الصفقة...



حملق الشاب بعينين مذهولتين , و همّ أن يُجرد سيفه , فلمعت حوله سيوف تبلغ المئة ,

فرجع لكنه أيقن أن شيئا" ما سيحدث .


و قال الرجل وهو يزبد :

_ أتجرد سيفك في وجوهنا ؟ ونحن قادرون أن نتركك هنا وحدك لتكون فريسة للسباع

, لكن ديننا يمنعنا من ذلك .


_ وهل يبيح لك دينك أن تنقض العهد وتأخذ من مسافر كل شئ حتى ثيابه ؟


_ لا تخف ...سندع لك الثياب , ولكني أترك لك الخيار ...إما أن تنزل عن الراحلة لتلقى


المصير المحتوم هنا وحدك ...وإما أن تعطيني ثمن ( نفسك )... ادفع لنفسك الفدية .


همس كأنه في حلم :


- فدية ...وهل أنا أسير أيها الرجل ؟


_ لا ... بل أنت رقيق , سنبيعك يا فارسي في هذه القبيلة.


_ فما رأيك ؟


_ الرقيق لا رأي له .


_ أصبت الحقيقة .


واصلوا السير حتى بلغوا وجهتهم ...ثم رفع رئيس الركب رأسه وراح ينادي :


_ يا أبا يعقوب ...يا أم يعقوب ... يا يعقوب الغالي ... ها نحن أولاء قد عدنا.


وارتفع نباح الكلاب عندما نادى الأسماء الثلاثة , وسعت إليه امرأة هي أم يعقوب ورحبت به


وأناخت القافلة , ووقف الفارسي وقد فرع الجميع بطوله ...فنظرته المرأة وقد أحست بالخوف

فسألت عمن يكون هذا الشاب ؟


فأجابها بأنه رقيق معروض للبيع ...و انه أختار زوجها أبا يعقوب شاريا" له .


و بعد مساومة ..وأخذ و رد تمت الصفقة ...وانصرفوا و تركوه عند أبا يعقوب ...الذي أسر


لزوجته ماذا يخطط للفارسي :


سأكلفه أشد عمل , وأطعمه أقل زاد وأجني من وراء ذلك ربحا" كثيرا" ...


وعند الصباح وقف أبا يعقوب عند البئر و نادى قومه والفارسي إلى جواره ,فلما عرفوا


أنه رقيقه هنأوه وباركوه ثم سألوه فيم جمعتنا ؟ فقال لهم :


هذه البئر لا يكاد ماؤها يقوم بحاجاتنا من زرع وسقي ولقد عزمت بواسطة هذا الشاب أن


أعيد حفرها وأن أبني جوانبها بالحجارة , وهذا يستلزم نفقات طائلة فهل شاركتم معي في النفقة

فتجادلوا وتطاحنوا ...و اختلفوا ...ثم اتفقوا


وقال الفارسي لليهودي بعد أن عرف ما هو عمله اليومي :


_ يا أبا يعقوب ...إن لك من يدي هاتين عملا" كثيرا" , ولك مني عهد لا أخونه ...


لأن مثلنا لا يخونون العهود...


ومنذ هذه اللحظة والفارسي يحمل فأسا" ويصعد جبلا" لكي يكسر حجارة يبني بها جوانب البئر

وبعد شهور فرغ من عمله ..جنى الحي كله خيرات عمله ...و زاد مال أبا يعقوب.



وبعد عام ...



مرت إحدى القوافل ...هللوا وفرحوا لرؤية الماء...


ونزل رجل من يهود بني قريظة يسأل عن أبي يعقوب ...فلما رآه أبو يعقوب عانقه ...


وتصافحا طويلاا" ...ثم جلسا يأكلان ويتجاذبا أطراف الحديث ... وبينما هما يتحدثان


سمعا صوتا" فخما" عزيزا" يُنادي صاحب الدار:


_ أبا يعقوب ...سأصنع لكم نسجا" كالذي رأيته في بلاد الروم , وأنسج لك صوف غنمك

فتربح منه الكثير ...


تلفّت الضيف مذهولا" ...و سأل :


_ من هذا الرجل ؟


_ إنه رقيق اشتريناه من إحدى القوافل .عض الضيف شفته ثم سبابته ... وقال لصاحب الدار:


_ ما رأيت مثل هذا ...أتبيعني إياه ؟


تدلل أبو يعقوب وتأبّى ...


وقبل رحيل القافلة كان أبو يعقوب قد قبض ثمن الفارسي...



.............


يتبع بأذن الله تعالى