بقلم عادل محمد النجار
English Version
ترجمة: I.Z
عندما نفكر فى الشهادة المعصومة والغير مغلوطة التى تقدمها لنا الكتب عن شخص يسوع المسيح فإننا نجد مقاطع وأجزاء كثيرة تؤكد ألوهية المسيح. فعلى سبيل المثال لدينا النبوات عن المسيا فى مزمور 2: 7، 12 يتكلم عن المسيح كابن الله ومزمور 110: 1 يعلن إنه الرب وفى مزمور 45: 6 وأشعيا 9: 6 يتكلم عنه أنه الله. ثم هناك المقاطع الإرشادية كما فى يوحنا 1:1،14 تقول عنه أنه الكلمة وأن الكلمة الله والكلمة صار جسداً. وفيلبى 2:5-11 تحدثنا أنه كان فى صورة الله. وكذلك عبرانيين 1:2-3 وكولوسى 1: 15 تعلن "أنه هو صورة الله الغير منظور" وعبرانيين 1: 8 تقول صراحة أنه هو الله وتيموثاوس الأولى 3: 16 تؤكد أنه "الله ظهر فى الجسد".
ولدينا أيضا الحكايات المسرودة كما فى مرقس 2: 27-28 ولوقا 5: 20 ويوحنا 11: 43-44 وحكايات أخرى كثيرة تؤكد أن المسيح إمتلك قدرات مقصورة على اللهو من بينها أنه هو رب السبت وقدرته على غفران الخطايا وإقامة الموتى! وأنا أؤمن إيماناً عميقاً أنه إلى جانب قيامته من بين الأموات فإن يسوع بمقولة "أنا هو" أعطانا أوضح التأكيدات والبراهين على ألوهيته. ففى هذه العبارة نجد كلمات المسيح ذاته عن حقيقة ماهيته. وفيها نجد الإله المتجسد يعلن عن ذاته. وسأحاول أن أقدم هذه الحقيقة بمساعدة القديس يوحنا الرسول الذى كان شاهداً وسجل كلمات المسيح بالإضافة إلى عدد من اللاهوتيين البارزين.
وبداية أقرر أن الدوافع الغير معلنة التى من أجلها كتب القديس يوحنا الرسول إنجيله عن السيد المسيح موجودة فى إصحاح عشرين آية 30-31 . وفيها يعلن يوحنا بوضوح : "وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب فى هذا الكتاب وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله و لكى تكون لكم إذا آمنتم حياة بأسمه." و بهذا نرى أن يوحنا له هدفان. الأول هو إعلانى فهو يسعى أن يكشف ويوضح أن "يسوع المسيح هو ابن الله" والثاني هو تبشيرى إذ يريد أن يعرف الناس حقيقة المسيح "حتى تكون لهم حياة باسمه". والآن هدف هذه المقالة هو إلقاء الضوء على هدف يوحنا الأول.
كما رأينا، يوحنا يسعى لإثبات أن "يسوع هو المسيح، ابن الله ومخلص العالم" (4: 42) وللوصول إلى هذا الهدف هو يستخدم عدة أشياء، منها على سبيل المثال، شهادة الشهود أمثال يوحنا المعمدان (1: 29 و 32-36) شهادة المرأة السامرية لأهل مدينتها (4: 39-42) ويسوع (8: 13-14) و الله نفسه (8: 17 ، 12: 28-30) وروايات عن حياة المسيح ودعوته وأعماله، وتضمنت أيضاً الكثير من عظاته وأيضا موته وقيامته. كما قدم لنا أو سجل العديد من المعجزات التى صنعها المسيح والتى سجلتها أيضا الأناجيل الأخرى. ولكن يوحنا هو الوحيد بين كل كتبة الإنجيل الذى أعطى بيانا عن عظات المسيح التى ألقت الضوء على معنى الرسالة من المعجزات التى تمت. ولذلك استخدم يوحنا الكلمة اليونانية semeion وتعنى آية بدل من مجرد كلمة dunamis أى معجزة.
ولقد تضمنت بعض هذه العظات مقولة "أنا هو" مثل: "أنا هو خبز الحياة" (6: 35) و "أنا هو القيامة و الحياة" وأما بقية المقولات فقد تضمنتها أحاديثه مع العامة (8: 12) والفريسيين (10: 7،9،11) وأيضاً تلاميذه (14: 6 و 15: 1). كما أريد أن ألفت نظر القارئ إلى الكلمات اليونانية “ego eimi” وترجمتها (أنا هو). وكما يقول ليون موريس: "يسوع يستخدم "أنا هو" كجملة توكيدية لتوضيح تعاليم هامة عن شخصه. فى اللغة اليونانية عادة لا يذكر إسم االمبتدأ إذ أن صيغة الفعل توضح المبتدأ. ولكن إذا رغب فى تأكيد المبتدأ فيستخدم الضمير المناسب. والذى يوضح أهمية هذه النقطة فى إنجيل يوحنا هو أننا نجد إستخدام مماثل فى الترجمة اليونانية للعهد القديم. فنجد أن المترجمين إستخدموا الصيغة التوكيدية عندما كانوا ينقلون كلمات قائلها هو الله. ويستمر ليون قائلاً: "إن يسوع عندما كان يستخدم عبارة "أنا هو" فإنه يتكلم بصفته إله" وهناك إتفاق عام بين العلماء المتخصصين فى كتابات يوحنا أن هذه الصيغة بها إشارة واضحة عما أراد يوحنا أن يخبرنا عن شخص المسيح. وبتعبير آخر، فإن يسوع عندما كان يستخدم عبارة "أنا هو" كان يشير إلى ألوهيته ويوحنا عبر عن نفس الشئ بتسجيله تلك المقولات ليسوع
و يلاحظ موريس أيضا أن مقولة "أنا هو" تندمج فى مجموعتين، واحدة تحتوى على خبر والأخرى بدون خبر. و يعلق على ذلك قائلاً: "إن بناء العبارة فى الحالتين يعتبر إلى حد ما غير مألوف و يضيف مقتبسا من جى أتش برنار أحد المتخصصين فى كتابات يوحنا "من المؤكد أن هذا هو أسلوب إلهى.. وقوتها يستشعرها من هو على دراية بالنسخة السبعينية من العهد القديم." و لدراسة المجموعتين من مقولة "أنا هو" سوف أتبع نموذج موريس وأبدأ بتقديم المجموعة الأولى فى البداية ثم المجموعة الثانية.
"أنا هو خبز الحياة"
أول مقولة "أنا هو" واضحة فى إنجيل يوحنا هى "أنا هو خبز الحياة" (7: 35) وقيلت بعد إطعام الجموع. فى هذا الحديث قال يسوع للجمع: "إعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقى للحياة الأبدية الذى يعطيكم ابن الإنسان" (6: 27) إذ سعى للحصول على إيمانهم بشخصه قوبل بتحدى أن يظهر قدراته. "فقالوا له فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك. ماذا تعمل. آباؤنا أكلوا المن فى البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا" (6: 31) وإذ يبدو واضحاً أنهم كانوا يعنون أن موسى أعطاهم المن فصحح لهم يسوع هذا الفهم الخاطىء قائلاً: "الحق الحق أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء بل أبى يعطيكم الخبز الحقيقى من السماء" (6: 32) ثم أضاف: "لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم" (6: 33) يسوع هنا لا يعنى فقط أن الله أعطى الخبز من السماء فى الماضى ولايزال يعطيه إلى الآن ولكنه يؤكد ضمنياً أنه هو نفسه خبز الله النازل من السماء. وفى تعبير واضح عن رغبة روحية متزايدة طلبوا هذا الخبز النازل من السماء وإن كنا سوف نرى فى بقية الحديث كيف أن فهمهم مازال دنيوياً.
و رداً على طلبهم هذا فإن يسوع يعطى هذا الإعلان المذهل: "أنا هو خبز الحياة من يقبل إلى فلا يجوع ومن آمن بى فلا يعطش أبدا" (6: 35) وفى هذه الجملة يكمن جوهر رسالة المسيح الذى هو نفسه سؤل قلب الإنسان. "عبارة خبز الحياة تعنى الدور الحيوى والأساسى الذى يقوم به يسوع ليعطى الإنسان سؤل قلبه. خبز يسوع هو ركيزة الحياة وهو مصدر أساسى للتغذية. ولكن بما أن الخبز هو غذاء أساسى فى العالم فذلك تأكيد ضمنى على أنه يشبع هذا الجانب لكل إنسان." هو مخلص العالم ويعطى الحياة للعالم (6: 33) ويشير موريس بصورة شيقة إلى أن الضمير المحدد قبل كلمة خبز يشير إلى حقيقة أن يسوع، ويسوع وحده، هو خبز الحياة. فى حين يقول ميلنى أن: " خبز الحياة تشير إلى طبيعة المسيح المشبعة" ويظهر هذا بوضوح فى النتيجة المعطاة: "لا يجوع أبداً ولا يعطش أبداً" فأى خبز آخر مثل المن فى البرية لن يعطى الشبع ولن يسدد الإحتياج فنعود لنجوع. وفى المقابل فإن ذقت المسيح فلن تعود تحتاج لشئ البتة. وفى النهاية نستخلص أن بقوله "أنا هو خبز الحياة" فإن يسوع يعلن عن أصوله السماوية وعن حقيقة أنه هو وحده يسدد الإحتياجات الروحية لسامعيه.
"أنا هو نور العالم"
وهذه هى المرة الثانية التى تأتى فيها عبارة "أنا هو" يتبعها خبر . لقد أخبرنا يوحنا فى المقدمة أن الكلمة المتجسد " فيه كانت الحياة" وأن "الحياة كانت نور الناس والنور أضاء فى الظلمة والظلمة لم تدركه" (1: 4-5) ومرة أخرى يكمل المجاز ويستفيض فيما قاله سابقاً. ويؤكد يوحنا أن يسوع قال عن نفسه أنه " نور العالم" وعبارات مشابهة فى مناسبات مختلفة – على سبيل المثال 8: 12و 9: 5 و 12: 35-36، 46. وبالرغم من أن يوحنا لم يحدد تماماً متى قال يسوع ماقاله فى (8: 12) لكنه يعطينا خلفية عن المكان الذى حدث به كل ذلك إذ قال أنه كان عيد المظال وأن يسوع صعد إلى الهيكل (7: 14)
فى أثناء الإحتفالات بعيد المظال يتم طقسين دينيين هامين ولهما مغزى كبير. الأول هو سكب الماء على الناحية الغربية من المذبح من قبل الكهنة اللاويين بينما يغنى المنشدون تسبحة هلل الكبرى (مزمور 113: 18) والثاني هو إضاءة عدة شموع ضخمة فى محيط الهيكل. ويشير يوحنا أن يسوع إتخذ من هذين الرمزين فرصة لتوضيح تعاليمه (7: 37-38 و 8: 12) النور هو مجاز قوى فى إشارات العهد القديم، عظمة وجود الله فى السحابة التى قادت الشعب إلى أرض الميعاد (خروج 13: 21-22) وحفظتهم من أعدائهم (خروج 14: 19-25) تعلمت إسرائيل أن تنشد: "الرب نورى و خلاصى" (مزمور 27: 1) وكانت كلمة الله وشريعته هى نور لسبيل الذين يحفظون أحكامه (مزمور 119: 105 وأمثال 6: 23) نور الله يسطع فى الرؤيا (حزقيال 1: 4، 13،26-28) والخلاص (حبقوق 3: 3-4) النور هو الله فى عمله (مزامير 44: 3) ويقول لنا أشعياء أن خادم الرب قد إختير ليكون نوراً للأمم ليأتى بالخلاص إلى أقصى الأرض (أشعياء 49: 6) وعندما تأتى الأيام الأخيرة يكون الله نفسه هو نور شعبه (أشعياء 60: 19-22 ورؤيا 21: 23-24) وربما لأن زكريا 14: 5-7 تحمل مغزى خاص من جهة الوعد بنور دائم فى اليوم الأخير و الوعد بأن تتدفق المياه الحية من أورشليم، لذلك إختيرت لتكون جزءا من قراءات طقس هذا العيد.