كثير من دول العالم اليوم علمانية وتدعو إلى فصل الدين عن الدولة، حتى" تتحقّق الوحدة الوطنية بشكل كامل ويتمّ التخلّص من التوتّرات الدينية والمذهبية ويتحقّق التّماشي مع منطق الدولة الحديث القائم على أنّ المواطنين متساوون جميعاً أمام القانون".

فهل ما يدعو إليه أفلاطون متحقّقٌ في جمهوريّته؟ هل يعيش الأفراد في تلك الدول (وأخصّ المسلمين) بحريّةٍ ويمارسون دينهم بحريّةٍ أم يتمّ تضييق الخناق عليهم والتدخّل في حجاب النساء وحرمان المحجّبات من التعليم الجامعي و التضييق على سعة المساجد ووجود مآذن عليها والتدخّل في تفاصيل الشرائع مثل ذبح الأضاحي، فضلاً عن السخرية بالمقدّسات من باب الحريّة، ومنع أحزاب إسلاميّة من الوصول للسلطة وغير ذلك كثير.

إنّ العلمانيّة بحدّ ذاتها أصبحت ديناً جديداً نصّب نفسه لمحاربة الإسلام والتضييق على المسلمين، والعلمانيّون حيثما أمسكوا بزمام السلطة فإنّهم يفرضون أجنداتهم السياسيّة والاجتماعية والفكريّة.

ويذمّون أي حزب إسلامي ويروّعون الناس منهم، في الوقت الذي لا يذكرون شيئاً عن تاريخ العلمانيين المجيد الذي أفرز نازية وفاشية وحربين عالميتين وصهيونية.
ويدّعون أنّ العلمانية لا تعني فصل الدين عن المجتمع، بل تعني حياد الدولة فيما يخص المسائل الدينية وأن ذلك سبيل للنهضة، ويستشهدون بأوروبا التي تلمع في عيونهم، وليس كل ما يلمع ذهباً.
فهم يرون أنّ أوروبا خرجت من العصور المظلمة إلى المدنيّة والتنوير والحريّة بالعلمانيّة.

فهل ما يصحّ على مسيحيّي أوروبا يصحّ على المسلمين؟
أوروبا قامت بتحجيم دور الكنيسة التي كانت تضطهد الناس باسم الدين وتخالف العلم وتحارب التقدّم، ولم يكن هناك من تشريع أو نظام حياة تخلّوا عنه، بينما الإسلام وضعه مختلف، لأنّه دين الحق ودين العدل ودين العلم والعقل والحكمة، وبتركه يخسر المسلمون نظام حياة شامل وكامل، وإن استبدلنا بشريعة الله شرائع الذين يجهلون –في الحكم والمعاملات والعلاقات والعقوبات- واختزلنا الإسلام إلى شكليّات وطقوس وحليةٌ تعلّق على صدور النساء كما يفعلون بدينهم في الغرب نكون قد استبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وسنعيش في شيزوفرينيا وتمزّق وفوضى حيث قِسمٌ منّا لله وقسم لقيصر، وصلاةٌ في المسجد وغفلةٌ خارج أبوابه، وتحريم للخمر وتحليلٌ للخمّارات، وتعطيل لقطع يد السارق وإطلاق اليد للربا والاحتكار..

لقد نظّم الله لنا حياتنا كما نظّم لنا أنفاسنا، فمن هذا الذي يعطّل ألوهيّة الله سبحانه وتعالى في الأرض وهو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إله؟!
الذي يخلق ويرزق هو الذي يحكم، والأعلم والأحكم والأرحم هو الذي يحكم.

انقل لكم هذا الاقتباس عن صحيفة الغد الأردنيّة (14/03/2006) نقلاً عن صحيفة الخليج الإماراتيّة للكاتبة أميمة الخميس: "القوانين والتشريعات الغربيّة في مجملها تقوم على العلمانيّة المطلقة حيث يفخرون هناك بالدستور القائم على فصل الدين عن الدّولة على اعتبار أنّ العلمانيّة هي نتاج كفاح قرونٍ طويلةٍ ضدّ فكر الخرافة والشّعوذة وهيمنة الكنيسة على السّياسة، تلك الشعوب باتت تؤمن بأنّ إنزال القوانين من السماء إلى الأرض هو أعظم منجز بشريّ رفع من قدر البشر وإنسانيّتهم أمام سطوة النصّ اللاهوتيّ المغلق على تمامه واكتماله، حيث تحوّلت القوانين في خدمة الإنسان وليس العكس، والمطّلع على أفكار فلاسفة التّنوير في أوروبا لا بدّ أنه مرّت به صيحة فولتير وسواه من فلاسفة التّنوير: (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسّيس).
...العلمانيّة الغربيّةُ عوراء عرجاء وسقوف الحريّة المتّسعة كثيراً ما تضيق لحدّ الاختناق وليست كما يبرزها المشهد تماماً أو يروّج لها." انتهى الاقتباس.

الحريّة والكرامة وحقوق الإنسان والمدنية والعلم والفن والأدب مبتغى الجميع، ولكن ليس وفق العلمانيّة القاصرة، ولكن وفق الطريق الذي هدانا الله إليه :(يرفعِ اللهُ الذين آمنوا منكم والذينَ أوتوا العلم درجات) 11 المجادلة.

ولو كان في العلمانيّة التي تحكم العالم اليوم خير لما ظهر الفساد في البر والبحر، انظروا أين وصلت العلمانية والحرية والديمقراطية بهم، في الغرب وغيره، إنّهم على وشك الانقراض كما تقول دراساتهم، خلال خمسين سنة –إن لم يتنبّهوا لضلالهم- سينقرضون ولن نراهم بعدها إلّا في حديقةٍ جوراسيّة.

الدّين لا ينفصل عن الدّولة، فالنّبيّ محمّد صلى الله عليه وسلّم كان رسولاً نبيّاً وقائداً عسكريّاً وقاضياً وحاكماً إداريّاً وزعيماً سياسيّاً، وهو قدوتنا.