يقول المتقولون :
المرأة إذا نشزت على زوجها ...... عوقبت بالوعظ والهجر والضرب .
والرجل إذا نشز على زوجته ...... كوفئ بالتنازل عن الحقوق !!!!!!!
ودليلهم هاتان الآيتان :
((اللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ))
(( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا ... ))
نقول وبالله نستعين :
قد إعتمد مثير الشبهة على تكرار كلمة ( نشوز ) فى كلا الآيتين ...... وهو إما جاهل بخاصية مهمة فى اللغة العربية أو متجاهل لها ..... هذه الخاصية هى كون اللغة العربية لغة المترادفات ... فالكلمة الواحدة تستخدم بأكثر من معنى .... وعلى هذا نشأ علم البلاغة الذى يقوم على الكناية والتورية والمجاز المرسل ..... وغيره.
و ( النشوز ) فى اللغة هو الإرتفاع والترفع .... يقال نشزت الأرض .. إذا برز جزء منها .
فنشوز المرأة هو ترفعها عن فراش زوجها ونشوز الرجل ترفعه عن محبة زوجته ...... والدليل على إختلاف المعنى بينهما ما سنذكره الآن بإذن الله تعالى :
نشوز المرأة كما عرفه الفقهاء : هو عصيان الزوجة لزوجها فيما يجب عليها طاعته فيه ... والدليل على ذلك هو هذا الحديث الشريف الثابت :
أيها الناسُ إنَّ لكمْ على نسائِكم حقًّا ولنسائِكم عليكُم حقًّا، لكمْ عليهنَّ ألاَّ يوطِئنَ فُرُشَكُم أحدًا تكرهونهُ، وعليهنَّ ألا يأتينَ بفاحشةٍ مُبينةٍ، فإنْ فعلنَ فإنَّ اللهَ تعالى قد أذنَ لكمْ أن تهجُروهنَّ في المضاجعِ وتضربوهنَّ ضربًا غيرَ مُبرِّحٍ، فإنِ انتهَينَ فلهنَّ رزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمعروفِ.
إذاً فالذى يستوجب العقاب .... هو تضييع حق الزوج ليس إلا .. وهو الفاحشة المبينة التى قصدها الرسول صلوات الله عليه وسلامه ..... وهو نفسه النشوز الذى ذكر فى الآية الكريمة .
أما نشوز الزوج :
فإلينا هذا الحديث من البخارى :
عن عائشةَ رضي اللهُ عنها : { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } . قالت : هيَ المرأةُ تكونُ عندَ الرجلِ لا يسْتَكْثِرُ منها ، فيريدُ طلاقهَا ويتَزَوَّجُ غيرها ، تقولُ هيَ أمسِكْني ولا تطَلِّقْني ، ثم تزوَّجْ غيري ، فأنتَ في حلٍّ من النفقةِ عليَّ والقِسْمَةِ لي ، فذلِكَ قولُ اللهِ تعالى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } .
فبينت السيدة عائشة رضى الله عنها المقصود من نشوز الرجل .... وهو كراهيته لزوجته ونفوره منها ورغبته فى فراقها .... وهو شئ ليس بيد الرجل كى يعاقب عليه أصلاً !!
بعد أن بطلت الشبهة من أساسها…….
دعونا نسأل بعض الأسئلة :
هل يجوز للزوج الذى يكره زوجته أن يظلمها ويفرط فى حقوقها بسبب هذا الكره ؟
لا ...... بل إذا إستقر فى قلبه عدم إشتهائها ..... وجب عليه تطليقها .... لأن لها عليه حقاً كما قال الرسول صلوات الله عليه وسلامه فى صحيح مسلم ... ولا شك أن التفريط فى حقها ظلم والظلم ظلمات يوم القيامة ولا يجوز الإقدام عليه بل يجب على المسلم تحصين نفسه من الوقوع فيه.
هل يجوز للزوج أن يسئ معاملة زوجته حتى يجعلها تتنازل عن بعض حقوقها ؟
كلا ....... بنص القرآن :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ .((
وماذا إن ظلم الزوج زوجته وفرط فى حقوقها ....... ماذا تفعل عندئذ؟
أولاً : إنه يأثم بذلك .....
وثانياً : لها أن تشكوه للقاضى فإذا ثبتت دعواها وجب على القاضى أن يعزره ويؤدبه بما يراه مناسباً على ألا يزيد فى جلده عن عشرة أسواط لقوله صلى الله عليه وسلم :
لا تجلدوا فوق عشرةِ أسواطٍ إلا في حدٍّ من حدودِ اللهِ.
وأخيراً فلها طلب الطلاق ..... وللقاضى أن يحكم لها به إذا ثبت وقوع الضرر عليها .
فإذا تكررت دعواها ولم يثبت وقوع الضرر عين حكمين من أهلهما ينظران فى حالهما ويرفعان إليه ما يقررانه ويحكم على أساسه فإن إختلفا .... عين غيرهما .
وإن أغلقت جميع الأبواب فى وجهها فلها أن تخالعه ....... وهى لن تخسر شيئاً .... فقط ترد له ما أمهرها إياه كاملاً .... علماً بأن مالها هذا سيكون وزراً عليه يوم القيامة .
فالسلطات موزعة ومدرجة .... بحيث يتحقق العدل ويسود النظام ...... وإلا لصار الأمر فوضى .. على العلم بأن بعض العلماء منهم ( ابن عثيمين ) أفتى بجواز إمتناع المرأة عن فراش زوجها إذا قصر فى حقها لتقتص لنفسها وحجته : من إعتدى عليكم فإعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم .... وهو قول قوى .
إذا عكسنا الوضع فهل تعاقب المرأة على كراهيتها لزوجها ورغبتها فى فراقه ؟
بل سمح الله لها بأن ترد له ما أعطاها وتخالعه إن خافت ألا تقيم حدود الله .......
الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(229)
ونلاحظ فى هذه الآية أن الله يمنع الرجال من عشرة زوجاتهم بغير المعروف ... فقال فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .... فالرجل أمام خيارين لا ثالث لهما .... إما أن يمسك زوجته بالمعروف ويعاملها بالحسنى ... أو يسرحها ويعطيها كافة حقوقها الشرعية .
فإن رضيت هى بالتنازل عن بعض حقوقها فلها ذلك ... بعكس مثلاً حق المهر .. فلا يجوز لها إسقاطه .... ولهذا نزلت آية نشوز الرجل .... لتبين أن التنازل بهذه الصورة مشروع وبأن تفريط الرجل لحقوقها فى هذه الحالة ... لا حرج فيه ولا إثم .
ولكن دعونا نتأمل فى الآية مرة أخرى :
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ( 128 ) ...
فى نفس الآية : يندب الله للرجال .. أن يحسنوا إلى زوجاتهم ويمسكوهن رغم بغضهم لهن .. وأن يعاملوا الله فى معاملة زوجاتهم .... ليجازيهم خيراً على ذلك فهو خبير بما يصنعون .
وفى الآية التى تليها ..... يوضح الله ببيان شديد ...... أن البغض ليس مسوغاً لهجر المرأة بحيث تصبح كالمعلقة لا هى أيم ولا هى ذات بعل ... فيقول :((وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيما ))
ثم ختم الله قضية بغض الزوج ــ اللاإرادى ــ لزوجته بهذه الآية الرائعة العظيمة :
وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا
فكأنه يقول : لستِ مضطرة لأن تتنازلى عن حقوقك ..... بل إن تركك وتزوج غيرك فأنا قادر على أن أغنيك بغيره كما أغنيته بغيرك .... وأنا الواسع الحكيم .
وفى الختام لا أستطيع إلا أن أقول : حسبى الله ونعم الوكيل فى كل مدلس كذاب .