ذكريات إسلامية في باهية البرازيلية

18 / 5 / 2011

الزائر لمدينة " سلفادور " عاصمة ولاية باهية البرازيلية، يعجب من جمالها الخلاب ومناظرها التي تسحر العيون، هذه الولاية التي تمتد على مساحة 200كم على ساحل الأطلسي، تقول بعض الروايات أن أصل كلمة باهية عربي ومأخوذة من البهاء والروعة .

لن تفاجأ كثيرا وأنت ترى الملابس البضاء الفضفاضة التي مازالت تردتديها النسوة أو العمامة التي يرتديها الرجال في بعض المناسبات، ليرسموا صورة من الماضي غير البعيد يوم كانت هذه الملابس هي الشائعة بما تمثله من عمق إسلامي جاء مع العبيد المسلمين من إفريقيا، وقد أخبرني بعض المسلمين أن الملابس البيضاء كانت عادة يحرص أهل السلفادرو على ارتدائها يوم الجمعة .

لن تندهش إذا رأيت الكثير من الكلمات العربية مكتوبة على الأماكن، أو يلفظها الناس هنا، فقد اختلطت اللغة البرتغالية بكثير من المصطلحات العربية نتيجة تأثر البرتغاليون بمعاشرة المسلمين في شبه جزيرة إيبيريا، ثم بقدوم الأفارقة منتصف القرن السادس عشر والذين كانوا يجيدون القراءة والكتابة في حين كان من استعبدهم من البرتغاليين يوصفون بالأمية، ومن المعلوم أن قاموس اللغة البرتغالية يحتوي على أكثر من 3000 ثلاثة آلاف كلمة من أصل عربي .

مررت على حديقة تسمى " جنة الله " تنتصب على ساحل الأطلسي مكان يأسر النفس ويأخذ اللب تنتشر فيه أشجار جوز الهند وترسم خلفه أمواج البحر لوحة رائعة تدل على عظمة خلق الله، يقال أن العبيد المسلمين كانوا يجتمعون في هذه الحديقة .

سترى في هذه المدينة كنيسة " لابيلا " والتي طلب من العبيد المسلمين بناءها، فكانت تحفة فنية من الداخل تزدان بالنقوش الإسلامية، حتى المنبر يمثل جزءا أساسيا من مكوناتها، ناهيك عن الجدران المزينة بالكلمات العربية، كلها تحكي أن من قام بالبناء أصحاب علم وحضارة .

كنت أشق طريقي إلى وسط شوارع المدينة أشاهد بيوتها القديمة، وأشم عبق الماضي، مررت بشارع النصر الذي شهد كبرى المعارك بين جنود المملكة البرازيلية والعبيد المسلمين الذين ثاروا من أجل حريتهم وكرامتهم، وكأني أسمع صرخاتهم بالتوحيد والتكبير، وهم يتساقطون الواحد تلو الآخر .

دار بيني وبين سائق السيارة ذو الملامح الإفريقية حديثا طويلا حول تاريخ المسلمين في هذه المدينة، أخبرني بمعاناة العبيد الفارقة عند وصولهم أرض البرازيل، عن تعميدهم القسري، عن إجبارهم على تغيير أسمائهم، ورغم ذلك كانوا يقومون بتدريس القرآن داخل الأكواخ، حدثني عن عذاباتهم وقتلهم وتشريدهم في ولايات البرازيل .

لقد كان هؤلاء المسلمين يعقدون آمالا كبيرة على ثورتهم عام 1835م بأن تكون نهاية للعبودية وإيذانا بقيام مملكة إسلامية، ولكن أحلامهم تبددت مع قسوة سيوف البرتغاليون وبنادق جنود المملكة التي لم ترحمهم والذين تم استدعاؤهم من باقي الولايات البرازيلية لإخماد هذا الصوت .

تذكرت زيارة الشيخ عبد الرحمن البغدادي للبرازيل عام 1865م، والذي وصل إليها قدرا على ظهر سفينة عثمانية حينما ضلت طريقها أثناء دورتها حول إفريقيا ووصولها لميناء ريو دي جانيرو، لقد بقي الشيخ لمدة ثلاثة أعوام في البرازيل حينما التقى ببعض المسلمين والذين طلبوا منه البقاء معهم ليعلمهم شعائر الإسلام، زار خلالها المسلمين في باهية، كانوا مع كل ماحدث لهم من مصائب يحافظون على ماتبقى لهم من هذا الدين العظيم، ومع مرور الزمن انقطع أثر هؤلاء، ولم يبق إلا الذكريات التي تتحدث عن علمهم وثقافتهم وفضلهم وتأثيرهم في بناء حضارة البرازيل في شتى المجالات .

وصلت إلى المركز الثقافي الإسلامي بمدينة سلفادور ، وهو عبارة عن بيت قامت الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بشرائه عام 1992م، وقامت رابطة العالم الإسلامي بإيفاد مبعوث له هو فضيلة الشيخ عبد الحميد أحمد من أصل نيجيري ليكون إماما له، حيث يقوم بجهد مشكور للدعوة إلى الله في هذه المدينة التي كان يبلغ عدد المسلمين فيها في يوم من الأيام نصف عدد السكان .

التقيت في المصلى بكثير من المسلمين الجدد، رأيت فيهم الحماسة والجد والحرص على تعلم شعائر الإسلام، حدثتهم بعد صلاة العشاء عن تاريخ أجدادهم، عن جهادهم ضد الرق، والحفاظ على هويتهم الإسلامية، عن زيارة الشيخ البغدادي، أخبرتهم ان المستقبل لهذا الدين وأن الواجب يحتم علينا حمل أمانة تبليغ هذه الرسالة لكل أنحاء البرازيل .

سألت الشيخ عبد الحميد عن عدد من أسلموا على يديه، أخبرني أنهم مائتي مسلم، وعدد المسلمين اليوم في ولاية باهية يبلغ 500 خمسمائة مسلما، أغلبهم ممن اعتنق الإسلام حديثا .

ودعت إخواني في مدينة سلفادور وذكريات الماضي لم تغادر فكري، وأمل المستقبل يحدوني للعمل أكثر وأكثر للوصول بنور هذه الرسالة لكافة مناطق البرازيل، وحدثتني نفسي إلى متى سيحافظ المسلمون في هذه المدينة على إسلامهم ؟ ومن سيدعم وجودهم وجهادهم من أجل رفع راية الإسلام ؟ .

إن بمقدور المسلمين أن يزيدوا من أعدادهم إذا توافرت الإمكانات المادية والطاقات البشرية، إن هذا المكان بما يحويه من تاريخ إسلامي عميق يمتد لمئات السنين، وبما يمثله من ملتقى للثقافات، وهو مزار لكثير من السياح، بحاجة لمركز كبير يحتوي على مسجد ومصلى ومتحف ليكون منارا وسببا لعودة الكثير لأصولهم الإسلامية، فهل من مجيب ؟ .



اون اسلام - الشيخ خالد رزق تقي الدين