تفضلى يا ضيفتنا الفاضلة حوار مع رئيس دير سانت كاترين شخصيا

رئيس دير سانت كاترين في أول حديث صحفي.. اختص به " الجمهورية":

الرهبان مصريون 100%..والتبعية للكنيسة اليونانية مذهبية فقط
علاقتنا قوية بالبدو.. بعيداً عن تبادل المنافع والمصالح
نحتفظ بمفتاح مسجد الدير.. لحمايته كأثر تاريخي
رفضت طلباً لبابا الفاتيكان السابق بإقامة صلاة داخل كنيستنا
"أجراس الأحد".. تؤكد الرؤية المستنيرة ل " الجمهورية"
حوار: ياسر إمام

قليل الكلام رغم اتقانه لثلاث لغات. متعته تكمن في الزهد والعمل.. يعشق التأمل والانعزال لأيام طويلة في تعبد ومناجاة.. قضي 63 عاماً في خدمة الدير.. يعرف معظم أبناء بدو المدينة ويعرفه كذلك الجميع.. يلقبه السكان المحليون بالرجل الكبير والمطران.. وهو بالإضافة إلي ذلك أمين علي أقدم كنوز العالم المسيحي.. يزور ديره يومياً المئات من الأجانب. تراهم داخل الكنيسة محتشمين باكين وكثيراً ما تراهم منبهرين من الجمال الطاغي للرسومات والأيقونات. يتولي إدارة هذا المكان المقدس باقتدار. لا أحد يستطيع أن يتخطي النظام. الزيارة بميعاد.. الصلاة لا تؤخرها أي أسباب. له صداقات شخصية بالعديد من الملوك ورؤساء الدول الذين زاروا الدير والتقوا به وشملهم بكرمه الكبير.. كان له موقف تاريخي مع بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني عندما زار الأخير الدير عام 2001
وأثارت الكثير من الصحف الخاصة والحزبية لغطاً حول تبعية الدير الروحية وعن رفع علم اليونان فوق الدير وعن نشاط الدير التوسعي في المنطقة المحيطة به وضمه آلاف الأفدنة له. كما امتد الجدل ليشمل مصير المسجد الأثري الموجود أمام الكنيسة وما تردد حول تعرضه للإهمال.
إنه الأنبا دميانوس رئيس دير سانت كاترين الذي كان يؤثر الصمت لأسبابه الخاصة. ولأن ظهوره قليل ومقابلته صعبة لطبيعة مهمته الخاصة. فضلاً عن مشاغله الكثيرة .. تأتي أهمية هذا الحديث. حيث طلبنا بإلحاح مقابلة الأنبا دميانوس الذي رحب بنا ما إن سمع باسم جريدة "الجمهورية" وابتسم قائلاً: مرحباً بصاحبة "أجراس الأحد".. فكان حواراً بلا حدود أجاب فيه ولأول مرة عن تساؤلات ظلت كثيراً بلا أجوية.

* في البداية سألت الأنبا دميانوس: إلي أي ولاية يتبع دير سانت كاترين ورهبانه وهل تغير الإشراف علي الدير من الكنيسة الروسية إلي الكنيسة اليونانية؟
** أجاب: دير سانت كاترين مصري مائة بالمائة. فالقديسة كاترين كانت مصرية من الإسكندرية. ورئيس الدير يمنح الجنسية المصرية بقرار جمهوري. إلا أن معظم رهبانه من اليونانيين. وللدير خصوصية واستقلالية يعرفها مسيحيو العالم وخاصة طائفة الروم الأرثوذكس. والدير يتبع الكنيسة اليونانية من حيث المذهب منذ البداية. ولم يكن للكنيسة الروسية أي وصاية عليه. ونحن نعتبر السياح الروم الأرثوذكس من الروس الذين يتوافدون علي الدير ضيوفا. كما أن كنيسة سانت كاترين تتبع كنيسة القدس من الناحية الروحية.

* هل نفهم من تبعية الدير للكنيسة اليونانية صدق ما يتردد حول رفع العلم اليوناني وإعطاء الزوار اليونان ميزات في تجاوز أوقات الزيارة والدخول بدون تصريح أو تفتيش؟
** قال الأنبا دميانوس: إن تبعية الدير للكنيسة اليونانية مذهبية عقائدية فقط وليست سياسية. لأن الدير مصري علي أرض مصرية ورئيسه مصري. ويعتبر جميع الرهبان أنفسهم مصريين 100%. وأصغر راهب قضي ما لا يقل عن 40 عاماًَ بالدير. كما أن القوانين الدينية تقضي بأن يحيا ويموت ويدفن في الدير أي في مصر.. فكيف يدعي علينا المغرضون أننا نرفع العلم اليوناني فوق الدير وما يحدث أنه أثناء زيارة أي رئيس يوناني للدير نقوم برفع العلم المصري بجوار علم الدولة الضيف. بالإضافة إلي العلم الخاص بالدير والذي يحمل حرفي AR وهي رموز من اسم القديسة كاترين باللغة اليونانية. وأؤكد أنه لا توجد لدينا أي استثناءات لأي جنسية لا لليونان ولا غيرها لأننا رجال دين نعرف معني العدل في التعامل مع الشعوب. ويعلم الجميع مدي صلابتنا في الالتزام بالمواعيد والنظم المتبعة منذ عقود طويلة والتي نستهدف من تطبيقها الحفاظ علي الطابع الديني ورسالة الدير الدينية وعدم تحويل الدير إلي منشأة سياحية مع السماح للسياح بالزيارة وأداء الصلوات والتمتع بروحانيات الدير ويساعدنا علي تحقيق ذلك شرطة السياحة وإدارة الدير وهيئة الآثار.

طلب بابا الفاتيكان
* هل صحيح إنك رفضت طلباً لبابا الفاتيكان الراحل بإقامة الصلاة داخل كنيسة الدير فاضطر أمام إصراركم لإقامته بالخارج تحت الأشجار؟
** نعم حدث ذلك عندما جاء لزيارة دير سانت كاترين في عام 2001 تقريباً وقدمنا له واجب الضيافة المطلوب كضيف. وعندما طلب مني إقامة الصلاة داخل الدير رفضت رفضاً قاطعاً لأن البابا يعرف جيداً أن مذهبنا مختلف وأن هناك قوانين كهنوتية تمنع ذلك وتحفظ لكل طائفة خصوصيتها. كما أن الدير له استقلالية ولا يخضع للباباوية.. واستجاب البابا لذلك وقام بالصلاة في حديقة الدير تحت أشجار الزيتون. ولو كرر البابا بنديكت الطلب ستكون إجابتنا بالرفض. لأن مواقفنا ثابتة ومعروفة ونابعة من عقيدتنا.

* أثارت بعض الصحف ضجة حول غلق المسجد الواقع داخل الكنيسة ومنع إقامة الصلاة فيه واتهموكم بالتوسع والسيطرة علي الأراضي الواقعة حول الدير فما حقيقة ذلك؟
** نعم مفتاح المسجد في حوزة رهبان الكنيسة كما أننا قمنا منذ فترة بعمل ترميمات لإصلاح بعض أجزائه بمعرفة وإشراف الآثار ونعتبر المسجد جزءاً أساسياً من مكونات الدير ونعتز به لأنه يجسد قمة التفاهم بين المسلمين والمسيحيين داخل الوطن ويضرب أروع الأمثلة أمام آلاف السياح من كل ربوع الأرض علي روعة الشعب المصري وأصالته وحضارته المبنية علي التفاهم والمحبة وينفي مزاعم المروجين لأفكار صراع الحضارات والأديان.وقد اضطررت مؤخراً أن أحمي المسجد الذي يحتوي علي المنبر الخشبي النادر والذي يرجع تاريخه إلي عصر الدولة الفاطمية من أي تلف فقللنا من كثافة الزيارة التي تعد بالمئات يومياً ونقوم بتنظيفه عن طريق العمال البدو أسبوعياً ونفتحه لأي وفود مسلمة للزيارة والصلاة بداخله. وآخرهم وفد أبوظبي الذي زاره وصلي فيه منذ أسابيع. كما أن هناك تخوفاً من أن يسيء بعض المسلمين التصرف كأن تحدث مناوشات أو احتمال حدوث أي مشاكل من بعض المتهورين مما يمكن أن يسيء لصورتنا كمصريين أمام سياح العالم وقد ساعد بناء مسجد حديث بالقرب من الدير في توفير البديل خاصة أن المسجد الأثري صغير.. أما ما يخص توسعات الدير في الأراضي المحيطة فذلك الأمر عار من الصحة لأن حدود الدير تاريخية وسوره أثري. وأراضيه محددة بخرائط أثرية ومعروفة منذ زمن بعيد وتعلمها هيئة الآثار المتواجدة داخل الدير والمسئولة عن الدير كأثر ولا يستطيع أحد أن يغير من معالم أو حدود الدير لأن المنطقة كلها تعد محمية طبيعية ومسجلة بهيئة اليونسكو كمنطقة تراث طبيعي عالمية.

كنوز تاريخية
* يقال إن الدير لديه كنوز لا تقدر بثمن أهمها المكتبة.. ما صحة ذلك وكيف يتم الحفاظ عليها؟
** يمتلك الدير كنوزاً عظيمة من التحف والمقتنيات أهديت للدير من ملوك وملكات وأعمال تاريخية وأثرية جمعت منذ سنوات وعرضت بمتحف صمم علي أحدث مستوي وبأعلي تقنية تكنولوجية يراها جميع زوار الدير خلال جولتهم به. وهي تحكي تاريخ الدير عبر العصور ومنها الوثائق والعهد المحمدي وهو كتاب رسول الإسلام المختوم بختمه الشريف والذي كان بمثابة الدرع الحامي للدير من أي ضرر وعهد أمان منحه لرهبان الدير وقد حفظ هذا العهد الدير والكنيسة من التخريب الذي تعرضت له الأديرة والكنائس في بعض فترات الحكم الإسلامي. إذ يعتبر دير سانت كاترين الأثر المسيحي الأقدم والأكمل علي مستوي العالم. أما المكتبة فهي الثانية من حيث الأهمية بعد مكتبة الفاتيكان إذ تحتوي علي آلاف الكتب الدينية والأناجيل والوثائق والمخطوطات النادرة .

خدمات للسكان
* ما سر العلاقة القوية التي تربط السكان المحليين من بدو المدينة المسلمين بالدير وهل شعبيتك الكبيرة بالمنطقة تأتي من المساعدات التي يقدمها الدير لأسر البدو شهرياً؟
** صحيح أن هناك ارتباطاً كبيراً وقديماً مع بدو المنطقة وكان لهم دور تاريخي في حماية الدير من أي مخاطر. وتطورت العلاقة إلي تعايش تام مع جميع القبائل البدوية المسلمة حيث يوظف الدير 125 بدوياً مؤمنا عليهم ويؤدون أعمالهم المختلفة داخل الدير بشكل يومي. كما أن الدير خصص نسبة 30 في المائة من دخل صندوق التبرعات والنذور لتوزيعه علي الفقراء والمحتاجين من البدو شهرياً بما يقرب من 1000 أسرة فقيرة. ونقدم خدمات يومية لجميع السكان المحليين من كشف وعلاج داخل عيادة الدير التي يشرف عليها طبيب متخصص بعد أن كنت أقوم بالكشف بنفسي علي المواطنين لأن لدي علماً بالطب الذي درسته في شبابي لكن مع تقدم العمر وزيادة المهام والمسئوليات عينت طبيباً متخصصاً. لكني أري السبب وراء حب الناس لي في منطقة كاترين أنني قضيت حتي الآن 63 عاماً إلا شهراً واحداً أعيش بين ظهرانيهم فأنا أعرف الأجداد والآباء والأبناء وشاركت في خدمتهم ولدي رصيد من التعامل الحسن والعلاقات القوية جداً بالعواقل والمشايخ كما أن الدير برهبانه عبر تاريخه الطويل لم يشهد أي توترات مع البدو أو غيرهم ولو كانت العلاقة مبنية علي المصلحة لحدثت اختلافات كثيرة لأن أهل المصالح والعلاقات النفعية حتما يختلفون وهو ما لم يحدث عبر التاريخ الطويل كما أن لدينا علاقة ممتازة مع القيادات التنفيذية والأمنية بالمحافظة..

* أخيراً أود أن تخبرني عن سبب ترحابك بلقاء "الجمهورية" رغم عزوفك عن اللقاءات الصحفية؟
** هذا صحيح.. أنا لا أحب كثرة الكلام ولا يشغلني كثيراً ما قد تكتبه بعض الأقلام غير الجادة. لكنني رحبت بلقاء الجمهورية لأن لها جمهورا عريضا ولأنها أيضا جادة وصاحبة مصداقية وقد سبقت الجميع بتخصيصها صفحة تتناول أخبارا وتعرض أحوال نصف المجتمع وهي إشارة يلتقطها الأذكياء علي إدارة الجريدة الواعية والمستنيرة. ويسعدني أن ألتقي بالناس عبر أجراس أحدها وستكون الجمهورية بوابة الدير لعرض أية أمور ونرحب بها بالدير لتنقل للمصريين صورة قريبة عن كنوز وتراث أحد ميراثهم التاريخي الفريد.