بدّي أحكي لكم يا أحباب حكاية لطيفة وبتهمنا.. لا قرأتها في كتاب ولا سرقتها من كليلة ودمنة..

حكاية حيوانات كانوا يعيشوا في غابة.. ميّتها عذبة وأشجارها خلّابة..

والعلاقة فيما بينهم تكافل وانسجام.. وتعاون واحترام.. متعايشين بأمان.. لا في ظلم ولا في عدوان..

وفي مكان بعيد عنهم قرود مشرّدين.. ببحثوا عن قرية تؤويهم ويكونوا فيها مسيطرين.. قرود همج مشتّتين.. ما بتجمعهم إلّا عداوة الآخرين.. زعيمهم اللي الله لا يعطيه العافية ولا الحياة.. حط عينه على غابة الحيوانات.. وقرّر يسيطر عليها بكل الوسائل والإمكانات.. نشر دعايات وهمية عن شعبه.. إنهم أشدّاء وما بينغلبوا.. وأمر الحيوانات يسلموا غابتهم أو رح ينقتلوا وينسلبوا..

ومعقول يتخلّوا الحيوانات عن التراب حتّى لو ذرّات؟ أو المي حتّى لو قطرات؟ أو الشجر حتّى لو شجيرات؟ هيهات هيهات!

اجتمعت الفيلة والنمور والزّرافات.. والعصافير والسمك وحتّى النّحلات.. وقرّروا يدافعوا عن الغابة بثبات.. ويعلّموا القرود انه الوطن أغلى من الحياة..

إلّا الغربان أخذوا على الأغصان يتقافزوا.. وينعبوا ويتهامزوا.. قالوا للحيوانات: نحنا ضعفاء وأقزام.. ومو قد شر هاللئام.. إذا واجهناهم بتسير بيوتنا حطام.. خلّينا نسلّم الغابة بسلام.. لأنه الحكمة في الاستسلام!

بس ما حدا استمع للمرجفين المثبّطين.. لأنه الحيوانات مؤمنين وفهمانين..
وقضوا الليلة مترقّبين.. وللتصدّي لأي عدوان متأهّبين..

وفجأة... هجموا القرود مثل الإعصار.. جرحوا حيوانات وحطّموا أشجار.. لكن الحيوانات صابروا الأخطار.. وأجبروا القرود على التراجع والانحسار..

تاني يوم صبّحت الغربان على الأغصان يتقافزوا.. وينعبوا ويتهامزوا.. قالوا للحيوانات: إنتم مو قد هالحِرابة.. عنادكم خرّب الغابة.. وشو قيمة أحلام العصافير ومناقيرها الناعمة.. أمام مكر القرود وضرباتها الغاشمة؟

بس الحيوانات الجريحة حلفوا يصدّوا الظلم.. ويذوقوا القرود القبيحة طعم الألم..

وبالفعل أعدّوا ما استطاعوا من قوّة ونصبوا الأفخاخ..

ولمّا هجموا القرود بالليل تفاجأوا وزعيمهم خاف..
قرّصت النحلات وجوههم.. ورفست الزرافات بطونهم.. والقنافذ أطلقوا إبرهم.. والدب طيّرهم..
والعصافير الضعيفة شتّتوهم والزعيم زغولوا عينيه.. والفيلة الظريفة جمّعوهم ورقصوا فوقيهم باليه!

القرود جرجروا أذيال الخزي والعار.. وولّوا الأدبار.. وحيوانات الغابة فرحوا بالانتصار..

إلّا الغربان المُحبِطين كانوا يتقافزوا.. وبالنّصر مشكّكين وبنعبوا وبتهامزوا.. قالوا للحيوانات: بعدما سالت دماؤكم.. وسقط ثمركم وماتت جراؤكم؟

الحيوانات قالوا: نزفت القرود متل نزفنا.. والحمد لله حافظنا على غابتنا وشرفنا.. وعلّمناهم عمرهم ما يقربوا طرفنا..

والقرود في الجانب الآخر مكسّرين.. وبهزيمتهم أمام الحيوانات متأثّرين.. أملهم بالسيطرة على الغابة بدأ يقل.. التفّوا حول الزعيم الخبيث يفكروا بحل.. خطرت للزعيم خطّة بتسهّل الفوز.. وهي مقايضة أشجار الغابة بأطنان الموز!

وقفوا الغربان على الأغصان يتقافزوا.. وينعبوا ويتهامزوا.. قالوا للحيوانات مُضلّلين: تجارة رابحة يا جماعة.. نحنا مقبلين على جفاف ومجاعة.. بس الحيوانات ما استمعوا للطمّاعين.. لأنّه نظرهم بعيد وفهمانين..

قالوا: جائعين أعزّاء.. أحسن من متخمين أذلّاء.. ما بينسانا ربّ السماء.. وبيغنينا عن موز الأعداء..

زعيم القرود من القهر صابته جلطة.. لا نفعه حكيم ولا نفعته خلطة.. لولا فكرة شيطانيّة خطرت له فجأة.. بتجيب له غابة الحيوانات بلا تعب ولا عجقة..

لما هبط الظلام واختفى القمر وراء الغمام.. تسلّل أحد القرود إلى الغابة على أطراف الأقدام.. سرق بيضة من عش بوم حائم.. وكسرها أمام مغارة دب نائم!!

تاني يوم عَلَت الأصوات وصارت مقارعة.. وتحوّلت غابة الحيوانات لحلبة مصارعة.. اتُّهم الدب انه سطا على عش البوم.. والدب بينفي وبقول: أنا مظلوم!

والحيوانات انقسموا لطائفتين.. والغابة الحلوة كادت أن تصبح غابتين..

والغربان لقوا لهم ساحة نتنة.. ينفخوا فيها نار الفتنة..
قالوا للبوم: اقتُحِم عشَّك.. وأُكِل فرخك.. وقالوا للدب: قلّلوا قدرك.. ووقفوا ضدّك..

والقرود احتفلوا بتحقيق أربهم.. وأقاموا الأفراح وشربوا نخبهم..

لكن الحيوانات بعد الحوار والتروّي والتفكير.. تذكّروا انه الدب ما بياكل بيض ولا يمكن يوصل العش أو يطير!

وفهموا انه هذه عملة شرّير.. صار متلها بتاريخ الغابة كتير..

تصالحوا الحيوانات وندموا على الشّقاق.. وتحلّفوا يلقنوا القرود دروس في الأخلاق.. ولما القرود عرفوا بالخبر هربوا لآخر الآفاق..

ورجعت العصافير تزقزق الألحان .. والأرانب يتسابقوا مع الغزلان.. والدب ياكل العسل مع النحل.. والطاووس يتبختر على مهل.. والجحور اللي تدمّرت انبنت.. والأشجار اللي تكسّرت طالت وعَلَت..


أمّا الغربان.. الويل للغربان.. مواقفهم الانهزاميّة أذلّتهم وكسرتهم.. لا شكرتهم الغابة ولا الأعداء ذكرتهم..


وانحرموا خير كتير وماتوا بحسرتهم..