هكذا قالوا، وتعجبوا من أن النبيَّ r أكل من فخذِ حمار ! وتعلقوا بما جاء في صحيح البخاري كتاب ( الجهاد والسير) باب ( اسم الفرس و الحمار ) برقم 2642 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ r فَتَخَلَّفَ أَبُو قَتَادَةَ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَوْا حِمَارًا وَحْشِيًّا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ فَلَمَّا رَأَوْهُ تَرَكُوهُ حَتَّى رَآهُ أَبُو قَتَادَةَ فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ يُقَالُ لَهُ الْجَرَادَةُ فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَتَنَاوَلَهُ فَحَمَلَ فَعَقَرَهُ، ثُمَّ أَكَلَ فَأَكَلُوا فَنَدِمُوا فَلَمَّا أَدْرَكُوهُ قَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ :مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ r فَأَكَلَهَا.

الرد على الشبهة

أولاً: إن هذا الحديثَ لا شبهة فيه أصلاً؛ فلقد أكل النبيُّ r من الحُمرِ الوحشيةِ، ولم يأكل من الحمر الأهلية، ونهى عن أكلِها؛ ثبت ذلك في صحيح البخاري برقم 3895 عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى
يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ.
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل حرم اللهُ على نبيِّه r أكل الحمر الوحشية ؟
الجواب:لا؛ إذًا لا شبهة في ذلك...
ثم إن المحرمات من الأطعمة ليست منها أكل الحمر الوحشة للدليل السابق والأدلة الآتية:
1- قوله  :  إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  (البقرة173) .
2- قوله  :  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  (المائدة3) . إذًا الأصلُ في الأشياءِ الحل إلى أن يأتي نصٌ بالتحريم، وأتساءل:أين هو النص الذي جاء بتحريم أكل لحوم الحمر الوحشية ؟
الجواب : لا يوجد نصٌ واحدٌ قط في أي كتابٍ على وجِه الأرض يحرم أكل الحمر الوحشية ؛ بل إن الثابت عكس ذلك ؛ فقد بيّن اللهُ لنبيِّنا r أن أكل الحمر الوحشية حلال في أدلة منها:
1-الحديث الذي معنا؛ قَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ :مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ r فَأَكَلَهَا.
2- صحيح البخاري برقم 5067 َ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ ثُمَّ سَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطًا فَأَبَوْا فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ r سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:" إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ ".
الشاهد من الحديثِ قوله r :" إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ ".

نلاحظ لم يأتِ وحيُّ يبيّن حرمة أكلها ؛ بل قال النبيُّ r : " إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ ".
3- نقل ابنُ حجرٍ في الفتحِ عن الإمامِ الطَّحَاوِي قائلاً : وقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى حِلّ الْحِمَار الْوَحْشِيّ. أهـ

ثانيًا: إن هناك سؤالاً يطرح نفسه هو :هل ثبت علميًا أن لحم الحُمر الوحشية فيها ضرر على صحةِ الإنسان حتى يعترض المعترضون؟
الجواب:لا؛ بل الثابت علميًا أن لحمَ الحمر الوحشية مفيد جدًا...
قال جالينوس في كتاب أغذيته : لحوم حمير الوحش غليظة وإذا كان الحمار منها سميناً فتي السن فهو قريب من لحم الإبل. وقال الرازي في دفع مضار الأغذية : هي غليظة جداً وهي تنفع إذا طبخت بماء وملح وأكثر فيها الدار صيني والزنجبيل، و تحتسى أمراقها وأكل السمين من لحومها ينفع من وجع التشبك في المفاصل والرياح الغليظة، وكذا إذا طبخت بدهن الجوز والزيت ومن اضطر إلى إدمان أكلها فليتعاهد ما يخرج السوداء ويتعاهد الترطيب والتدبير لبدنه إن لم يكن بلغمياً، ومتى حدث عن أكل لحوم الوحش تمدد في المعدة وبطء خروج الثفل فينبغي أن يبادر بالجوارشنات المسهلة كالشهريارات والتمري ودواء الجزر ونحوهما من الجوارشنات المركبة من التربذ والسقمونيا والأفاوية. ابن ماسويه : شحم حمار الوحش نافع من الكلف إذا طلي عليه، وإذا غلي بدهن القسط كان نافعاً من وجع الظهر والكلى العارض من البلغم والريح الغليظة. غيره: مرارة الحمار الوحشي تنفع من داء الثعلب والدوالي لطوخاً. ونجد أن ومن الأطباق المفضلة لدى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ـ أيل هو لحم الحمير المشوي. أهـ
ثم إن لحوم الحُمر الوحشية ليست متوافرة لدى أغلب الناس، وإن توافرت فإن ثمنها غالٍ جدًا؛ فليس كل إنسان في استطاعته أن يأكل منها إلا أغنى أغنيائهم فقط.

ثالثًا : إن المعترضين يعترضون على نبيِّنا r أنه أكل من حيوان أحله اللهُ له ، ولا يعترضون على ما جاء في الكتاب المقدس من أكل رأس الحمار، و ذبل الحمام ، وأكل امرأة لابنها بعد ما سلقته !! جاء ذلك في سفر الملوك الثاني إصحاح 6 عدد 24وَكَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ بَنْهَدَدَ مَلِكَ أَرَامَ جَمَعَ كُلَّ جَيْشِهِ وَصَعِدَ فَحَاصَرَ السَّامِرَةَ. 25وَكَانَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي السَّامِرَةِ. وَهُمْ حَاصَرُوهَا حَتَّى صَارَ رَأْسُ الْحِمَارِ بِثَمَانِينَ مِنَ الْفِضَّةِ، وَرُبْعُ الْقَابِ مِنْ زِبْلِ الْحَمَامِ بِخَمْسٍ مِنَ الْفِضَّةِ. 26وَبَيْنَمَا كَانَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ جَائِزًا عَلَى السُّورِ صَرَخَتِ امْرَأَةٌ إِلَيْهِ: «خَلِّصْ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ». 27فَقَالَ: «لاَ! يُخَلِّصْكِ الرَّبُّ. مِنْ أَيْنَ أُخَلِّصُكِ؟ أَمِنَ الْبَيْدَرِ أَوْ مِنَ الْمِعْصَرَةِ؟» 28ثُمَّ قَالَ لَهَا الْمَلِكُ: «مَا لَكِ؟» فَقَالَتْ: «إِنَّ هذِهِ الْمَرْأَةُ قَدْ قَالَتْ لِي: هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ الْيَوْمَ ثُمَّ، نَأْكُلَ ابْنِي غَدًا. 29فَسَلَقْنَا ابْنِي وَأَكَلْنَاهُ. ثُمَّ قُلْتُ لَهَا فِي الْيَوْمِ الآخَرِ: هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ فَخَبَّأَتِ ابْنَهَا» !!
وعليه فهذا هو الفارق بين الإسلامِ الذي حرم أكل الحمر
الأهلية ، وأباح لحم الحمر الوحشية ، والعلم لم يثبت
أضرارًا لأكل لحومها ، وهشو الكتاب المقدس
الذي يذكر لنا ذبح الأطفال ، وأكل لحومهم ، وكذا أكل
لحم الحمير الأهلية النجسة ، وأكل ذبل الحمام ....


كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-