكثر من صورة الشخص كعمره : شاب أم كهل أم شيخ , أو لون بشرته: أبيض أم أسمر أم أسود , أو سمته: بشوش أم متهجم ، بل إن المشاعر والأحاسيس وما يختلج في الصدر من سرور وحزن ورضا وغضب وعزم وتصميم وبأس واستسلام ، كل ذلك يظهر عادة علي صفحة الوجه وقد يحتاج إليه الناس في تعاملهم وذلك حسب موضوع التعامل وظروفه وليفهم كل من المتحدث والمخاطب عن صاحبه حق الفهم. وهذا القدر من التعارف تترتب عليه مصلحة ما بدرجة من الدرجات , وقد تكون مصلحة ضرورية أو حاجية أو تحسينية.

2- كشف الوجه يعين علي تعارف الأقارب وذوي الأرحام وتواصلهم

فيتعرف الشاب علي بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات.وتتعرف الفتاة علي أبناء أعمامها وعماتها وأخوالها وخالاتها.وأيضا يتعرف الشاب علي زوجات الأعمام والأخوال وتتعرف الفتاة علي أزواج العمات والخالات , وكذلك يتعرف الرجل علي أخوات زوجته وتتعرف المرأة علي إخوة زوجها.أما إذا عم ستر الوجه وتبعه الاحتجاب من كل الرجال غير المحارم فكيف يتواصل ويتواد الأقارب وذوو الأرحام؟ كيف يعود بعضهم بعضا؟ كيف يودع بعضهم بعضا أو يستقبل بعضهم بعضا عند السفر؟ هل يذهب الرجل ليصل ابنة عمه أو خالته المتزوجه فيلقي زوجها ويجالسه ويتبادل معه المشاعر النبيلة , ولا يلقي ابنة خاله وهي المقصودة بالزيارة والصلة والمودة؟! هل أمر الله بهذا؟ إن الله تعالي قال بشأن عامة نساء المؤمنين {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن} ولم يقل سبحانه ليحتجبن إلا من بعولتهن أو آبائهن.فهذا الاحتجاب خاص بنساء النبي صلي الله عليه وسلم.

ولنتأمل هذه النماذج من سنة رسول الله في صلة الأقارب وذوي الأرحام وبرهم:

مع ابنة العم : عن عائشة قالت : دخل رسول الله علي ضباعة بنت الزبير ابن عبد المطلب فقال لها: لعلك أردت الحج؟ قالت: والله لا أجدني إلا وجعة ، فقال لها: حجي واشترطي قولي: اللهم محلي حيث حبستني.(رواه البخاري ومسلم)
وضباعة هي ابنة عم الرسول صلي الله عليه وسلم .

وعن أم هانئ قالت:لما كان يوم الفتح جاءت فاطمة فجلست علي يسار رسول الله وأم هانئ عن يمينه فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته فشرب منه ثم ناوله أم هانئ فشربت منه...(رواه الحاكم)
وأم هانئ هي ابنة أبي طالب عم رسول الله.

مع زوجة العم: عن أم الفضل قالت: دخل أعرابي علي نبي الله صلي الله عليه وسلم وهو في بيتي فقال: يا نبي الله إني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخري، فزعمت الأولي أنها أرضعت الحدثي رضعة أو رضعتين فقال نبي الله: لاتحرم الإملاجة والإملاجتان. ( رواه مسلم)
وأم الفضل هي زوجة العباس عم النبي صلي الله عليه وسلم.

مع زوجة ابن العم: عن جابر قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس: ما لي أري أجسام بني أخي (يقصد جعفر بي أبي طالب) ضارعة تصيبهم الحاجة؟ قالت: لا ولكن العين تسرع إليهم قال: أرقيهم. (رواه مسلم)
وأسماء بنت عميس هي زوجة جعفر ابن عم النبي صلي الله عليه وسلم.

مع أخت الزوجة: عن عائشة قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة علي رسول الله فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك فقال: اللهم هالة بنت خويلد...(رواه البخاري ومسلم)

///

المعارضون لكشف الوجه يذكرون أن هناك حالات خاصة يجوز للمرأة عندها كشف وجهها أمام الرجال الأجانب , وكثرة هذه الحالات دليل علي أن حاجات الحياة في كل زمان ومكان تدعو إلي كشف الوجه وأنها من القرائن علي مشروعية سفور وجه المرأة.

مختصر من كتاب (حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين):

أولا : الخِطبة

يجوز للمرأة كشف وجهها وكفيها أمام مريد خطبتها ، لينظر إليهما في غير خلوة ودون مسّ ، لدلالة الوجه على الدمامة أو الجمال ، والكفين على نحافة البدن أو خصوبته .

ثانيا : المعاملة

والمطالبة بالثمن ، ما لم يؤد إلى فتنة ، وإلا منع من ذلك .

ثالثا : المعالجة

يجوز للمرأة كشف مكان العلة من وجهها ، أو أي موضع من بدنها لطبيب يعالج علتها ، شريطة حضور محرم أو زوج ، هذا إذا لم توجد امرأة تداويها ، لأن نظر الجنس إلى الجنس أخفّ ، وأن لا يكون الطبيب غير مسلم مع وجود طبيب مسلم يمكنه معالجتها ، ولا يجوز لها كشف ما يزيد عن موضع المرض .

رابعا : الشهادة

يجوز للمرأة كشف وجهها في الشهادة أداءً وتحملاً،كما يجوز للقاضي النظر إليه لمعرفتها صيانة للحقوق من ضياع.

خامسا : القضاء


يجوز للمرأة كشف وجهها أمام قاض يحكم لها أو عليها ، وله عند ذلك النظر إلى وجهها لمعرفتها ، إحياء للحقوق ، وصيانة لها من الضياع .
و..أحكام الشهادة تنطبق على القضاء سواءً بسواء ، لاتحادهما في علة الحكم.

سادسا: في الإحرام

يجب على المرأة أن تكشف وجهها وكفيها حالة إحرامها بالحج أو العمرة ، ويحرم عليها عند ذلك لبس النقاب والقفازين ، لقول رسول الله:( لا تتنقب المرأة المُحرمة ، ولا تلبس القفازين ) فإن احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال بقربها ، أو كانت جميلة وتحققت من نظر الرجال إليها ، سدلت الثوب من فوق رأسها على وجهها.

سابعا : حالة الإكراه

فرضت بعض الأنظمة المتسلطة أحكاماً جائرة ، وقوانين ظالمة ، خالفت بها دين الإسلام ، وتمردت على الله ورسوله ، ومنعت بموجبها المرأة المسلمة من الحجاب ، بل وصل الحال ببعضها إلى إزاحته عنوة عن وجوه النساء ،ومارست ضدهن أسوأ أنواع التسلط والقهر والإرهاب.. كما حدثت مضايقات للمنقبات في بعض البلاد الأوربية .. وتعرض بعضهن إلى الإيذاء تارة ، والتعرض للإسلام أو الرسول صلي الله عليه وسلم تارة أخري.
وإزاء ذلك فإنه يجوز للمرأة في حال الضرورة التي تتيقّن فيها أو يغلب على ظنّها حصول الأذى الذي لا تُطيقه أن تكشف وجهها ، وإن الأخذ بقول مرجوح أولى من تعرضها للفتنة على أيدي رجال السوء .

ثامنا : العجوز التي لا يُشتهى مثلها
انتهي

تم حذف حالات كشف الوجه من الطبعات التالية للكتاب لأن هناك مجموعة من أهل العلم لم يستحسنوا ذكر هذه الحالات !!!