بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله

أصول السنة

حدثني عبدوس بن مالك العطار ، قال :

سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل – رضي الله عنه –

يقول :

أصول السنة عندنا :

التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإقتداء بهم ، وترك

البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة ، وترك الخصومات ، والجلوس مع أصحاب الأهواء ،

وترك المراء والجدال والخصومات في الدين .

والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسنة تفسر القرآن ، وهي دلائل

القرآن ، وليس في السنة قياس ، ولا تضرب لها الأمثال ، ولا تدرك بالعقول ولا

الأهواء ، إنما هو الاتباع وترك الهوى .

ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة - لم يقبلها ويؤمن بها -

لم يكن من أهلها :

الإيمان بالقدر خيره وشره ، والتصديق بالأحاديث فيه ، والإيمان بها ، لا يُقال لِـمَ ولا

كيف ، إنما هو التصديق والإيمان بها ، ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد

كُـفِيَ ذلك وأُحكِمَ له ، فعليه الإيمان به والتسليم له ، مثل حديث " الصادق المصدوق "

ومثل ما كان مثله في القدر ، ومثل أحاديث الرؤية كلها ، وإن نأت عن الأسماع

واستوحش منها المستمع ، وإنما عليه الإيمان بها ، وأن لا يرد منها حرفاً واحدا ً ،

وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات .

وأن لا يخاصم أحداً ولا يناظره ، ولا يتعلم الجدال ، فإن الكلام في القدر والرؤية

والقرآن وغيرها من السنن مكروه ومنهي عنه ، لا يكون صاحبه و إن أصاب بكلامه

السنة من أهل السنة حتى يدع الجدال ويسلم ويؤمن بالآثار .

والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ، ولا يضعف أن يقول : ليس بمخلوق ، فإن كلام الله

ليس ببائن منه ، وليس منه شيء مخلوق ، وإياك ومناظرة من أحدث فيه ، ومن قال

باللفظ وغيره ، ومن وقف فيه ، فقال : لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق ، وإنما هو

كلام الله فهذا صاحب بدعة مثل من قال : ( هو مخلوق ) ،

وإنما هو كلام الله وليس بمخلوق .


والإيمان بالرؤية يوم القيامة ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث

الصحاح ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه ، فإنه مأثور عن رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، صحيح ، رواه قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ ورواه

الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ ورواه علي بن زيد ، عن يوسف بن

مهران ، عن ابن عباس ، والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي صلى الله عليه

وسلم ، والكلام فيه بدعة ، ولكن نؤمن كما جاء على ظاهره ، ولا نناظر فيه أحداً .

والإيمان بالميزان يوم القيامه كما جاء ، يوزن العبد يوم القيامة فلا يزن جناح بعوضة ،

وتوزن أعمال العباد كما جاء في الأثر ، والإيمان به ، والتصديق به ،

والإعراض عن من ردّ ذلك ، وتركُ مجادلته .

وأن الله يكلم العباد يوم القيامه ، ليس بينهم وبينه ترجمان ، والتصديق به .

والإيمان بالحوض ، وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضا يوم القيامة تَـرِدُ عليه

أمته ، عرضه مثل طوله ، مسيرة شهر ، آنيته كعدد نجوم السماء على ما صحت به

الأخبار من غير وجه .

والإيمان بعذاب القبر ، وأن هذه الأمة تُـفـتَـن في قبورها ، وتُسأل عن الإيمان والإسلام

، ومن ربه ؟ ومن نبيه ؟

ويأتيه منكر ونكير ، كيف شاء الله عزوجل ، وكيف أراد ، والايمان به والتصديق به .

والإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقوم يخرجون من النار بعد ما احترقوا

وصاروا فحما ، فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء في الأثر ، كيف شاء الله ،

و كما شاء ، إنما هو الإيمان به ، والتصديق به .

والإيمان أن المسيح الدجال خارج ، مكتوب بين عينيه كافر ، والأحاديث التي جاءت فيه

، والإيمان بأن ذلك كائن ، وأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل فيقتله بباب لُـدٍّ .

والإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، كما جاء في الخبر :

(( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا )) .

ومن ترك الصلاة فقد كفر ، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة ، من تركها

فهو كافر ، وقد أحل الله قتله .

وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان ،

نُـقـدّم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يختلفوا

في ذلك ، ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة : علي بن أبي طالب ، وطلحة

، والزبير ، وعبدالرحمن بن عوف ، وسعد ، كلهم يصلح للخلافة ، وكلهم إمام ،

ونذهب في ذلك إلى حديث ابن عمر : ( كنا نعُـدُّ ورسول الله حي وأصحابه متوافرون :

أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم نسكت ) ... ثم من بعد أصحاب الشورى أهل بدر

من المهاجرين ، ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

على قدر الهجرة والسابقة ، أولاً فأولا ، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، القرن الذي بعث فيهم .

وكل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة ، أو رآه فهو من أصحابه ، له من

الصحبة على قدر ما صحبه ، وكانت سابقته معه ، وسمع منه ، ونظر إليه نظرة ،

فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ، ولو لقوا الله بجميع الأعمال ، كان

هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا منه ، ومن رآه بعينه

وآمن به ولو ساعة ، أفضل لصحبتهم من التابعين ، ولو عملوا كل أعمال الخير .


والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البَـرّ والفاجر ، ومن ولي الخلافة ، واجتمع

الناس عليه ، ورضوا به ، ومن عليهم بالسيف حتى صار خليفة ، وسمي

أميرالمؤمنين .

والغزو ماض مع الأمير إلى يوم القيامه البَـرّ والفاجر لا يُـترَك .

وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماضٍ ، ليس لأحد أن يطعن عليهم ، ولا

ينازعهم ، ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة ، من دفعها إليهم أجزأت عنه ،

بَـرّاً كان أو فاجراً .

وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه ، جائزة باقية تامة ركعتين ، من أعادهما فهو

مبتدع تارك للآثار ، مخالف للسنة ، ليس له من فضل الجمعة شيء ؛ إذا لم ير الصلاة

خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم ، فالسنة : أن يصلي معهم ركعتين ، ويدين بأنها

تامة ، لا يكن في صدرك من ذلك شك .

ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين – وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة ،

بأي وجه كان ، بالرضا أو بالغلبة - فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين ، وخالف الآثار

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية .


ولا يحل قتال السلطان ، ولا الخروج عليه لأحد من الناس ، فمن فعل ذلك فهو مبتدع

على غير السنة والطريق .

وقتال اللصوص والخوارج جائز ، إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله فله أن يقاتل عن

نفسه وماله ، ويدفع عنها بكل ما يقدر ، وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم ،

ولا يتبع آثارهم ، ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة المسلمين ، إنما له أن يدفع عن نفسه في

مقامه ذلك ، وينوي بجهده أن لا يقتل أحداً ، فإن مات على يديه في دفعه عن نفسه في

المعركة فأبعد الله المقتول ، وإن قُـتِـل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله ،

رجوت له الشهادة ، كما جاء في الأحاديث وجميع الآثار في هذا إنما أُمِر بقتاله ، ولم

يُـؤمَـر بقتله ولا اتباعه ، ولا يجهز عليه إن صُرِع أو كان جريحا ، وإن أخذه أسيرا

فليس له أن يقتله ، ولا يقيم عليه الحد ، ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله ،

فيحكم فيه .

ولا نشهد على أحد من أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار ، نرجو للصالح ونخاف

عليه ، ونخاف على المسيء المذنب ، ونرجو له رحمة الله .

ومن لقى الله بذنب يجب له به النار تائبا غير مُصـرٍّ عليه ، فإن الله يتوب عليه ، ويقبل

التوبة عن عباده ، ويعفو عن السيئات ، ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في

الدنيا ، فهو كفارته ، كما جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن

لَـقِيـَه مُصِـرّا غير تائب من الذنوب التي استوجب بها العقوبة فأمره إلى الله ، إن شاء

عذّبه ، وإن شاء غفر له ، ومن لَـقِـيَـه وهو كافر عذّبه ولم يغفر له .


والرجم حق على من زنا وقد أُحصن ، إذا اعترف أو قامت عليه بيّنة ، فقد رجم رسول

الله صلى الله عليه وسلم والأئمة الراشدون .

ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أبغضه بحدث كان

منه ، أو ذكر مساوئه ، كان مبتدعا ، حتى يترحم عليهم جميعا ،

ويكون قلبه لهم سليما .

والنفاق هو : الكفر ، أن يكفر بالله ويعبد غيره ، ويُـظهِـر الإسلام في العلانية ، مثل

المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله صلى الله

عليه وسلم : (( ثلاث من كن فيه فهو منافق )) هذا على التغليظ ، نرويها كما جاءت ،

ولا نفسرها .

وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا ترجعوا بعدي كفارا ضُلالا يضرب بعضكم رقاب

بعض )) ، ومثل : (( إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار )) ،

ومثل : (( سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر )) ، ومثل : (( من قال لأخيه يا كافر ، فقد

باء بها أحدهما )) ، ومثل : (( كُـفـرٌ بالله تَـبَـرؤٌ من نَـسَـبٍ وإن دَقّ )) ، ونحو هذه

الأحاديث مما قد صح وحُـفِـظ ، فإنا نُـسَـلم له ، وإن لم نعلم تفسيرها ، ولا نتكلم فيها ،

ولا نجادل فيها ، ولا نفسّر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت ، لا نردها إلا بأحق منها .


والجنة والنار مخلوقتان ، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( دخلتُ الجنة فرأيت قصراً ... )) ، و (( رأيت الكوثر )) ، و (( واطلعت في الجنة ،

فرأيت أكثر أهلها... )) كذا ، و (( واطلعت في النار ، فرأيت ... )) كذا وكذا ، فمن زعم

أنهما لم تُخلقا ، فهو مكذّب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا

أحسبه يؤمن بالجنة والنار.

ومن مات من أهل القبلة مُـوَحِـداً يُـصلّى عليه ، ويُستغفر له ، ولا يُحجب عنه الاستغفار

، ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أو كبيرا ، أَمــرُهُ إلى الله تعالى .

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

آمين آمين