اقتباس الغربيين الرَّقْم العربي ومدى تصرفهم في شكله
اتفق عقلاء الشرق والغرب وعلماؤهم من مسلمين وغير مسلمين ، على أن الأرقام المستعملة اليوم في ديار الفرنجة وغيرها مقتبسة - مع علوم كثيرة - من العرب المسلمين . فقد بهرت الأرقام الغبارية برموزها وطريقة استعمالها ونظامها العشري هؤلاء الغربيين ، فأبدلوا بأرقامهم (الرومانية) المتوارثة الأرقام الغبارية .
وليس أدل على هذا من إقرارهم مع ما تقدم عن ابن الياسمين من رسم الأشكال الغبارية . قال (هيوستن بانكس) أحد أساتذة الرياضيات الغربيين في كتابه الرياضيات الحديثة : "باستطاعة المرء استعمال الأعداد الرومانيةفي حالة الجمع ، أمّا إذا حاول إجراء عمليات الضرب والقسمة فهنا تتميز الأعداد العربية التي توفر لنا الوقت والمادة الحسابية المضبوطة" (نقلا عن الموجز في التراث العلمي العربي الإسلامي 56) .
وللمستشرقة الألمانية (زيغريد هونكة) في كتابها الجيد - رغم ما فيه من مغالطات وما عليه من مآخذ - كلام أوضح في هذا المقام ، وهو قولها : "فكل الأمم المتحضرة تستخدم اليوم الأرقام التي تعلمها الجميع عن العرب ، ولو لا تلك الأرقام لما وجد اليوم دليل تليفونات أو قائمة أسعار أو تقرير للبورصة ، ولما وجد هذا الصرح الشامخ من علوم الرياضة والطبيعة والفلك ، بل لما وجدت الطائرات التي تسبق الصوت ، أو صواريخ الفضاء . لقد كرَّمنا هذا الشعب الذي منَّ علينا بذلك الفضل الذي لا يُقَدَّر حين أطلقنا على أرقام الأعداد عندنا اسم الأرقام العربية" (شمس العرب تسطع على الغرب 68) .
كما ان الدكتور (ألبرت ديتريش) أحد المستشرقين الألمان لم يغفل عن هذا التذكير ، بل قال : "فاعتناق هذه الأرقام وإصلاحها ونقلها إلى الغرب مأثرة ثقافية باهرة كتبها العرب لأنفسهم ، وخلدت في تاريخ الحضارة بخلود العلم ، والحياة اليومية تردد ذكراها على الإنسان الواعي" (دوْر العرب في تطور العلوم الطبيعية 739) .
وقد ذكر جماعة من الباحثين أن جيربير (318 - 394 هـ / 930 - 1003 م) الذي وُلِّي البابوية سنة (390 هـ / 999 م) باسم (سلفيستر الثاني) ، هو الذي أدخل* الأرقام العربية والنظام العشري إلى أوربا بعد أن تلقاهما عن علماء المسلمين في الأندلس السليب *، لكن الأوربيين احتاجوا إلى زمن بعد هذا حتى انتشرت تلك الأرقام في ديارهم ، حيث رحل الكثيرون منهم إلى ديار الإسلام القريبة ناهلين من ذاك المعين .
وأما مدى تصرف الغربيين في أشكال الأرقام الغبارية : فإنه بإلقاء نظرة على الأرقام المغربية التي أوردها ابن الياسمين مع مقارنتها بما يستعمله الغربيون اليوم يظهر التفاوت الواضح في عدد من أشكال أرقام المجموعتين . بل إن الأرقام التي توجد في مخطوطة (فجيليانُس) المدونة باللاتينية ، يختلف بعضها عما شاع بعد ذلك في العرب .
وأمر طبيعي أن يقوم الغربيون بشيء من التعديل في الأرقام العربية التي اقتسبوها لتناسب طريقة كتابتهم ، وتتلاءم مع حروفهم .
قال الدكتور مطلوب : "ويلاحظ مما ذكر ابن الياسمين : أن النوع الأول هو الذي انتقل إلى أوربا والعالم الأجنبي فيما بعد ، ولكنه ليس كالمستعمل الآن ؛ لان الأربعة والخمسة تشذان عن ذلك ، أي أنه تطور حينما انتقل إلى أوربا ليلاءم الحرف اللاتيني ، ولذلك لا يمثل هذا التطور أصالة الرَّقْم العربي" .
ثو قال : "إن الرقم الاجنبي عربي ، ولكنه مغترب (الأرقام العربية د . مطلوب 17) . ثم أضاف : "إن الأرقام الغبارية لا تتفق كل الاتفاق مع ما طوره الأوربيون ، أي إن الصورة عربية النّجار أوربية الدثار" . (المصدر السابق) .
وقال الدكتور محمد السمان : "فمن علوم العرب المسلمين اقتبس الغرب الأوربي . . . ومن جملة هذا التراث الكبير الذي نقلوه كانت الأرقام الغبارية التي تمكنوا من تطويرها إلى ما يتناسب مع أشكال حروفهم الكتابية ، وحوّوروها من ثم لتقبل التكيف مع طريقتهم في الكتابة من اليسار إلى اليمين ، وتأتلف مع أشكال حروفهم في الاستدارة" (أرقامنا العربية الحالية هل يمكن التحول عنها ؟! 46) .
*(بل قالت هونكة في شمس العرب 78 : "ولم يعرف الغرب قبل هذا الرجل علم الرياضيات" . فهذا يدل على أن علوم الحاسوب اليوم يرجع فضلها إلى علماء العرب المسلمين ، أي أن التقنيات الحديثة تغذت بِلبان الحضارة الإسلامية الزاهية .
قال الدكتور بخاري في كتابه الأرقام العربية 50 : "وتذكر المصادر الغربية أن الأرقام العربية قد انتقلت إلى أوربا عبر إسبانيا . . . في حدود 976 م - (366 هـ) - . . . إن أقدم مخطوط تم فيه كتابة الأرقام الجديدة يوجد . . . في شمال إسبانيا ، وترجع هذه الوثيقة إلى عام 976 م (366 هـ) - . ومخطوطة (فجيليانُس) والتي تحفظ الآن في مكتبة مدريد ، حيث تحتوي على وصف للأرقام 1 - 9 وبدون الصفر" . ثم أورد صورة من الصفحة التي رسمت فيها الأرقام ، وهذا أدناه شكل الأرقام فيها ، وقد كتبت من اليمين إلى اليسار :