مفهوم الحياة الطيبة

د . عائض القرني





يقول أحد أذكياء الإنجليز : بإمكانك وأنت في السجن

من وراء القضبان الحديدية أن تنظر إلى الأفق , وأن

تخرج زهرة من جيبك فتشمها وتبتسم , وأنت مكانك

وبإمكانك وأنت في القصر على الديباج والحرير , أن

تحتد وأن تغضب وأن تثور ساخطا من بيتك وأسرتك

وأموالك .



إذن السعادة ليست في الزمان ولا في المكان , ولكنها في الإيمان , وفي طاعة الديان , وفي القلب . والقلب محل نظر الرب , فإذا استقر اليقين فيه , انبعثت السعادة فأضفت على الروح وعلى النفس انشراحا وارتياحا ثم فاضت على الآخرين , فصارت على الظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر .



أحمد بن حنبل عاش سعيدا , وكان ثوبه أبيض مرقعا

يخيطه بيده , وعنده ثلاث غرف من طين يسكنها , ولا

يجد إلا كسر الخبز مع الزيت وبقي حذاؤه - كما قال

المترجمون عنه - سبع عشر سنة يرقعها ويخيطها

ويأكل اللحم في الشهر مرة ويصوم غالب الأيام , يذرع الدنيا ذهابا وإيابا في طلب الحديث , ومع ذلك وجد الراحة والهدوء والسكينة والاطمئنان لأنه ثابت القدم , مرفوع الهامة , عارف مصيره , طالب لثواب , ساع لأجر , عامل لآخرة , راغب في الجنة .



وكان الخلفاء في عهده - الذين حكموا الدنيا - المأمون

والواثق , والمعتصم , والمتوكل , عندهم القصور والدور والذهب والفضة والبنود والجنود , والأعلام والأوسمة والشارات والعقارات , ومعهم ما يشتهون , ومع ذلك عاشوا في كدر , وقضوا حياتهم في هم وغم , وفي قلاقل وحروب وثورات وشغب وضجيج , وبعضهم كان يتأوه في سكرات الموت نادما على ما فرط , وعلى ما فعل في جنب الله .