الدروس المستفادة من حديث موعظة النبي - صلى الله عليه وسلم -
النساء يوم العيد والرد على المغرضين


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه.



أما بعد:

فسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مليئة بالدروس والفوائد والعبر تهدي العباد إلى خير زاد، وترشد العقول إلى الخير المأمول إلا أن من ختم الله على سمعهم وجعل على أبصارهم غشاوة يرون النور ظلمة والعدل جورا والحق باطلا.



و ذلك لسوء فهمهم ولشدة جهلهم بأسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - البليغ الراقي، ومن هذه الأحاديث التي أساء المغرضون فهمها على وجهها الصحيح الفصيح حديث وعظ النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء يوم العيد، وهذا الحديث في الصحيحين.



والحديث نصه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ" فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ" قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ" قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: "فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ" قُلْن َ: بَلَى، قَالَ: "فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا" [1].




وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ" فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَ تَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَ دِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ" قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: "أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ: فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ"[2].




ودعونا نحيا في رحاب هذا الحديث ننهل منه الدرر والفوائد والعبر فقول أبي سعيد الخدري خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاء فيه مشروعية خروج النساء إلى المصلى،وفيه أن النساء لم يكن مختلطات بالرجال فمجلس النساء متميزٌ عن الرجال وخاصٌ بهن إذ ذهاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النساء ليعظهن بعدما يعظ الرجال يشعر بأن النساء كن على حده من الرجال، و لم يكنَّ مع الرجال في مكان واحد و إلا لما احتاج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يذهب إليهن.



وهذا يوضحه حديث ابن عباس: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَ لاَ بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَ مَعَهُ بِلاَلٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ تُلْقِي المَرْأَةُ خُرْصَهَا وَ سِخَابَهَا"[3].




قال ابن حجر: "قَوْلُهُ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ يُشْعِرُ بِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ عَلَى حِدَةٍ مِنَ الرِّجَالِ غَيْرَ مُخْتَلِطَاتٍ بِهِمْ"[4].




والنبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما وعظ الرجال أتي النساء لوعظهن و تذكيرهنَّ بما يجب عليهنَّ وحثَّهنَّ على الصدقة والاستغفار، وهذا يفيد استحباب وعظ النساء، وتعليمهنَّ أحكام الإِسلام وتذكيرهنَّ بما يجب عليهنَّ وحثَّهنَّ على الصدقة والاستغفار[5]، وقلنا بالاستحباب لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك.




وقد قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾[6] أي لقد كان لكم في أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وأحواله قدوة حسنة تتأسون بها، فالزموا سنته، فإنما يسلكها ويتأسى بها مَن كان يرجو الله واليوم الآخر، وأكثرَ مِن ذكر الله واستغفاره، وشكره في كل حال.



ووعظ النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء يوم العيد يدل على اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعليم المرأة،وعلى اهتمام الإسلام بتعليم المرأة، وعلى اهتمام الإسلام بالمرأة، وهذا رد على من يقول أن الإسلام قد أهمل المرأة.





[1] رواه البخاري في صحيحه 1 /68 حديث رقم 304 بَابُ تَرْكِ الحَائِضِ الصَّوْمَ.
[2] رواه مسلم في صحيحه 1 /86 حديث رقم 79 بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الْإِيمَانِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، وبَيَانِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْكُفْرِ عَلَى غَيْرِ الْكُفْرِ بِالله ِ، كَكُفْرِ النِّعْمَةِ وَ الْحُقُوقِ.
[3] رواه البخاري في صحيحه 2 /19 حديث رقم 964 بَابُ الخُطْبَةِ بَعْدَ العِيدِ.
[4] فتح الباري 2 /466.
[5] تطريز رياض الصالحين لفيصل بن عبد العزيز ص 1074 وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 2 /172 و فتح الباري 2 /468.
[6] الأحزاب الآية 21.