عادل القاضي.. فقيد الإسلاميين "المنسي"

الثلاثاء 22 جمادى الأولى 1432 الموافق 26 إبريل 2011



القاهرة/ مصطفى عياط

أن تجد صحفيًا ناجحًا ومهنيًا، فذلك أمر نادر في دولنا العربية، وإذا ما أضفنا لذلك صفة "الالتزام وحسن الخلق"، فإنّ الندرة تصبح أشد، ثم يكاد يستحيل أن تتجمع تلك الصفات ومعها صفة "الاستقلالية" في شخص واحد، ولعل تلك هي المعادلة الصعبة التي حققها الصحفي المصري اللامع عادل القاضي، الذي لحق بجوار ربه عصر الاثنين الماضي.

وربما لا يتوقف الكثيرون عند "معضلة صعبة" حلها القاضي، رحمه الله، عندما جمع في وقت واحد بين رئاسة موقع "أون إسلام"، الذي يفصح اسمه عن توجهه، وبوابة "الوفد" الإلكترونية، الناطقة بلسان حزب الوفد الليبرالي، فكيف جمع بين "الليبرالي" و"الإسلامي"؟! السر في المهنية والإخلاص في العمل، وهما أمران كان "عادل القاضي" يملك منهما الكثير، ولذا نال احترام وثقة الجميع، واستطاع أن يشق طريقه في ذلك الطريق الوعر.

حماسة المقاتل

لقد جادت علي الأقدار بالعمل مع "القاضي" عندما كان نائب رئيس تحرير موقع "إسلام أون لاين"، وما زالت حاضرة أمام عيني حماسة المقاتل وهي تشع من عينيه أثناء الإعداد لأسبوع خاص عن "القدس" المحتلة، فقد كان يشحذ كل خبراته وطاقاته كي يخرج الملف على أحسن وجه، فالأمر بالنسبة له كان معركة ورسالة يتشوق لها، متسلحًا بالإيمان والصدق والكفاءة.

كذلك كنت قريبًا منه أثناء المحنة التي ألمت بموقع "إسلام أون لاين"، وأشهد أنّ الحفاظ على "رسالة الموقع" كان همه الأول، وخاض "القاضي" المعركة للنهاية، وكان خصمًا شريفًا، ثم بقي ليقود الوليد الجديد الذي خرج من رحم "إسلام أون لاين" وهو "أون إسلام" ليكمل الرسالة المبتغاة.

"إنّنا نؤدي رسالة، ونتعامل مع الله، ونحتسب الأجر والثواب منه، حتى وإنْ كنا نتقاضى راتبًا عما نفعله"، تلك أقوال مأثورة في قاموس "القاضي"، ولطالما كررها على مسامع كل العاملين معه.

ولم يكن القاضي يخفي غضبه من أوضاع المهنة، سواء قبل الثورة أو بعدها، وكان يرى أنّ قلة فقط هي التي تلتزم المهنية والأخلاق، أما الباقون فيمارسون الصحافة بمنطق "الدعارة"، ولذا كانت أمنية حياته أن يتقاعد ويتفرغ لعبادة ربه، لكن أعباء الدنيا ويد الموت حرمته تلك الأمنيّة.

الاحترام قبل الحب

لم يكن عادل القاضي ذلك الشخص الذي يحوز حب الجميع، ولا أحسبه كان يسعى لذلك، فهو كان صاحب مواقف مبدئية لا يتزحزح عنها أبدًا، ولم يكن من هؤلاء الذين يبيعون "مهنتهم وذمتهم" لمن يدفع أكثر، ولعل أصدق دليل على ذلك استقالته من صحيفة "المصري اليوم"، التي شارك فيه تأسيسها، عقب أزمة "إعلان الخمور" الشهيرة، فلم يقبل على نفسه وأبنائه أن يطعمهم من راتب يدفعه منتجو الخمور.

كان بمقدور عادل القاضي أن يتاجر بهذا الموقف، ويربح الكثير في أسواق "الإسلاميين" التي تروج فيها هذه البضاعة، لكنه كان يتعامل مع الله ولمرضاة وجهه الكريم فقط.

لم يكن القاضي يروج لنفسه كإسلامي أو حتى "ملتزم"، رغم أن صلاحه وتقواه وأفعاله الخيرة يشهد بها كل من تعامل معه، وكانت كلمة "الاحترام" هي الأكثر تكرارًا على لسانه. "صحافة محترمة" و"تعامل محترم" و"أشخاص محترمون" ثلاث مفردات كانت دائمة الحضور على لسان القاضي، ولعل كلمة "محترم" هو الوصف الذي يجمع عليه كل من تعامل معه.

ثغر انفتح

قبل أيام كان أحد الزملاء في "بوابة الوفد" يُعد موضوعًا عن السلفيين، فكانت نصيحة القاضي له: "ليتك تنصحهم ولا تهاجمهم فكفى حربًا شنت ضدهم في مواقع أخرى"، ولم يكن القاضي يتاجر بتلك المواقف، ولم يسع يومًا للتقرب من تلك الجماعة أو ذلك الشيخ، مع أنّه كان يملك بضاعة لو سخرها من أجل الدنيا لجمع مئات الألوف، لكنه فضل التجارة مع الله.

إنّ عادل القاضي كان واقفًا على ثغر جلل، ليمنع الكثير من الأذى عن الإسلام والعاملين له، وبرحيله فقد انفتح هذا الثغر، ومما يحز في النفس أن "ثغر الإعلام" هو الأخطر الذي يهاجم عبره الإسلام، خاصة أنّ بضاعة الإسلاميين في هذا المجال قليلة، والمؤهلون منهم لسده قلة، رغم أن المتحمسين وذوي النوايا الصادقة كثر، لكنهم لا يملكون أدوات الحرفة وأسلحتها.

لو أنصف الإسلاميون، على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، لأدركوا أنّ عادل القاضي هو فقيدهم، وأن مصابهم فيه جلل، والعزاء الوحيد هو أن يكملوا رسالته، ويخرجوا من صفوفهم من يحسن صنعة الإعلام ولا يكتفي فقط بالنوايا الحسنة، وأن يدعموا كل إعلامي كفء شريف مخلص، حتى لو اختلف معهم في الرأي، لأنّ الإسلام لا يحتاج لأكثر من شخص "منصف".

رحم الله "عادل القاضي" فقد كان له من اسمه نصيبًا، ورزقنا من يكمل طريقه، وألهمنا الصبر على فراقه.