إن الدماغ يربط قانون هوية الشيء (الجرم) وشكله المجسم في ذاكرته، وكذلك يفعل مع الجرم الثاني والثالث والرابع وهكذا ويربط مجموع هذه الأجرام وكأنها كيان واحد جديد يعطيه هوية خاصة يسميها [الكون].

ويدرك أن لكل جرم منها جسم، ومعنى الجسم هو وجود هيأة أو شكل محدد له، ومعنى ذلك أن الجسم يبدأ عند نقطة وينتهي عند نقطة أخرى. وأن الدماغ إذا أحس بجزء معين من الجسم أدرك أن الجسم له شكل محدد مكون من مجموعة أجزاء لها الوصف الكياني، حتى لو لم ير آخره وهذا آت من مفهوم الهوية ومن معنى الوصف الكياني.

فإذا أحس الدماغ ببعض الأجرام التي هي أجزاء من الكون الفسيح أدرك أن الكون محدود لأنه مجموعة من الأجزاء وهي الأجرام، حتى ولو لم يقع حسه عليها جميعها من أولها إلى آخرها، فبمجرد أن يضع إصبعه على جزء منها فقد أثبت محدودية هذا الجزء المكون لها، وأدرك أن ما يزيد هو عدد الأجزاء المحدودة ولكن الكيان المكون لمجموعها يجب أن يكون محدودا لأن ما يزيد هو محدود يضاف إلى محدود سبقه، فيثبت أن الكون محدود من فهمه هذا.

بالإضافة إلى إدراك الدماغ لبديهية أخرى هي بطلان التسلسل فيدرك أن الأجزاء مهما تعددت فإن لها نهاية تنتهي عندها ويكون مجموع ما له نهاية محدود، لأن الجزء المكون للمجموع هو جسم محدود ويكون المجموع الكلي محدود أيضا.

ويمكن للدماغ الحكم على محدودية الكون من خلال ربط محدودية الجزء (الجرم) في المكان (الجسم) مع مفهوم الزمن، فيحكم بوجوب محدودية عمر الجرم لتلازم الصفتين من ناحية وصف المحدودية أي المكان والزمان، فيدرك أن الجرم قد بدأ وجوده عند لحظة معينة في الزمان حتى ولو لم يشهد تلك اللحظة ويعرف إنه سينتهي عند لحظة معينة أيضا، وبما أن الكون هو الكيان الذي يشمل مجموع هذه الأجرام وكل جرم له عمر محدود فيحكم بمحدودية عمر الكون.

وإذا أدرك الدماغ المحدودية في الكون ومفهوم وجود صفة العجز فيه بربط ذلك بمفهوم الاستقرار، يكوون قد أدرك وجوب وجود من وضع له تلك الحدود في الزمان والمكان وربط ذلك بمفهوم السببية أي العلاقة بين السبب والمسبب وعرف من ذلك وجوب وجود الصانع المبدع الذي فطر هذا الكون المحدود وخلقه بعد أن لم يكن وأدرك أن هذا الخالق يجب أن يكون غير محدود وغير عاجز.

إلا أنه توجد مشكلة مع بعض المتعلمين المثقفين الذين درسوا العلوم النظرية البحتة كالرياضيات والذين يخلطون البديهيات مع نظريات درسوها تتعلق باللانهائي في تخيلهم للرسم البياني فيبدأون يتخيلون اللانهاية أو اللامحدود ويخلطون المفاهيم النظرية الافتراضية في الرياضيات مع حقائق الحياة فنقع في إشكال معهم ويمكن حل إشكال بعض المثقفين بضرب أمثلة على ذلك.

من الأمثلة التي يمكن ضربها لتوضيح بديهية حقيقة كون "مجموع المحدودات محدود" ما يلي: