الاختلاط و أقوال ليست عابرة (3/3)
.أ. شحاتة محمد صقر

أخى القارئ الكريم ..مازلنا نواصل نقل أقوال أهل العلم فى قضية الاختلاط بين الرجل والمرأة وخطر ذلك على الدين والمجتمع فنقول وبالله التوفيق:

23- قال الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق : في تفسير قول الله ﻷ: :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ ....الآية) (الأحزاب:٥٣).

«... ذكر ـ سبحانه ـ بعض الآداب التى يجب عليهم أن يلتزموها مع نساء نبيهم صلى الله عليه وسلم ؛ فقال: :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً ) (الأحزاب:٥٣).

أى : وإذا طلبتم ـ أيها المؤمنون ـ من أزواج النبى ص شيئًا يتمتع به سواء أكان هذا الشئ حسيًّا كالطعام أم معنويًّا كمعرفة بعض الأحكام الشرعية.

إذا سألتموهن شيئًا من ذلك فليكن سؤالكم لهن من وراء حجاب ساتر بينكم وبينهن ؛ لأن سؤالكم إياهن بهذه الطريقة ، أطهر لقلوبكم وقلوبهن ، وأبعد عن الوقوع فى الهواجس الشيطانية التى قد تتولد عن مشاهدتكم لهن ، ومشاهدتهن لكم.

... وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة التى تسمى بآية الحجاب ،جملة من الأحكام والآداب منها:

1- وجوب الاستئذان عند دخول البيوت لتناول طعام ، ووجوب الخروج بعد تناوله إلا إذا كانت هناك ضرورة تدعو للبقاء ، كما أن من الواجب الحضور إلى الطعام فى الوقت المناسب له ، وليس قبله انتظارا لنضجه وتقديمه.

2- حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء سواء أكان ذلك فى الطعام أم فى غيره ، فقد أمر ـ سبحانه ـ المؤمنين ، إذا سألوا أزواج النبى صلى الله عليه وسلم شيئًا أن يسألوهن من وراء حجاب ، وعلل ذلك بأن سؤالهن بهذه الطريقة ، يؤدى إلى طهارة القلوب ، وعفة النفوس ، والبعد عن الريبة وخواطر السوء.

وحكم نساء المؤمنين فى ذلك كحكم أمهات المؤمنين ، لأن قوله سبحانه ﯧ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) علة عامة تدل على تعميم الحكم ، إذ جميع الرجال والنساء فى كل زمان ومكان فى حاجة إلى ما هو أطهر للقلوب ، وأعف للنفوس.

قال بعض العلماء ما ملخصه : وقوله:ﯧ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم ، إذ لم يقل أحد من العقلاء ، إن غير ازواج النبى صلى الله عليه وسلم لا حاجة بهن إلى أطهرية قلوبهن ، وقلوب الرجال من الريبة منهن.

فالجملة الكريمة فيها الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام فى جميع النساء. لا خاص بأمهات المؤمنين ، وإن كان أصل اللفظ خاصًّا بهن ، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه.

3- كذلك أخذ العلماء من هذه الآية أنه لا يجوز للرجل الأجنبى أن يصافح امرأة أجنبية عنه ، ولا يجوز له أن يمس شئٌ مِن بدنه شيئًا مِن بدنها.

والدليل على ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال :«إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ»([1]).

والله تعالى يقول : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب : 21 )، فيلزمنا أن لا نصافح النساء الأجنبيات اقتداء به صلى الله عليه وسلم » ([2]).

24- قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية: «اختلاط الطلاب بالطالبات ، والمدرسين بالمدرسات في دور التعليم محرم لما يفضي إليه من الفتنة وإثارة الشهوة والوقوع في الفاحشة ، ويتضاعف الإثم ، وتعظم الجريمة ، إذا كشفت المدرسات أو التلميذات شيئًا من عوراتهن ، أو لبسْنَ ملابس شفافة تشفُّ عما وراءها ، أو لبسْنَ ملابس ضيقة تحدد أعضاءهن ، أو داعَبْن الطلاب أو الأساتذة ومَزَحْنَ معهم أو نحو ذلك مما يُفضي إلى انتهاك الحرمات والفوضى في الأعراض»([3]).

25- ويقول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ مفتي السعودية سابقًا ـ: «إن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدًا له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة ، مع مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه.

والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة ، قاضية بتحريم الاختلاط لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج ، وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير.

وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنبًا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما يقوم به». ([4])

26- قال الشيخ أبو الحسن الندوي ـ رئيس ندوة العلماء في الهند وعضو المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سابقًا ـ في كتابه (الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية ) : «إن اتباع أساليب الحضارة الغربية في الحياة الاجتماعية والإيمانية بمبادئ حياتها ومنهج اجتماعها يحمل نتائج بعيدة المدى ، إن أوربا اليوم مصابة بالجذام الخلقي ، ولا يزال جسمها يتقطع ويتعفن حتى أصبح الجو كله موبوءًا ، وسبب هذا الجذام هو الإباحية الجنسية الخلقية التي تسود أوروبا اليوم ، وتتخطى حدود الحيوانية والبهيمية والسبب الحقيقي لذلك هو حرية المرأة المطلقة ، والتبرج المطلق ، والاختلاط الذي لا حد له ولا نهاية ، وإدمان الخمر.

فأي بلد إسلامي سار على هذا الدرب وطرح الحشمة ، وسمح بالاختلاط بجميع أنواعه ، وشجع التعليم المختلط كانت نتيجته ذلك التفسخ الخلقي ، والجنسي ، والثورة على سائر الحدود الخلقية والدينية وفي عبارة وجيزة الجذام الخلقي الذي أشرنا إليه آنفًا ، والذي أصيب به الغرب ، أننا نرى معالم هذا الجذام واضحة في البلاد الإسلامية التي تحمست في تقليد الحضارة الأوروبية ورفع الحجاب ، وشاع فيها الاختلاط»([5]).

27- قال الشيخ نجم الدين الواعظ ـ مفتي الديار العراقية سابقًا: « اختلاط الإناث بالذكور لا يجوِّزُه دين الإسلام ـ دين الغيرة والشهامة والمروءة والإنصاف ـ عملًا بقوله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً ) (الأحزاب: ٥٣) ، وقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ( الأحزاب : 33 ) ([6]).

28- قال فضيلة الشيخ عبد القادر الخطيب رئيس جمعية رابطة العلماء في العراق سابقًا: « إن مما ابتلي به المسلمون وفشا بين الخاصة والعامة في هذا الزمان تقليد الأجانب في كثير من عاداتهم دون تمييز بين النافع منها والضار وكان النبي ص يكره موافقتهم في كل أحوالهم ، وكان يقول:«مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ »([7]) ، وقال:« لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا»([8]). ، وهذا يفيد حرمة تقليد الأجانب فيما هو من خصائصهم.

وإن اختلاط الرجال بالنساء من خصائصهم فالإثم كل الإثم على كل من يساعد على إباحة الاختلاط سواء كان في الجامعات وسائر المدارس والكليات أو في المتاجر والدوائر والمجتمعات» ([9]).

29- قال فضيلة الشيخ عبد الله القلقيلي مفتي المملكة الأردنية سابقًا: «إن اختلاط الطلاب والطالبات في الدراسة الجامعية ـ ذلك الاختلاط الذي يكون بجلوس الطالب إلى جانب الطالبة في المقاعد التي يستمع فيها الطلاب الدروس ، وفي الساحات ـ والذي يتمكن فيه الطلاب من خلوة بعضهم ببعض.

هذا الاختلاط مما لا يبيحه الشرع الإسلامي بل يحظره ، وينكره ، وذلك لما يؤدي إليه من الفساد وذهاب الفضائل وهتك الحرمات وانمحاء الآداب ومس الكرامات كما أنه يؤدي إلى امتناع الطلاب عن الدرس والجد في سبيل كسب العلوم والمعارف والانقياد إلى هوى النفس ، وذلك مما لا نزاع فيه ولا ينكره إلا كل مكابر للباطل منقاد ومناصر ، وإن ما كان كذلك فإن الشرع الإسلامي يمنعه ويحاربه ويمقته» ([10]).

30- قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ـ صاحب تفسير (أضواء البيان) والمدرس في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سابقًا ـ : «من الغريب أن يوجد في أمة مسلمة عربية اختلاط الجنسين في الجامعات والمدارس مع أن دين الإسلام الذي شرعه خالق السموات والأرض على لسان سيد الخلق ص يمنع ذلك منعًا باتًّا والشهامة العربية والغيرة الطبيعية العربية المملوءة بالأنَفَة تقتضي التباعد عن ذلك وتجنبه بتاتًا وتجنب جميع الوسائل المفضية إليه» ([11]).

([1]) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني والأرنؤوط.

([2]) التفسير الوسيط للقرآن الكريم عند تفسير الآية 53 من سورة الأحزاب.

([3]) فتاوى اللجنة الدائمة (17/53).

([4]) باختصار من رسالته المشهورة (خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله) ، ضمن مجموع فتاوى ابن باز (1/418-427).

([5]) باختصار من (حكم الإسلام في الاختلاط) ، مؤسسة نور الإسلام: www.islamlight.net.

([6]) نفس المصدر السابق.

([7]) رواه أبو داود وصححه الألباني.

([8]) رواه الترمذي وحسنه الألباني.

([9]) باختصار من (حكم الإسلام في الاختلاط) ، إعداد جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت،1389هـ

1969م ، مؤسسة نورالإسلام:www.islamlight.net.

([10]) باختصار من (حكم الإسلام في الاختلاط) ، إعداد جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت ، 1389هـ 1969م ، مؤسسة نور الإسلام: www.islamlight.net.

([11]) نفس المصدر السابق.


أسألكم الدعاء.. لعله آخر لقاء..
أخوكم : رامى بن أحمد الجمل