Dec 28 2003, 09:23 AM

الباب الاول : الفصل الاول
نبذة عن تاريخ الديانة المسيحية و نشأة المجامع المسكونية

التعريف بالديانة المسيحية : ( )
هي الرسالة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على سيدنا عيسى عليه السلام, ابن مريم البتول ابنة عمران أحد عظماء بني اسرائيل نذرتها أمها لله تعالى, وكفلها زكريا أحد أنبياء بني إسرائيل وزوج خالتها, فكانت عابدة لله تعالى حملت بعيسى عليه السلام من غير زوج بقدرة الله تعالى وولدته في مدينة بيت لحم بفلسطين.
فاتهمها بنو اسرائيل بالزنا , حيث اتهموها ان يوسف النجار عشيقها وانها حبلت منه بعيسى عليه السلام, فأنطقه الله تعالى في المهد كدليل على براءة أمه السيدة العذراء عليها السلام من ذلك الاتهام, فكان ميلاده حدثا عجيبا مخالفا للعرف والطبيعة ليلقي درسا على بني اسرائيل الذي غرقوا في الماديات والابتعاد عن الطريق القويم .
وهي رسالة مكملة لرسالة موسى عليه السلام و متممه لما جاء في التوراه من تعاليم كما ورد في:
متى 5 : 17. لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء.ما جئت لانقض بل لاكمّل.
متى 15: 24 فاجاب وقال لم أرسل الا الى خراف بيت اسرائيل الضالة.

متى 10: 5 . هؤلاء الاثنا عشر ارسلهم يسوع واوصاهم قائلا.الى طريق امم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا. 6 بل اذهبوا بالحري الى خراف بيت اسرائيل الضالة.

أعمال الرسل 10: 36 الكلمة التي ارسلها الى بني اسرائيل يبشر بالسلام بيسوع المسيح.

وقد أيد الله تعالى عيسى عليه السلام بعدد من المعجزات ( ) الخارقة التي تثبت نبوته. فكان المسيح عليه السلام يبرئ الأكمه والأبرص باذن الله , و يحيي الموتى باذن الله .


1- عهد المسيح عليه السلام:

بعد انحراف بني اسرائيل وابتعادهم عن الشريعة التي أرسلها الله على يد موسى عليه السلام, فكانوا يؤمنون أن الثواب والعقاب يكونان في الدنيا, وفشا فيهم الاعتقاد بأن الرهبان ودعائهم يضمن لهم الغفران, بعد هذا كله, جاءت دعوة المسيح عليه السلام على أساس أنه لا وساطة بين الخالق والمخلوق, داعية إلى توحيد الله عز وجل, فلا رب غيره ولا معبود سواه, وكان يأمر بالايمان باليوم الاخر وأن الحياة الآخرة هي الغاية السامية لبني الانسان.

لم يقتنع اليهود برسالة المسيح عليه السلام وأنكروها, لزعمهم أن لهم منزلة دينية لا يساميهم فيها أحد, فكانت مثلا طائفة - السامرة- تعامل معاملة المنبوذ, لأنهم لم يكونوا من بني إسرائيل, وكان اليهود يجعلون للرهبان والأحبار و علماء الدين المنزلة المرموقة العالية والمكانة السامية, فلما جاء عيسى عليه السلام وسوى بين البشر, أنكروا عليه ذلك وناصبوه العداء, لذلك كانت مهمته شاقة, ولم يؤمن بها إلا القليل منهم و هم الضعفاء والفقراء.
وتآمر اليهود على قتله برئاسة الحبر الأكبراليهودي كايفاس ( قيافا) , واثاروا عليه الحاكم بيلاطيس لكنه تجاهلهم أولا, لانه لم يجد في التهمة الموجهة اليه ما يستحق الموت حسب قانون الدولة الروماني, حيث ان اليهود نسبوا الى المسيح عليه السلام تهمة ادعائه انه ابن الله , فلفقوا اليه تهمة اخرى وهي زعمه بانه سيصبح الملك, وأقاموا له الدسائس و الحيل إلى أن اصدر بيلاطيس الأمر بالقبض عليه وإصدار حكم الإعدام ضده.

اختفى عيسى عليه السلام عن الناس و الجنود الرومان إلى أن دل عليه يهوذا الاسخريوطي, فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه السلام وصورته عليه, فنفذ فيه حكم الاعدام صلبا بدلا ًمن عيسى عليه السلام حيث رفعه الله إليه, على أنه سينزل قبل قيام الساعة , ليحكم بالاسلام و يقتل الخنزير ويكسر الصليب.
2 - عصر التبشير- العصر الرسولي- :
لقد اختار السيد المسيح عليه السلام ممن آمن به اثني عشر تلميذا هم :
1. سمعان المعروف باسم بطرس
2. أندراوس أخو سمعان
3. يعقوب بن زبدي
4. يوحنا أخو يعقوب
5. فيليبس
6. برنو لماوس
7. توما
8. متى العشار
9. يعقوب بن حلفي
10. لباروس الملقب تداوس
11. سمعان القانوني ( الملقب بالغيور)
12. يهوذا الأسخريوطي.

وهناك أيضا التلاميذ السبعون الذين يقال بأن المسيح قد اختارهم وأرسلهم ليعلموا المسيحية في البلاد اللتي كان يقطنها بنو اسرائيل.

ومضى عهد المسيح عليه السلام والنصرانية تلتزم بقاعدة الخصوصية في الدعوة لبني اسرائيل . الى أن جاء بولس وقرر الخروج بالنصرانية عن تلك القاعدة , وبدأ يبشر جميع الامم وينشر تعاليمه قدر ما استطاع, وكانت فلسطين في ذلك الوقت خاضعة للحكم الروماني, فصدقه الكثير من الرومان واتبعوه, ولم تتوقف عند هذا الحد بل دخلت تعاليمه الى الفكر الروماني واليوناني في اوروبا كما اراد .
ومنذ ذلك الوقت بدأت الدولة الرومانية تضطهد النصارى وتكيل لهم من البلايا و الكوارث و المحن الكثير الكثير, مما جعلهم يخفون ديانتهم و يفرون بها , لكن اشتد الايذاء و التعذيب و التنكيل حيث قتل يعقوب بن زبدي, فكان أول من قتل من التلاميذ , وسجن بطرس وعذب سائر من كان موجودا منهم, حتى كادت النصرانية أن تزول لشدة التعذيب والتنكيل المذكور, من قبل اليهود الذين كانت لهم السيطرة الدينية ومن الرومان الذين كانت لهم السلطة والحكم, فكان نصيب النصارى في فلسطين ومصر من التعذيب أشد من غيرهم حيث تنوع التعذيب بين الصلب والنشر بالمناشير, والتمشيط ما بين اللحم والعظم والاحراق بالنار.
و من أعنف تلك الاضطهادات:
1-اضطهادات نيرون سنة 54 - 64م
اصدرهذا الامبراطور تشريعاً خاصاً وقضى بأن لا يكون أحد مسيحياً, بعد ان اتهم المسيحيين باحراق روما, فتفنن هو وأتباعه في تعذيب النصارى بشتّى الوان التعذيب, ونكل بهم أعظم تنكيل, حيث كان يضعهم في جلود الحيوانات ويطرحهم للكلاب الجائعة لتنهشهم, وصلب بعضهم, وألبس بعضهم ملابسا مطلية بالقار وجعلهم مشاعل يستضاء بها في الليل, وكان يتمشى بين تلك المشاعل البشرية ويسير على ضوءها, وقد قتل في هذه الاضهادات بطرس و بولس.

2-اضطهادات تراجان سنة 106م:
الذي أمر بإبادة النصارى وحرق كتبهم, وشدد عليهم العنف والتعذيب, مما دعاهم الى الفرار والاستخفاء بدينهم, وأصدر قرارات بمنع التجمعات, واعتبر الصلاة المنفردة من التجمعات السرية التي تعاقب عليها الدولة.
وكان يسأل المسيحسي ثلاث مرات ان كان مسيحياً أم لا , مهددا اياه بالقتل, فان اصر المسيحي على دينه ولم يعظم الهة الرومان, نفذ فيه حكم الاعدام, وقد قتل في هذه الاضطهادات يعقوب البار أسقف أورشليم.

3- اضطهادات ديسيوس 249 – 251 م
لم يقل بطشاً عن غيره, فقد ابعد المسيحيين عن الخدمة في الدولة اولا, ثم أصدر قراراً بملاحقتهم وابادتهم, فاذا القي القبض على المسيحي, سيق الى الهيكل الوثني, وطلب منه تعظيم الصنم وتقديم الذبيحة له, فان رفض المسيحي اصبح هو الذبيحة.

4-اضطهادات دقلديانوس عام 284م:
الذي أقسم على أن لا يكف عن قتل النصارى حتى يصل الدم إلى ركبة فرسه, بعد ان حاول المصريين الاقباط التحرر من الاستعمار والحكم الروماني, وقد نفذ ذلك , ويذكر المؤرخون أن عدد القتلى من النصارى في ذلك الاضطهاد زاد عن مائة و أربعين ألفا مما دعا النصارى الأقباط لاتخاذ يوم 29 آب 284 م وهو اليوم الذي عين فيه دقلديانوس امبراطوراً, بداية لتقويمهم.

واستمر التعذيب والبلاء على النصارى من قبل الحكام الرومان حتى تولى الحكم الامبراطور قسطنطين الذي جاء يمنا وبركة وعونا للنصارى, فقد أعلن مرسوما يمنحهم الحرية في الدعوة و مساواة عقيدتهم بغيرها من المعتقدات الرومانية, وشيد لهم الكنائس.
وبهذا انتهى عهد الاضطهاد و بدأ عهد جديد للنصرانية من تأليه المسيح وظهور المسيحية بالصورة التي عليها الان, من تأليه السيد المسيح عليه السلام والصلب والفداء اللاتي يعتبرن محور الدعوة البولسية التي اخترعها بولس والذي لم يكن يهمه تعاليم السيد المسيح عليه السلام بقدر ما يهمه رضى الحكام الرومان عنه وتحقيق هدفه بــإيجاد إله جديد, إله معدل لا علاقة له بإله اليهود والناس جميعا, إله شبيه بالالهة الاغريقية والرومانية والهندية, إله له ابن أرسله لفداء الناس من خطيئة آدم بتقديم نفسه ذبيحة على الصليب, فاصبح النصارى بربهم يشركون, وبطغيانهم يعمهون, وعلى المسيح يتقولون ويكذبون, وامتلأت عقائدهم بالخرافات والاساطير الرومانية والاغريقية , مما ادى الى حدوث النزاعات والمناوشات, وانقسموا إلى فرق شتى منهم الموحد لله ومنهم المؤله للمسيح , فكانوا طائفتين:

الطائفة الأولى:
طائفة الموحدين لله:
التي تؤمن بأن الله قائم بذاته أزلي أبدي لا يعادله أحد و تنكر ألوهية المسيح و تعتبره مجرد بشر رسول, وتشمل عدة جماعات:
1-جماعة الأريوسيون:
سميت بهذا الاسم نسبة إلى آريوس القسيس في كنيسة الاسكندرية, الذي ولد في ليبيا سنة 270 م, ودرس في المدرسة اللاهوتية بالاسكندرية, ثم عينه البابا بطرس شماساً سنة 307 م ثم قساً وواعظاً, وكان ذكياً, فصيحاً, قوي التأثير, واضح الحجة , جريئا في المجاهرة برأيه, وذا مظهر تبدو فيه آثار خشونة العيش فقد كان من الزهاد, وقد قاوم كنيسة الاسكندرية لقولها بألوهية المسيح و بنوته, ونستطيع ان نلخص أفكاره وآرائه:
( بإنه يؤمن باله واحد متعال يفوق حد التصور, وهو فريد لا شبيه له, ازلي ابدي لا بداية ولا نهاية له, صالح, وهو وحده سبحانه ينفرد بهذه الصفات, ولكنه احتاج الى وسيط , وهذا الوسيط لم يأت من عند الآب أو انحدر منه, بل خلقه الآب خلقاً, فهو اذن غير ازلي, وهو مخلوق مثل باقي المخلوقات, وهو ليس مساويا للآب في الجوهر, بل تتغير طبيعته مثل اي مخلوق وهو معرض للخطأ, ولا يستطيع ان يحيط بكل شيء ).
فوافقته كنيسة أسيوط على هذا الرأي و على رأسها مليتوس و ناصره الكثير من رجال الدين والعامة من أهل الاسكندرية, ومن خارج مصر كقيصرية فلسطين ومقدونية والقسطنطينية وصور واللاذقية وعين زريا في قلقيلية, فحاربته الكنيسة واتهمته بالالحاد و الهرطقة - وهي كلمة من أصل يوناني ( artic ) تعني الكفر كانت تطلقها الكنيسة على كل مخالفيها- وحكمت عليه بالطرد.
فتم نفيه مع اسقفين وستة قساوسة وستة شمامسة, فذهب الى قيصرية فلسطين ومن ثم الى نيقوميدية, وقد عاد الى الاسكندرية عام336 م بعد النفي الطويل وبعد ان عفا عنه الامبراطور, حيث استقبله الناس باحتفال عظيم وحملوه على اكتافهم فمات فجأة وسط هذا الفرح العظيم, فاتخذ خصومه ذلك حجة على انه مضلل.

2- البوليقانيون-:

وهم اتباع بولس الشمشاطي الذي كان أسقفا لأنطاكية منذ سنة 260 م, وكان اعتقاده التوحيد المجرد الصحيح, فقد كان يقول:
" بأن المسيح انسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره, وأن ابتداء الابن من مريم, اي أنه محدث وليس قديماً, وأن الله جوهر واحد وأقنوم واحد, وأن عيسى عليه السلام هو عبد الله و رسوله كباقي الأنبياء وانه بشر ولا إلهية فيه, ولم يكن يؤمن بالروح القدس, وقد عقد في انطاكية ثلاثة مجامع للنظر في امره واقناعه بالعدول عن مذهبه, كان اخرها عام 269 م, و انتهى الأمر بحرمانه وطرده وعزله عن كل مناصبه, لكن افكاره و معتقداته بقيت قائمة حتى القرن السابع الميلادي.

3 -جماعة الأبيونيين-

ترأسها أبيون ومن اجل هذا سميت الفرقة باسمه, وقيل ان تلك التسمية اطلقت عليهم لأنهم كانوا من الفقراء الزهاد, وقد ظهرت هذه الفرقة في اوائل القرن الاول حوالي سنة 70 م, اي قبل اريوس وامثاله, وقد اتهموا بولس بالرِّدة والانحراف, وكانت تقر جميع شرائع موسى عليه السلام, ولا تعترف الا بانجيل متى او انجيل العبرانيين الذي قد يكون نفسه النص العبري لانجيل متى, و يعتبر عيسى هو المسيح المنتظر الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم و ينكر ألوهيته ويعتبره مجرد بشر رسول , وقد استمرت هذه الفرقه وشاع صيتها ونفوذها, إلى أن انقرضت في أواخر القرن الرابع الميلادي على أثر مخالفتهم لاوامر قسطنطين ومجمع نيقية.


الطائفة الثانية:
طائفة المؤلهين:
التي تألفت من عدة فرق فمنهم القائل بأن المسيح ابن الله , و منهم القائل أنه الله نفسه أظهر محبته للناس فتجسد في يسوع ليفدي الناس من خطيئة آدم, و منهم من يؤله السيدة مريم العذراء عليها السلام, و منهم من يؤله الروح القدس.
أما هذه الفرق فهي:

1- فرقة المرقيونيين- نسبة إلى مرقيون, أو مرسيون:
زعموا أن مرقيون هو رئيس الحواريين, وأنكروا بطرس, ويعتقدون بوجود إلهين, الإله العادل الخالق, وهو الإله الذي اتخذ من بني إسرائيل شعبا مختارا و أنزل عليهم التوراه, و الإله الثاني هو إله الخير المتمثل في السيد المسيح الذي خلص الانسانية من خطاياها, و أنه كان للإله الأول الحكم و السلطان حتى ظهور الإله الثاني, فبطلت جميع أعماله وزال سلطانه, و بالتالي فقد رفضت هذه الفرقة كتاب العهد القديم بكامله و لا تعترف إلا بأسفار قليلة من العهد الجديد جمعت في إنجيل خاص بهم يسمى :"إنجيل المصريين", وقد حرمت هذه الفرقة الزواج على جميع أفرادها تحريماً باتاً, ومن الشروط الموضوعة لكل متزوج يرغب في اعتناق هذا المذهب ان يفترق عن زوجه.
2- فرقة البربرانية:
كانت هذه الفرقة تؤمن بألوهية المسيح و ألوهية أمه السيدة مريم العذراء فبما أن المسيح إله, فلا يمكن للبشر أن يلد إلها , وبناء عليه اعتبروا السيدة العذراء إلها.


3- فرقة إليان:
آمنت هذه الفرقة بألوهية المسيح وكونه ابن الله , لكن أمه لم تحمل به كما تحمل النساء, بل دخلت الكلمة(الابن) من اذنها وخرجت لتوها من إلرحم , وأن المسيح لا يرى , و إنما صورته و خياله فقط, فلم يكن المسيح عليه السلام جسما , و إنما خيالا كالذي يظهر في المرآة.

4- فرقة التثليث و ألوهية المسيح:
تزعمها أثناسيوس بطريك الاسكندرية وهي تؤمن بأن الإله مكون من ثلاثة أقانيم هي الأب والابن والروح القدس, و أن الابن أو الكلمة هو المسيح, و تعتبر كنيسة الاسكندرية من أشد الكنائس تعصبا لهذا المذهب.

اشتد الخلاف بين الطوائف المذكورة, وبدأت صراعات جمة تثور وتهدأ, وتباعدت المسافات بينهم تباعدا شديدا لا يمكن أن يصحبه وفاق, فتدخل الامبراطور قسطنطين لفض تلك النزاعات, وكان قد غذِّي منذ الصغر على حب الصليب والمسيحية, فقد كانت امه هيلانة نصرانية, وكان لها أثر كبير في رفع البلاء والاضطهاد عن النصارى, ويزعم المؤرخون النصارى أن اعتناقه للنصرانية جاء بسبب الرؤيا التي رآها نهارا بعد احدى المعارك, او خيِّل له انه راها, وهي انه رأى في وسط السماء صليباً ملتهباً وعليه عبارة ( بهذه العلامة أنتصر ), وهناك رواية أخرى تقول انه رأى المسيح عليه السلام في المنام حاملا نفس العلامة وأوصاه باتخاذها راية يهجم بها على اعدائه, ومن ذلك التاريخ اصبحت تلك العلامة علامة دولة الروم.
والمتتبع لدراسة تلك الفترة وما حصل فيها, ليرى بوضوح ان اعتناق قسطنطينوس للنصرانية ما كان الا لهدف سياسي بحت, لكسب النصارى الى صفه, واستتباب الامن في ارجاء امبراطوريته, وان يجعل من النصارى المنتشرين في انحاء الدولة اعواناً مخلصين له, فوضع رجال الدين النصارى في المناصب العليا للدولة, ومما يؤيد هذا الراي ان قسطنطين لم يعلن ان النصرانية اصبحت الدين الرسمي للدولة, فقد اعطى الحرية للنصارى في ممارسة شعائرهم وعباداتهم فقط, وهو نفسه لم يتقبل المعمودية الا وهو على فراش الموت.

ومن منطلق هذه السياسة, كان من المحتم عليه ان يفض اي نزاع يهدد امن دولته, ولشدة النزاعات والاختلافات التى كانت دائرة بين الفرق النصرانية, حاول بادىء الامر ان يقنعهم بحل الخلافات بانفسهم وفيما بينهم, لكن تلك المحاولات باءت بالفشل مما دعاه الى اصدار الامر بانعقاد مجمع نيقية الذي سنتحدث عنه وباقي المجامع في الفصل الثاني من هذا الباب .