حقيقة الكفر

القسم الأول:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)﴾

الكفر لغةً: السَّتْر والتَّغطية، وجَحْدُ النِّعمة وتناسيها،

وحينئذٍ لم يبق التقابل بين الإيمان والكفر لغة إلا باعتبار اللازم، فإنّ جحود النعمةِ والتناسي لا يجتمع مع التَّصديق بأحد،

وبمعنى أدق، فإن الجحود يطمس معالم التصديق، أو يحول بينه وبين القلب،

ففي الحالة الأولى، اقتنع الكافر بالحق وتبين له الهدى، ولكنه شاقق،

وفي الثانية أبى الحق ابتداء، وتصديقه لا يجتمع معه جحود نعمتِهِ، ولولا وجود نقيضٍ سَتَرَهُ نقيضُهُ، أو غطاه وحجبه، ما سُمي كفرا،

وقد قلنا: لا يجتمعا، وهذا لا يعني أن المعرفة التي قد ينتج عنها التصديق لم تتواجد قبل أن يسترها ويغطيها ويطمس محاسنها الكفر،

فرب كافر عرف وشاقق، وأما ضِدُّ الإيمان الصريح فهو الخيانة، كما أن ضِدّ الكفر هو الشكر.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ وَلَا يَجْتَمِعُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ جَمِيعًا وَلَا تَجْتَمِعُ الْخِيَانَةُ وَالْأَمَانَةُ جَمِيعًا مسند أحمد باقي مسند المكثرين.

وعَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ

قَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ وَقَلْبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلَافِهِ وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ وَقَلْبٌ مُصْفَحٌ

فَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَجْرَدُ فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ

وَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَغْلَفُ فَقَلْبُ الْكَافِرِ

وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمَنْكُوسُ فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ

وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمُصْفَحُ فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ


فَمَثَلُ الْإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ فَأَيُّ الْمَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الْأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ. مسند أحمد باقي مسند المكثرين.

قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة:

الكاف والفاء والراء: أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معنىً واحد، وهو السَّتْر والتَّغطية. يقال لمن غطّى دِرعَه بثوبٍ: قد كَفَر دِرعَه.
والـمُكَفِّر: الرّجل المتغطِّي بسلاحه.
ويقال للزَّارع كافر، لأنَّه يُغطِّي الحبَّ بتُراب الأرض.
قال الله تعالى: ﴿أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾ [الحديد 20]. ورَمادٌ مكفور: سَفَت الرِّيحُ الترابَ عليه حتى غطَّتْه. قال: * قد دَرَسَتْ غَيرَ رمادٍ مكفورْ *

والكافر من الأرض: ما بَعُد عن الناس لا يكاد ينزله ولا يمرّ به أحد؛ ومَن حلّ بتلك المواضع فهم أهل الكفور.

والكُفْر: ضِدّ الإيمان، سمِّي لأنَّه تَغْطِيَةُ الحقّ. وكذلك كُفْران النِّعمة: جُحودها وسَترُها.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الْكُفْرُ فِي اللُّغَةِ:
السِّتْرُ، يُقَال: كَفَرَ النِّعْمَةَ، أَيْ: غَطَّاهَا، مُسْتَعَارٌ مِنْ كَفَرَ الشَّيْءَ: إِذَا غَطَّاهُ، وَهُوَ أَصْل الْبَابِ.

وَالْكُفْرُ نَقِيضُ الإْيمَانِ، وَالْكُفْرُ: كُفْرُ النِّعْمَةِ، وَهُوَ نَقِيضُ الشُّكْرِ، وَكَفَرَ النِّعْمَةَ وَبِالنِّعْمَةِ: جَحَدَهَا، وَكَفَرَ بِكَذَا تَبَرَّأَ مِنْهُ،

وَفِي التَّنْزِيل: ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي﴾، وَيُقَال: كَفَرَ بِالصَّانِعِ: نَفَاهُ وَعَطَّل، وَهُوَ الدَّهْرِيُّ الْمُلْحِدُ، وَكَفَّرَهُ - بِالتَّشْدِيدِ: نَسَبَهُ إِلَى الْكُفْرِ، وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ: إِذَا فَعَل الْكَفَّارَةَ، وَأَكْفَرْتُهُ إِكْفَارًا: جَعَلْتُهُ كَافِرًا.

وَالْكُفْرُ شَرْعًا: هُوَ إِنْكَارُ مَا عُلِمَ ضَرُورَةً أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَإِنْكَارِ وُجُودِ الصَّانِعِ، وَنُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسِّلاَمُ، وَإنكار حُرْمَةِ الزِّنَا وَنَحْوِ ذَلِكَ )1(

)1( المنثور في القواعد 3 / 84


يتبع ----