السلام عليكم يا إخوتي

سأقص عليكم قصة قصيرة مميزة وجدتها في أحد كتب التاريخ تبين كيف كان علماء المسلمين يبحثون عن العلم بلا ملل ولا شبع ويخافون ويخجلون من الجهل – مثل حالاتنا فرد شكل –

تقول القصة:


".. فكان إذا سئل أحدهم عن مسألةٍ في علمٍ من العلوم وعجز عن الجواب أخذ في دراسة ذلك العلم حتى يلمّ به.
من ذلك ما رواه ابن خلكان عما لابن منصور الجواليقي (توفي 539 هـ) العالم بالحديث واللغة والنحو والأدب.

فقد تقدّم إليه شابٌ وهو متصدّرٌ للتدريس في بغداد وسأله أن يفسر له بيتين من الشعر لم يفهم معناهما، فقال له: أنشد. فأنشد:

وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها وهجره النار يصليني بها النارا
فالشمس بالقوس أمست وهي نازلةٌ إن لم يزرني وبالجوزاء إن زارا

فقال له الشيخ: يا بني، هذا معنى من علم النجوم وسيرها لا من صنعة أهل الأدب، فانصرف الشاب واستحيا الجواليقي من أن يُسأل عن شيءٍ ليس عنده منه علم، فآلى على نفسه أن لا يجلس في حلقة دروسه حتى يدرس علم النجوم ويعرف سير الشمس والقمر.

فلما حصل على العلم بسيرهما جلس للناس وشرح معنى البيتين وهو:
أنّ الشمس إذا كانت في القوس كان الليل طويلاً فجعل ليالي الهجر فيه،
وإن كانت في الجوزاء كان الليل قصيراً فجعل ليلي الوصول فيها."

(من كتاب: أحداث التاريخ الإسلامي بترتيب السنين، تأليف وتصنيف د. عبد السلام الترمانيني، ج3، مج1، 1994)

فهل لاحظتم إبداع الشاعر في شعره وخجل العالم من جهله وحرص الطالب على المعرفة
وركزوا على خجل العالم وسعيه لطلب علم ليس من اختصاصه أو تخصّصه في لغة أهل زماننا

فما علاقة كلية الفلك بكلية الآداب؟!

وهو من أجل تفسير بيت من الشعر درس تخصصاً كاملاً

أما اليوم فتجد بعضاً من الطلاب يدخل الجامعة ليس ليسأل ولا ليجيب ولا ليتعلم ولا ليتثقف بل ليجلس في الساحات مع الأصدقاء وهم يحتسون النسكافيه وإذا دخل المحاضرة دخلها متثاقلاً وهو يحمل في يده علبة سجائر ولا يحمل أي قلمٍ حتى، وبعض الفتيات لا تهتم الواحدة منهن بـ (ماذا ستقرأ غداً) بل أكبر همّها (ماذا سترتدي غداً) وكثيرٌ منهم يتخرّج وهو لا يتقن تخصصه حتى، فما معنى أن يقرأ طالبٌ في كلية الآداب البيت التالي:

طوراً عراكاً وأحياناً مياسرةً رياضة المُهرِ بين العنف والمَهَل

قرأه هكذا:

طوراً عراكاً وأحياناً مياسرةً رياضة المُهرّبين العنف والمَهَل

وطالبةٌ أخرى في أحد كليات العلوم الطبية المساندة نقلت المحاضرة لزملائها عن مسجل الصوت وبدل أن تكتب ..due to .. كتبت:de you 2

وهذا يذكّرني بالرجل الذي قرأ عند ابن تيميّة: " فخرّ عليهم السقف من تحتهم"، بدل: "من فوقهم" فقال له ابن تيمية: "سبحان الله؛ لا عقل ولا دين!"

لذلك أقول أن طريق التقدم والتطوّر يبدأ بحبّ العلم فقبل أن يتعلم الطلاب العلم يجب أن يتعلموا حبّ العلم والتشوق له ويتملّكهم الفضول للمعرفة وتخيف الأم طفلها من شبح الجهل بدل أن تخيفه من الغول وتقف الفتيات على واجهات المكتبات كما يقفن على واجهات محلات الأحذية والملابس وتمتلئ المكتبات كما تمتلئ المطاعم ويستغل الإنترنت لطلب العلم والبحث بدل أن يكون لمضيعة الوقت والثرثرة.