نقلا عن الأخ أويس القرنى
_____________________________


كثيرا ما تفتخر الكنيسه المصريه بأنها كنيسه رسوليه , و أن مرقص هو من أسسها , فهل هذه الدعوى لها مصداقية تاريخيه أم أسطوره و خرافه لا أساس لها ؟


دعونا نستعرض آراء نخبه من العلماء الكبار حول هذا الموضوع





أولا : يقول (1) C Wilfred Griggs :


إن التقليد الشهير بأن مرقص كان هو المؤسس الرسمى للمسيحيه المصريه نقابله مسجلا لأول مره عند يوسيبيوس . إن يوسيبيوس لا يقدم دليلا من المصادر القديمه على هذا التقليد الذى استمر فى المصادر و الأساطير المصريه منذ وقته حتى يومنا هذا , و يبدو أن هذه التعليقات ليست لها مصداقيه و يظهر هذا من محاولة يوسيبيوس أن يجعل من مجموعة " المعالجين " اليهوديه الذين تحدث عنهم فيلو أول المتحولين الى المسيحيه على يد مرقص فى الأسكندريه و ما حولها .




إن يوسيبيوس نفسه يعى أن ربطه مجموعة " المعالجين " بالمسيحيه مؤسس على أوجه تشابه و ليس مؤسسا على مراجع مسيحيه لهذه المجموعه التى ذكرها فيلو , فقد اعترف يوسيبيوس أن الكثير ممن ليسوا بمسيحيين قد يشكون فى قوة أوجه الشبه التى يذكرها .




إن التأكيد على أن مرقص كان أول مبشر الى مصر يشرح أيضا بمصطلحات غامضه , لأنه من الواضح أن يوسيبيوس لم يكن بحوذته أية وثيقه ولا سلطة تشهد له بخلاف التقليد المحلى " لقد قالوا " .





ثانيا : يقول العالم أدولف فون هارناك(2) :




إن أخطر فجوة فى علمنا عن تاريخ الكنيسه المبكر هو جهلنا المطبق تقريبا بمسيحية الأسكندريه و مصر .... حتى عام 180 تقريبا ( أسقفية ديميتريوس )


ففى هذا الوقت فقط تبرز الكنيسه السكندريه فى التاريخ الكنسى ... إن يوسيبيوس لم يجد شيئا فى مصادره عن التاريخ المبكر للمسيحيه فى الأسكندريه .


و يمكننا بقدر يقل أو يكثر أن نفترض أن كتابات قديمة معينه ( مثل رسالة برنابا ) لها أصل سكندرى أو مصرى , و لكن لنكون أكثر دقه , فمن الصعب إثبات هذا لأى من هذه الكتابات .




ثالثا : يقول العالم فالتر باور (3) Walter Baur :




هذا يشير بكل بساطه أنه لا يوجد شىء فى مصادرنا , و أن مصادرنا لا تصرح لنا بشىء , و قد كان من الواجب أن نجد شيئا فيها .


لا بد أن هذه المصادر قد طولعت , اذا لم تكن قد كتبت بواسطة رجال كنسيين. لماذا هذا الصمت عن أصول نشأة المسيحيه فى مثل هذا المركز المهم مثل الأسكندريه اذا كان هناك شىء جيد يذكر بهذا الخصوص ؟



إن يوسيبيوس لا يجد شيئا فى مصادره عن التاريخ المبكر للمسيحيه فى الأسكندريه , على الرغم من بحثه الجاد فى هذه المصادر .


إنه يكرر عدة أشياء مستقاه من كتاب وثنيين مختصه بالثوره اليهوديه فى مصر أثناء حكم تراجان , و يقتبس مقتطفات من فيلو , بل و من شدة يأسه سمح ل " فرقة المعالجين " التى تحدث عنها فيلو أن يظهروا كأقدم مسيحيين وجدوا فى مصر على أساس أن مرقص - أول أسقف على الأسكندريه - قد حولهم الى المسيحيه , و ذلك بعد أن كان فيلو على اتصال سابقا ببطرس فى روما .



و قد تعقب سلسلة من عشرة أساقفه بدءا من مرقص حتى فترة حكم الإمبراطور كومودوس ( 180 - 192 ) , و لكن هذه القائمه التى يدين بها ل " سيسكتوس يوليوس أفريكانوس " تزيد من الصمت الرهيب الذى يخيم على أصول نشأة المسيحيه و تسبب ارتباكا أكثر .



" بالقطع لا يوجد تقليد مصاحب " -- و بما أن الوضع كذلك , فما يمكن جمعه على أفضل الأحوال يعتبر تافها لا يساوى شيئا , و الترقيم الخجول لناسخ كتاب " تاريخ الكنيسه " ليوسيبيوس الذى يسمى " إنيانوس " خليفة مرقص بأنه " رجل يحبه الله و يثير الإعجاب فى كل شىء " لا يرتفع بالتقليد عن خط الصفر .




رابعا : يقول العالم بروس ميتزجر (4) :




ان بدايات الكنيسه فى مصر يكتنفها الغموض , لأنه قبل الفتره التى تسبق مدة أسقفية " ديمتريوس السكندرى Demetrius of Alexandria " الطويله ( 188,189 - 231 م ) , و الذى ذكر عنه يوسيبيوس قدرا ليس بالضئيل , فإننا نبحث بلا جدوى عن المعلومات التى تتعلق بانتشار المسيحيه حول النيل .





خامسا : يقول العالمان " س . هـ . روبرترس " و " ل . و . برنارد " (5) :




على أى حال , فإن قصة تأسيس مرقص لكنيسة الاسكندريه مشكوك جدا فى أصالتها , و اذا كان لها أى أساس تاريخى , فيمكن أن يكون فى مجىء مخطوطه من انجيل مرقص الى الأسكندريه , سريعا فور نشره فى روما .







سادسا : يقول العالم ف . ف . بروس (6) :





إن المعلومه القائله بأن مرقص قد أتى من روما الى الأسكندريه نعرفها من خلال يوسيبيوس , و لهذا فإن " جوهانز مونك " قد استنتج بأن رسالتنا ( يقصد الرساله المنسوبه لكليمنت و التى يزعم أنه أرسلها الى ثيودور ) لا يمكن أن تكون لاحقه عن فترة يوسيبيوس .



و لكن يوسيبيوس لم يخترع قصة مجىء مرقص الى الاسكندريه بل تلقاها من آخرين , فبعد أن حكى عن مرافقة مرقص لبطرس فى روما , قال الآتى :



" إنهم يقولون أن هذا الرجل – مرقص – كان اول من أرسل الى مصر ليكرز بالإنجيل , و الذى سجله كتابة أيضا , و أنه أول من أنشأ كنائس فى الاسكندريه نفسها "



ثم قال إن نجاح كرازة مرقص يمكن أن تقاس بقيمة " فرقة المعالجين " التى وصفها فيلو , و الذى ظن يوسيبيوس – و قد كان ظنه هذا خطأ تماما من الناحيه التاريخيه – أنهم يشكلون مجتمعا مسيحيا .



ثم يقول لاحقا أنه فى عصر نيرو , خلف مرقص شخص يسمى إنيانوس .




كل ما يمكننا فعله هو أن نخمن المصدر الذى استقى منه يوسيبيوس هذه المعلومه أو المعلومه الخاطئه , و لكن وعيه بالوضع فى الاسكندريه قد منعه من استخدم مصطلح " أسقف " فى وصف القائد هناك فى تلك الأيام المبكره .



على أى حال , فإن قصة تأسيس مرقص لكنيسة الاسكندريه مشكوك جدا فى أصالتها .



اذا كان لها أى أساس تاريخى , فيمكن أن يكون فى مجىء مخطوطه من انجيل مرقص الى الأسكندريه , سريعا فور نشره فى روما .



و الشىء المشكوك فيه أكثر و أكثر هى قائمة الخلافه المتعاقبه على كنيسة الأسكندريه بدءا من مرقص و خليفته المزعوم إنيانوس وصولا الى العقد أو العقدين الأخيرين من القرن الثانى .



إن أول أسقف للاسكندريه يمكن أن نذكره بثقه هو ديمتريوس الذى كان صديقا لأوريجين فى بادىء الأمر ثم انقلب عدوا له بعد ذلك .




من الصعب أن تفند حجة " فالتر باور " التى ساقها فى كتابه " الأرثوذكسيه و الهرطقه فى المسيحيه المبكره "
, و التى تقول بأن المسيحيه السكندريه فى أجيالها المبكره كان غنوصية بشكل أساسى أو تتشكل بالغنوصيه , و أن التفسير " الأرثوذكسى " للإنجيل لم يكن له اليد الطولى قبل الربع الأخير من القرن الثانى .


لعبت المدرسه الدينيه التى أسسها بانتينوس - أستاذ كليمنت – دورا مهما فى هذا التطور الأخير .




و إنه أمر لا يخلو من أهميه أن بانتينوس كان صقليا بالمولد , بينما ربما أتى كليمنت من أثينا . و لكن حتى الأرثوذكسيه الخاصه بالمدرسه الدينيه كانت محل شك فى أعين اللاهوتيين المتأخرين , فقد انغمس قادتها فى النزعه التأمليه .



إن تصوير مرقص كمؤسس للمسيحيه السكندريه عباره عن محاوله لإكساب الكنيسه فى تلك المدينه نسبا أرثوذكسيا , و هو نفس النسب الذى يربطها بقرب من الكنيسه الرومانيه , عمود و أساس الأرثوذكسيه , و بالمصادفه أعطتها منزلة شبه رسوليه .



فإذا كانت مصاحبة مرقص لبطرس أعطت سلطة رسوليه للإنجيل الذى كتبه , فإنها كذلك تعطى نسبا رسوليا للكنيسه التى أسسها .




على الرغم من ذلك , يرد ذكر الأسكندريه فى العهد الجديد كموطن لتلميذ لأحد الرسل و هو " أبولوس " الذى كان صديقا و زميلا لبولس , و الذى بحسب النص الغربى لسفر الأعمال 18 – 25 قد تعلم المسيحيه فى موطنه .



ألم يكن من الممكن أن يكسب أبولوس كنيسة الأسكندريه مقاما رسوليا ؟ بالطبع لا , ربما لأن سفر الأعمال يذكر بوضوح ( أعمال 18 – 24 الى 26 ) أن فهمه للمسيحيه كان ناقصا , بحيث كان من الواجب أن يأخذ بيده بريسكيلا و أكيلا ( عضوين مؤسسين – ربما – للكنيسه الرومانيه ) , و يعلماه طريق الله بأكثر دقه .



لم يكن كل السكندريين غنوصيين أو سائرين نحو الغنوصيه , أن الرساله الى العبرانيين و رسالة برنابا ربما كتبا بواسطة مسيحيين من الأسكندريه , و لا يوجد على أى منهما مظهر غنوصى .




إن رسالتنا ( يقصد الرساله المنسوبه لكليمنت و التى يزعم أنه أرسلها ل " ثيودور " ) لا تقول أن مرقص أسس كنيسة الأسكندريه , بل تقول أن مرقص جاء الى الأاسكندريه بعد استشهاد بطرس ( و ليس قبل ذلك بعدة سنوات كما يقول يوسيبيوس ) و أكمل هناك النشاط الأدبى الذى كان قد بدأه فى روما .




إن هذه صورة أقدم من القصه تحكى صلته مع الأسكندريه و هى أقدم من كلام يوسيبيوس , و لكنها تقدم الأساس للتعليق اللاحق الذى ربما استقاه يوسيبيوس من سجل " سيكستوس يوليوس أفريكانوس " الذى زار الأسكندريه فى الوقت الذى كان فيه ديمتريوس أسقفا و كان فيه " هيراكلاس " خليفة أوريجين قائد المدرسه الدينيه , و ربما تعلم هذه القصة منهما .



************************** انتهت الاقتباسات ******************



بعدما استعرضنا كلام العلماء , نتساءل فى الختام , هل ستظل الكنيسة المصريه تعلم أتباعها أن مرقص هو مؤسس كنيسة الأسكندريه , و هل ستظل تحشو أدمغة تابعيها بتلك الأسطوره ؟


إننى أقول بكل ثقه , نعم ستظل الكنيسه المصريه تروج لتلك الأسطوره , و ما أكثر الأساطير التى تعتمد عليها المسيحيه بشكل عام !!!!!!


و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



______________________________________


(1) Early egyptian Christianity : from its origins to 451 C.E "page 19 and 20



(2) Harnack, The Mission and Expansion of Christianity in the First Three Centuries\2, 2 (ET by J. Moffatt from the 2nd German edition of 1906; London: Williams and Norgate, 1908): 158f. The material of this second edition is revised and extensively supplemented in the 4th German edition (Leipzig, 1924); ).



(3) فالتر باور فى كتابه " الأرثوذكسيه و الهرطقه " فى الفصل الخاص ب " مصر " .



(4) بروس ميتزجر فى كتابه " قانون العهد الجديد " صفحة 224


(5) (cf.
C. H. Roberts, ‘The Christian Book and the Greek Papyri,’ JTS 50 [1949], pp. 155ff.; L.
W. Barnard, ‘St. Mark and Alexandria,’ HTR 57 [1964], pp. 145ff.).



(6) ف . ف . بروس فى كتابه " انجيل مرقص السرى " صفحة 14 و 15 و 16