كيف يهدي الله

البعض يدخله العجب عندما يسمع قول الحق

سورة فصلت 17- 18
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {41/17} وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {41/18}


بعضنا يتعجب متسائلاً : كيف يقول الله سبحانه : أنه هداهم ، ثم استحبوا العمى على الهدى ؟ ونقول : إن ( هداهم ) جاءت هنا بمعنى ( دلهم ) لكنهم استحبوا العمى على الهدى ، أما الذين استجابوا لهداية الدلالة وآمنوا فقد أعانهم الله وأنجاهم ، لأنهم عرفوا تقواه سبحانه .

ونحن نسمع بعض الناس يقولون : ما دام الله يهدي من يشاء إلى صراط المستقيم فما ذنب الذي لم يهتد ؟

نقول :

إن الحق يهدي من يشاء إلى صراط المستقيم ، أي يبين الطريق إلى الهداية ، فمن يأخذ بهداية الدلالة يزده الله بهداية المعونة وييسر له ذلك الأمر .

ونحن نعلم أن الله نفى الهداية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في آية وأثبتها له في آية أخرى برغم أنه فعل واحد لفاعل واحد .

قال الحق نافياً الهداية عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم

القصص 56
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {28/56}

والحق يذكر للرسول صلى الله عليه وسلم الهداية في موضع آخر فيقول له :

الشورى 52
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {42/52}

ومن هنا نفهم أن الهداية نوعان :

هداية الدلالة ، فهو (( يهدي )) أي يدل الناس على طريق الخير .

وهناك هداية أخرى معنوية ، وهي من الله ولا دخل للرسول صلى الله عليه وسلم فيها ، وهي هداية المعونة .

إذن قول الله تعالى (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) معناها : أنك تدل على الصراط المستقيم ولكن الله هو الذي يعين على هذه الهداية . (( والله يهدي من يشاء إلى سراط مستقيم )) فعلينا أن نستحضر الآيات التي شاء الله أن يهدي فيها مؤمناً وألاّ يهدي آخر . ويقول الحق سبحانه :-
(( والله لا يهدي القوم الكافرين )) البقرة 264

معنى ذلك أن الله لا يهدي إلا الذين آمنوا به . وهدايته للمؤمنين تكون بمعرفتهم على الاستمرار في الهداية ، فالكل قد جاءته هداية الدلالة ولكن الحق يختص المؤمنين بهداية المعونة .

والحق يقول في ذلك :

التوبة 109
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {9/109}

إن الحق يوضح لنا المقارنة بين الذين يؤسس بنيان حياته على تقوى من الله ابتغاء الخير والجنة ، وهو الذي جاءته هداية الدلالة فاتبعها ، فجاءته هداية المعونة من الله . وبين ذلك الذي يؤسس بنيان حياته على حرف ودا متصدع آيل للسقوط فسقط به البنيان في نار جهنم ، إنه الذي جاءته هداية الدلالة فتجاهلها ، فلم تصله هداية المعونة ، ذلك هو الظالم المنافق الذي يريد السوء بالمؤمنين .

والحق تبارك وتعالى يقول:

التوبة 80

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {9/80}

إن الحق يبلغ رسوله أنه مهما استغفر للمنافقين الذين يـُظهرون الإسلام ، ويبطنون الكفر فلن يغفر الله لهم ... لماذا ؟

لأن هداية الدلالة قد جاءت لهم فادعوا أنهم مؤمنون بها ، ولم تصلهم هداية المعونة ، لأنهم يكفرون بالله ورسوله ، والله لا يهدي مثل هؤلاء القوم الفاسقين الخارجين بقلوبهم عن منهج الله .

والله اعلم