الولاء والبراء بين الغلو والجفاء في ضوء الكتاب والسنة

إعداد
د . حاتم بن عارف بن ناصر الشريف

كلية الدعوة - جامعة أم القرى


بسم الله الرحمن الرحيم
********************

المقدّمة :

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وعلى تابعيهم إلى يوم الدين .

أما بعد : فإن أمّتنا تعيش مرحلةً جديدة في تاريخها ، وتقف على مفترق طرق ، وتحتاج إلى تعاون علمائها ومفكّريها وأصحابِ القرار فيها ، ليقوموا بتصحيح أخطاء ماضيها ، وإصلاح حاضرها ، وإضاءة مستقبلها .

وفي هذه المرحلة الحرجة تقع أمّتُنا وعقائدُها تحت ضغوط رهيبة ، تكاد تجتثّها من أساسها ، لولا قوّةُ دينها وتأييدُ ربّها عز وجل .

ومن هذه العقائد التي وُجّهت إليها سهامُ الأعداء ، وانجرَّ وراءهم بعضُ البُسطاء ، واندفع خلفهم غُلاةٌ وجُفاة : عقيدةُ الولاء والبراء .

وزاد الأمر خطورةً ، عندما غلا بعضُ المسلمين في هذا المعتقد إفراطاً أو تفريطاً . وأصبح هذا المعتقدُ مَحَلَّ اتّهام ، وأُلْصِقَتْ به كثيرٌ من الفظائع والاعتداءات .

ولا أحسب أنّ تلك الاتهامات والسهامِ الجائرة كانت كلُّها بسبب تلك الفظائع والاعتداءات ، ولا أظن أن أسباب هذه المعاداة كُلَّها لجهل المُعَادِين بحقيقة (الولاء والبراء) في الإسلام .

ولكنهم علموا مكانة هذا المعتقد من الإسلام ، وأنه حصنُ الإسلام الذي يحميه من الاجتياح ، وعِزّةُ المسلمين التي تقيهم من الذوبان في المجتمعات الأخرى بدينها وتقاليدها المخالفة لدين الله تعالى . فوجدوا الفرصة الآن سانحةً للانقضاض على هذا المعتقد ، ومحاولةِ إلغائه من حياة المسلمين وكيانهم .

إننا أمام هجمةٍ تغزونا في الصميم ، وتعرف ما هو المَقْتَلُ منّا . فواجبٌ علينا أن نقدِّرَ الموقفَ قَدْرَه ، وأنْ نعرف أنّ اليومَ يومٌ له ما وراءه ، وأننا نواجه حَرْبَ استئصالٍ حقيقيّة .

ولهذا فقد جاء البحث في بيان حقيقة معتقد (الولاء والبراء) ، ومكانتِه في دين الله ، وعدم معارضته للسماحة والرحمة والوسطيّة التي انفرد بها الإسلام ، وأن هذا المعتقد بريءٌ من غُلوّ الإفراط والتفريط . ولذلك فقد تناولتُ هذا الموضوع في خمسة مباحث:

الأول : حقيقة الولاء والبراء .

الثاني : أدلة الولاء والبراء .

الرابع : توافقُه مع سماحة الإسلام .

الخامس : مظاهرُ الغلوّ فيه وبراءتُه منها .

ثم ختمتُ البحث بأهم النتائج والتوصيات .


وقد حرصتُ في كل ما أذكره أن أستدلّ له بالأدلّة الصحيحة من الكتاب وثابت السنّة ، وأن أنقل أقوال أهل العلم في فهم هذه النصوص من أصحابِ المدارس المختلفة ، حتى لا يُتّهم أصحابُ مدرسةٍ أو معتقدٍ ما أنّهم أصحابُ رأيٍ خاصٍّ بهم حول (الولاء والبراء) . مع أنه لا يخفى على أهل العلم أن (الولاء والبراء) محطّ إجماع بين جميع أهل القبلة ، بل هو معتقدٌ لا يخلو منه أتباعُ دين أو مذهب .

وأرجو أن أكون بهذا الطرح قد حقّقتُ شيئاً في سبيل الدفاع عن أُمّتي وعن دينها ووُجودها .

والله أسأل أن يُحسن المقاصد ، وأن يتقبّلَ أعمالنا ويُضاعفَ لنا أجرها ، وأن يرينا ثمارها الطيّبة في الدنيا والآخرة .

والحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واتّقى حدَّه .