الباب الأول
في ولادتها وتسميتها ومحبته صلى الله عليه وسلم لها
ومتعلقات ذلك رضي الله عنها
ولادتها رضي الله عنها
ذكر أبو عمر: أنها ولدت سنة إحدى وأربعين من المولد.
وتعقب بما ذكره ابن إسحاق وغيره.
أن أولاد النبي صلى الله عليه وسلم ولدوا قبل النبوة إلا إبراهيم.
وقال ابن إسحاق: ولدت وقريش تبني الكعبة.
قال: وبنتها: قبل المبعث لسبع سنين ونصف.
وقيل: ولدت تمام المبعث.
وقيل غير ذلك.
كذا نقله الجلال السيوطي عن ابن إسحاق وأقره. وفيه بالنسبة لقوله: (قبل البعث بسبع ونصف) ما فيه. ونعرف ما فيه، بل لا يكاد يصح؛ لأن بناء قريش الكعبة، ووضعه عليه السلام الحجر في محله كان سنة خمس وثلاثين من مولده صلى الله عليه وسلم، وبعث على رأس الأربعين، فمولدها قبل الإرسال بنحو خمس سنين كما ذكره ابن الجوزى وغيره، وأنه أيام بناء البيت، وبه جزم المدايني.
بم سماها النبي صلى الله عليه وسلم وما سر هذه التسمية؟! وسماها (فاطمة) بإلهام من الله تعالى؛ لأن الله فطمها عن النار! فقد روى الديلمي عن أبي هريرة والحاكم عن علي أنه عليه السلام قال: (إنما سميت فاطمة، لأن الله فطمها وحجبها عن النار).
واشتقاقها من الفطم وهو (القطع) كما قال ابن دريد. ومنه: فطم الصبى: إذا قطع عنه اللبن.
ويقال: لأفطمنك عن كذا: أي لأمنعنك عنه.
لم سميت بالزهراء؟ وسميت بالزهراء؛ لأنها زهرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
لم لقبت بالبتول؟ ولقبت (بالبتول)؛ لأنه لا شهوة لها للرجال، أو لأنه تعالى قطعها عن النساء حسنا وفضلا وشرفا.
أو لانقطاعها إلى الله.
بم كنيت؟ وكنيت (بأم أبيها) كما اخرجه الطبراني عن ابن المدايني.
بطلان بعض الروايات الخاصة بالتسمية: وأما ما رواه الخطيب البغدادي (من أن جبريل ليلة الإسراء ناول المصطفى تفاحة فأكلها فصارت نطفة في صلبه، فحملت منه بفاطمة، وأنه كلما اشتاق إلى الجنة قبلها).
فقال الذهبي - كابن الجوزى: موضوع. وأقره الجلال السيوطي، فيما تعقبه على ابن الجوزى، ولم يعترضه.
وقال الحافظ ابن حجر: هذا من وضع محمد بن خليل؛ فإن فاطمة ولدت قبل الإسراء بمدة، بل قبل النبوة اتفاقاً.
وكذا ما قاله الحاكم في مستدركه عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا: (أن جبريل أتى بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة الإسراء فعلقت خديجة بفاطمة فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة) ما ذاك إلا أن فاطمة ولدت قبل الوحي إجماعاً؛ فهو قطعى البطلان!
منزلتها ومحبته صلى الله عليه وسلم لها
ومتعلقات ذلك
وكانت فاطمة أحب أولاده وأحظاهن عنده، بل أحب الناس إليه مطلقا.
روى الترمذي عن بريدة وعائشة قالت: (ما رأيت أحدا أشبه سمتا ولا هديا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة في قيامها وقعودها، وكان إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه).
زاد داود في روايته: (وكان يمص لسانها).
روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة: (أن عليا قال: (يا رسول الله، أيما أحب إليك أنا أم فاطمة؟ قال: فاطمة أحب إلي منك، وأنت أعز علي منها وكأني بك وأنت علي حوضي تذود عنه الناس، وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء، وإني وأنت والحسن والحسين وعقيل وجعفر في الجنة إخوانا على سرر متقابلين ثم قرأ صلى الله عليه وسلم (إِخواناً عَلى سُرَرٍ مُتَقارِبين) لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه).
وفيه سلمى بن عبقة مجهول.
هل بين الأحاديث تعارض؟ وكيف نوفق بينها لو كان؟ ولا ينافي ذلك قوله في حديث آخر: (أحب النساء إلي عائشة) ؛ لأن المراد بالنساء زوجاته الموجودات عند قوله ذلك.
وبفرض خلاقه: فهو على معنى من، ففاطمة لها الأحبية المطلقة.
سيدة نساء الأمة: وعن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: إن ملكان من السماء لم يكن زارني فاستأذن الله في زيارتي، فبشرني، أو قال: أخبرني (أن فاطمة سيدة نساء أمتي) رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن مروان الدهلي وقد وثقه ابن حبان.
أحب الأهل: وعن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحب أهلي إلى فاطمة) .
رواه أبو داود الطيالس والطبراني في الكبير والحاكم والترمذي.
شهادة عائشة لها:


وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما رأيت أفضل من فاطمة غير أبيها! ).
قالت - وكان بينهما شيء - (يا رسول الله، سلها؛ فإنها لا تكذب!!).
رواه الطبراني في الأوس وأبو يعلى لكنها قالت: (ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة) ورجاله رجال صحيح منزلتها هي وزوجها عند الرسول صلى الله عليه وسلم: وعن النعمان بن بشير: استأذن أبو بكر على المصطفى، فسمع عائشة عاليا وهي تقول: (والله لقد عرفت أن فاطمة وعليا أحب إليك مني ومن أبي مرتين أو ثلاثا، فاستأذن أبو بكر فأهوى عليها، فقال: يا بنت فلان، ألا سمعتك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم).
رواه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح أيهما الأحب؟ وأيهما الأعز؟ وعن ابن عباس، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على علي وفاطمة وهما يضحكان، فلما رأياه سكتا، فقالا لهما النبي: ما لكما كنتما تضحكان، فلما رأيتماني سكتما؟!؟ فبادرت فاطمة فقالت: بأبي أنت يا رسول الله قال هذا.. قال: أنا أحب إلى رسول الله منك! فقلت: بل أنا أحب إليه منك.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا بنية، لك رقة الولد، وعلى أعز على منك).
رواه الطبراني بإسناد صحيح نجاتها هي وولدها: وعن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: (إن الله غير معذبك ولا ولدك بالنار).
وعن على أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي شيء خبر للمرأة؟ فسكتوا، فلما رجع، قال لفاطمة: أي شيء خير للنساء؟ قالت: لا يراهن الرجال!! فذكر ذلك للمصطفى فقال: (إنما فاطمة بضعة مني).
وفيه دليل على فرط ذكائها، وكمال فطنتها، وقوة فمهما، وعجيب إدراكها.

</B></I>