فضائح العلمانية

05/08/2010



بقلم: أ. د. محمود ماضي


يتباكى العلمانيون في مصرنا المحروسة على ما أطلقوا عليه "أسلمة المجتمع"، وكأن المجتمع لم يكن مسلمًا ثم جاءت الحركات الإسلامية لتأخذه عنوةً ورغم أنفه إلى الإسلام.



العلمانيون لا يكفيهم ثقافة الفساد والإفساد التي يُرَوِّج لها الإعلام الرسمي, ثقافة الجسد, ثقافة العُري, بل يريدون ويسعون إلى تدمير الإسلام والقضاء عليه بالكلية، وما قصة "اليوم السابع التوراتي" عنَّا ببعيد، والتي أعلنت احتفالها باستقبال رمضان بنشر كتابٍ يسخر من رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.



أما شيخ العلمانيين د. جابر عصفور فقد خرج علينا من خلال جريدة (الأهرام) منذ أيام قليلة باكيًا أو متباكيًا على ضياع حقوق المواطنين في ظلِّ المادة الثانية من الدستور (الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع) ورأى- فيما يقترح- أن لا دولة مدنية تقدمية إلا بالقضاء النهائي على الجرعة الإيمانية الباقية في التعليم ببلادنا.



منذ فترة ليست بالبعيدة عقد العلمانيون مؤتمرًا لهم تحت عنوان "تأسيس العلمانية" اعترف منظمو المؤتمر ومتحدثوه بأنهم يحاورون أنفسهم ولا يسمعون أحدًا، لا من النخبة ولا من عامة المثقفين، حدَّد المؤتمر هدفًا رئيسيًّا لهم هو تخليص العالم من سيطرة الدين عليه، ولتحقيق هذا الهدف في مصر طالب أحدهم بضرورة عدم تدريس الدين في جميع مراحل التعليم، ويسعى المؤتمرون إلى جعل العلمانية منهجًا للحياة وإصلاحها، أي استبدال دين بآخر، استبدال العلماني بالإسلام.



المؤتمرون اتهموا المسلمين بالتقليد وتنحية العقل، وبأنهم أسرى التراث، أسرى الماضي، واتهموا كلَّ من يتمسك بالدين: ثقافة وأخلاقًا بالانغلاق الفكري والعداء للغرب، والاتهام مدفوع فالإسلاميون لا يعادون الغرب لكونه مسيحيًّا، فعندما نتحدث ونتصدى للغزو الثقافي فنحن لا نخلط بين الثقافة والعلم، فالعلم لا وطن له أما الثقافة- أي ثقافة- فلها خصوصيتها، فبينما تقوم الثقافة الغربية على فصل الدين عن الحياة، وإن كان جورج بوش ومن يدور في فلكه قد أطاح بهذا النص الإنجيلي، فبوش يقتل ويغتال ويدمِّر ويكذب وكل هذا باسم الإنجيل "أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله" فضلاً عن المصدر التلمودي.



أما الثقافة الإسلامية فلا تفصل بين الدين والحياة، فالهدف إصلاح الدنيا بالدين، والرسالة الإسلامية اهتمت بتحقيق ما كان العقل البشري قد حلم به لاكتمال سعادة الناس، وازدهارهم عن طريق مجتمع أخلاقي إنساني على خلق في آنٍ واحد.



أما تهمة التقليد فنقول: رمتني بدائها وانسلتِ، فهم المقلدون لفكر وثقافة الغرب التلمودي العنصري تقليدًا يخلو من العقل والبصر والبصيرة، ولنسمع سويًّا لما شهد به فيلسوف غربي- هو واحد من كثير- عن كيفية صناعة المفكر العربي العلماني، هذا الذي شهد به سارتر إنما يمثِّل فضيحة للعلمانية والعلمانيين معًا.



صَدر "جان بول سارتر" كتاب "فرانس فانون": "معذبو الأرض" بكلمة كشف فيها عن برنامج صناعة العلماني أو المستغرب يقول سارتر: "كنا نحضر رؤساء القبائل وأولاد الأشراف والأثرياء والسادة من إفريقيا وآسيا ونطوف بهم بضعة أيام في أمستردام ولندن والنرويج وبلجيكا وباريس، فتتغير ملابسهم ويلتقطون بعض أنماط العلاقات الاجتماعية الجديدة، ويتعلمون طريقةً جديدةً في الزواج، ويتعلمون لغتنا وأساليب رقصنا وركوب عرباتنا، وكنا ندبر لبعضهم أحيانًا زيجات أوروبية ثم نلقنهم أسلوب الحياة الغربية.. كنا نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبا ثم نرسلهم إلى بلادهم، وأي بلاد كانت أبوابها مغلقة دائمًا في وجوهنا ولم نجد منفذًا إليها كنَّا بالنسبة لها رجزًا ونجسًا، ولكن منذ أن أرسلنا المفكرين الذين صنعناهم إلى بلادهم كنا نصيح من أمستردام أو برلين أو باريس: الإخاء البشري فيرتد رجع أصواتنا من أقاصي إفريقيا أو شمالها أو الشرق الأوسط.. كنا نقول: ليحل المذهب الإنساني أو دين الإنسانية محل الأديان المختلفة، وكانوا يرددون أصواتنا هذه من أفواههم، وحين نصمت يصمتون إلا أننا كنا واثقين من أن هؤلاء المفكرين! لا يملكون كلمةً واحدةً يقولونها غير ما وضعنا في أفواههم.




هل نستطيع بعد ذلك إثبات ذاتيتنا من خلال إمعات تُسيطر وتُهيمن على مصادر ووسائل ثقافتنا، هل يصلح هؤلاء أن يقودوا مسيرتنا الثقافية؟



مُخطئ مَن يظن أن معركتنا مع الغرب معركة عسكرية بالأساس، قال أفلاطون في هذا: إذا كان هناك خطأ عسكري فهو نتاج خطأ سياسي ثقافي.



والغرب يُدرك ذلك تمامًا، يقول العلامة محمود شاكر: "لم تكن المعركة بيننا وبينهم معركة في ميدان واحد بل كانت في ميدانين: ميدان الحرب وميدان الثقافة، ولم يلبث العالم الإسلامي أن ألقى السلاح في ميدان الحرب لأسباب معروفة، أما ميدان الثقافة فقد بقيت المعركة فيه متتابعة وكانت هذه المعركة.



أخطر المعركتين وأبعدها أثرًا وأشدهما تقويضًا للحياة الإسلامية والعقل الإسلامي، وكان عدُّونا يعلم ما لا نعلم, كان يعلم أن هذه المعركة هي معركته الفاصلة بيننا وبينه".



وإستراتيجية سارتر وكثير من المستشرقين تأتي تلبيةً لنداء سفهاء صهيون في بروتوكولاتهم والتي تقول: يجب علينا أن نحطِّم كل عقائد الإيمان، وأن تكون النتيجة المؤقتة هي إثمار ملحدين "يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كلِّ مكان لتسهل سيطرتنا".



يسعى كثير من العلمانيين لتدمير عقل الأمة، عقل الشباب وطمس هويته بدسِّ الفن الهابط فنِّ العري والأغنية المنحطة، وفضائيات التدمير الأخلاقي، هذه هي العلمانية وفضائحها التي يريدها الدكتور جابر عصفور، وسيد القمني، والمؤتمرون منهجًا لحياتنا وإصلاحها، فهل يصلح هؤلاء لقيادة الأمة ثقافيًّا وأخلاقيًّا واجتماعيًّا و...؟!



الأمة بحاجة إلى رجل رشيد يُراجع مناهج وبرامج التعليم والتثقيف في بلادنا أو جماعة رشيدة تنقذ السفينة قبل فوات الأوان ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ (الأنفال: من الآية 25).





إخوان أون لاين - 05/08/2010