السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اقتباس
فإننا نبحث عن الدين الحق الذي لم تشوبه شائبة,فلا يوجد إلا دين واحد فقط هو الصحيح فهو إما تعتنقه وإما ما أعتنقه وكل منّا يسعى لإثبات صحة ما يعتنق
يتميز الحوار الدينيّ اليوم بنهج خاص يسير عليه . فقد انتقل من نهج دفاع كلّ من المتحاورين عن دينه الخاصّ ، عن طريق إظهار ضلال الدين الآخر ، إلى نهج شهادة كلّ من المتحاورين للحقيقة التي يؤمن بها ، دون التهجم على الآخر لإظهار ضلاله . وهذا يستلزم نظرة جديدة إلى الحقيقة الدينيّة وقبولاً للتعدّديّة .
1- نظرة جزئية إلى الحقيقة الدينيّة :
ماذا نعني نحن المؤمنين بقولنا إنّنا عرفنا الحقيقة ؟ هل الحقيقة في الأمور الدينيّة تعني الأمر نفسه الذي تعنيه في المور العلميّة ؟ لقد حدّد أرسطوطاليس الحقيقة بقوله إنّها مطابقة الفكر للواقع ، أي إنّ ما نفكر به في عقلنا ونقوله في كلامنا ونعبّر عنه في مقولاتنا الفلسفيّة هو صورة طبق الأصل لما هو في الواقع أي خارجٌ عنّا . وتبنّى من بعده هذا التحديد أصحاب الأديان ، اللاهوتيّون المسيحيّون وعلماء الكلام المسلمون ، وطبقوه على الحقيقة الدينيّة . وراح كلّ منهم يبين أنّ دينه هو وحده المطابق للواقع ، أي إنّ التصورات الدينيّة التي في أذهان أتباعه هي وحدها الصّور المطابقة لله ولكلّ ما يتعلق بالأمور الإلهيّة . وبما أنّ الّدين ليس مجرد مجموعةٍ من التصورات الذهنية حول الإلهيات بل هو صراط أي طريق يقود إلى الله ، راح كلّ من أصحاب الأديان يؤكد أن أتباعه هم وحدهم على الصراط المستقيم ، وبالتالي أنهم هم وحدهم الخالصون ، وأنّ من لا يتبعهم هو لا محالة هالك إلى الأبد في جهنم النار .
هذا التصور للحقيقة قد أظهر بطلانه تعرّفُ أصحاب الأديان بعضهم على بعض . فالإنسان عدوٌّ لما يجهل ، وقد ظن قديماً أصحاب كل من الأديان أنهم هم وحدهم يعملون الصالحات . وها هم اليوم يكتشفون لدى الأديان الأخرى طرق صلاح ووصايا تأمر بالخير وتنهي عن الشرّ ، وأناساً متديّنين ، وإن من خلال أديان أخرى ، يصنعون هم أيضاً الصالحات . فراحوا يتساءلون بصدقٍ وانفتاحٍ عن الحقبقة الموجودة في الأديان الأخرى .
2-الحقيقة العلمية والحقيقة الدينيّة :
إذا كانت هناك أديان متعدّدة تقود إلى الله ، فهل يعني ذلك أنّ الحقيقة الدينية ليست سوى حقيقة نسبيّة ، وأنه لا يجوز بالتالي لأيّ من الأديان أن يعتبر ذاته الدين الحقيقيّ ؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد لنا من التمييز بين الحقيقة العلميّة والحقيقة الدينيّة . فالحقيقة العلميّة يمكن الوصول فيها على نحو ما إلى " المطابقة بين الفكر والواقع " ، ونقصد أن العلم في بعض الأحيان مبني على نظريات أكثر مما هو مبني على واقع ثابت ثبوتاً مطلقاً كـ " نظرية النسبيّة " للعالم أينشتاين . أمّا الحقيقة الدينية فهي على صعيد العلاقات بين الفكر والواقع . إنها عل صعيد العلاقة بين النسبي والمطلق . فالإنسان المتديّن هو الذي يؤمن بأنه نسبيّ وبأنّ المطلق موجود ، وأنه من خلال الدين يدخل في علاقة معه .فالإيمان هو الدخول في علاقة مع المطلق الذي ندعوه الله . وإيماننا بأن الله هو المطلق ينتج منه إيماننا بأنه الخالق وبأنّه الموحي وبأنّه المجازي في اليوم الآخر . فالدين يسم أعمالنا النسبيّة العابرة الزائلة بسمة المطلق والثابت والأبدي . هذا المطلق يدعى في اللغة الدينيّة " المقدّس " أو " القدسي " . في هذا المعنى كل الأديان تحمل في طياتها الحقيقة المطلقة ، أو بالحري تدخل الإنسان في علاقة مع المطلق . إذ من خلالها يتصل الله بالإنسان ويوحي له بذاته ويكشف له إرادته . إنها طرق متعدّدة إلى الله الواحد . وبهذا لا نعني أن هذه الطرق لا يختلف بعضها عن بعض ، كما لا نعني أنها متساوية وأنّه سيّان أن يكون الإنسان من هذا الدين أو من ذاك ، أو ينتقل بخفة من دين إلى آخر . هنا يندرج الحوار بين الأديان لتوضيح ما يتميز به كل دين عن الأديان الأخرى ، أكان ذلك في مفهوم الوحي أم في مضمونه ، أم في تكوين الجماعة المؤمنة ووضع أصحابها ، وعلاقة الدين بشؤون الدنيا ، وفي ما سوى ذلك من الأمور العقيدية والخلقية المختلفة .
فالحوار بين الأديان لم يعد حوار دفاع ولا حوار إقناع ، بل أضحى حوار شهادة ، فيه يشهد كل من المتحاورين لعقائد إيمانه وأخلاق ديانته ، ولما عاشته جماعته المؤمنة ، سواء أكانت الكنيسة المسيحيّة أم الأمة الإسلاميّة ، في تاريخها الطويل عبر القرون من مآثر وفضائل وأعمال خير وصلاح . وإلى جانب هذه الضواء لا بد من افعتراف في الوقت عينه بالظلال التي رافقت كلاً من هذه الأديان من مآثم وانحرافات وخطايا . فلا يجوز النظر فقط إلى فضائل أصحاب ديانته وخطايا أصحاب الديانات الأخرى ، بل يجب الإقرار بأن الناس في جميع الأديان لهم أعمالهم الصالحة وأعمالهم السيئة ، وأن الله في جميع الديان لا ينفك يدعو الناس جميعاً إلى التوبة والعودة إليه لتتميم إرادته واتباع أحكامه ووصاياه .
وتظهر في الحوار القيم الأساسية التي يتميز بها كل دين . فالمسيحيّة والإسلام يدعوان إلى التبشير " الدعوة " ، ويجب أن لا تكون اليوم كما كانت في السابق : دفاعاً عن الذات وتهجماً على الآخر. بل تقتصر على الشهادة للقيم التي تتضمنها .
المؤمنون الحقيقيون في كل الأديان هم الذين يعملون الصالحات تحقيقاً لإرادة الله . وإذا كانت بين المسيحيّة والإسلام خلافات كثيرة على صعيد العقائد ، فقد يلتقيان أكثر على صعيد العمل الصالح . الحوار الفكري ، على ضرورته وأهميته ، ليس هو كل الحوار . إنما هو تمهيد لما هو أهم منه ، أعني حوار الحياة وحوار التعاون على البر . ويمكن القول إن حقيقة الله لا تظهر في الحوار الفكري بين أصحاب الأديان المختلفة بقدر ما تظهر في حياة المؤمنين من مختلف الأديان الذين يعملون أعمال الله .
وإن كان المسيحيون والمسلمون سيبقون مختلفين في أمور الدين لربما حتى يوم القيامة . لهذا أدعو زميلي إلى حوار لاهوتي هو حوار " الكلام الجريء " المبني على الإيمان وعلى العقل ، فالمسيحية والإسلام ديانتان ترتكزان في إيمانهما على كتب تريان فيها وحي الله وتعتبرانها كتباً إلهية وسماوية . إلاّ أن هذه الكتب الإلهية مدونة في لغات بشرية من لغات أهل الأرض . فالسؤال الأساسي الذي يجب التحاور فيه بين المسلمين والمسيحيين هو التالي :
هل إن هذه الكتب الإلهية السماوية هي تسجيل حرفي لكلام الله المحفوظ منذ الأزل في لوح عنده تعالى ، وينزله بلغته الأصلية المحفوظ فيها في السماء على الأنبياء الذين ينقلونه للناس نقلاً حرفياً دون أن يدخلوا عليه أي شيء من قبلهم ؟ أم إن تلك الكتب الإلهية تنقل إلينا كلام الله في رداء بشريّ ولغات بشرية مستقاة من البيئة التي عاش فيها الأنبياء الذين " أوحى إليهم " كما يقول المسيحيون أو " أنزل عليهم " ، كما يقول المسلمون ؟

في إنتظار مشاركتك .
والسلام عليكم .