الحمد لله وبعد :

فتوى الشيخ العثيمين - رحمه الله -

السؤال

هل سنة الجرح والتعديل ماتت؟ وما حكم الرد على المخالف بغض النظر عن شخصيته ؟

الجواب :

أنا أخشى أن تكون هذه كلمة حق أريد بها باطل، الْجَرح والتعديل لَم يَمُت ولَم يدفن ولَم يُمْرض ولله الحمد، هو قائم، الْجرح والتعديل يكون في الشهود عند القاضي، يُمكن يجرحون الخصم ويطلب منهم البينة، ويكون أيضا في الرواية، وقد سمعنا قراءة إمامنا قول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) .
فالْجَرح والتعديل لا يزال باقيًا ما دَام نوع الإنسان باقيًا، ما دام نوع الإنسان باقيًا فالْجَرح والتعديل باقيًا.
لكن أنا أخشى أن يقول قائل: إن هذا الإنسان مجروح وليس بمجروح فيتخذ من هذه الفتوى وسيلة لنشر معايب الخلق.

ولهذا أقول: إذا كان في شخص عيب ما، فإنْ اقتضت الْمصلحة أو الْحاجة، أو الْضرورة إلى بَيانه. فلا بأس به، لا بأس منْ بيانه، ولكن الأحسن أن يقول : بعض الناس يفعل كذا ، بعض الناس يقول كذا، لسببين:

السبب الأول: أن يسلم من قضية التعيين.

والسبب الثاني: أن يكون هذا الْحكم شاملا له ولغيره.

إلا إذا رأينا شخصًا مُعينًا قد فُتِنَ الناس به، وهو يَدْعو إلى بِدْعة أو إلى ضَلالة، فَحِينئذ لا بدّ منْ التّعيين حَتى لا يَغترّ الناس به." اهـ

حكم التعيين في ذكر عيوب الآخرين

http://islamancient.com/documents,cat,357.html


كلام الألباني - رحمه الله - وشهادته لشيخ ربيع حفظه الله بأنه حامل لواء الجرح والتعديل

قال - رحمه الله - :"في شريط (الموازنات بدعة العصر للألباني) بعد كلامٍ له في هذهالبدعة العصرية :

((وباختصار أقول: إن حامل راية الجرح والتعديل اليوم في العصر الحاضروبحق هو أخونا الدكتورربيع،والذين يردون عليه لا يردون عليه بعلم أبداً،والعلم معه، وإن كنت أقول دائماً وقلت هذا الكلام له هاتفياً أكثر من مرة أنه لو يتلطف في أسلوبه يكون أنفع للجمهورمن الناس سواء كانوا معه أو عليه، أما من حيث العلم فليس هناك مجال لنقد الرجل إطلاقاً، إلا ما أشرت إليه آنفاً من شئ من الشدة في الأسلوب، أما أنه لا يوازن فهذاكلام هزيل جداً لا يقوله إلا أحد رجلين: إما رجل جاهل فينبغي أن يتعلم، وإلا رجل مغرض، وهذا لا سبيل لنا عليه إلا أن ندعو الله له أن يهديه سواء الصراط))اهـ .

قلت : فمادام أن الألباني رحمه الله قد سمى الشيخ بهذا اللقب فهو يرى صحة إطلاق هذه الألفاظ في زمننا على بعض العلماء الذين تصدروا للرد على أهل البدع لكن لننظر إلى تواضع الشيخ ربيع - حفظه الله فقد قال :

"شيخنا الفاضل: لماذا اخترتم منهج الجرح والتعديل طريقًا مع أنّه في نظر كثير من الدعاة والمصلحين يَعدُّونه سببًا في تفكّك الأمّة وسبيلاً إلى بغض مَن ينحو هذا المنحى، محتَجِّين بأنّ زمن الجرح والتعديل قد انتهى مع زمن الرواية؟

الجواب:

أنا لم أختر منهج الجرح والتعديل، إنّما أنا ناقد، رأيتُ بدعًا كثيرة وضلالاتٍ وطوامًّا تُلصَق بالإسلام، فبذلتُ جهدي، وفي حدود طاقتي، مع عجزي وضعفي لنفي هذا الباطل عن الإسلام الذي أُلصق به ظلمًا وزورًا، لأنّ البدع والضلالات والانحرافات من دعاة ينتمون إلى الإسلام لا سيما في عهد الغلوّ والإطراء، يعني تُلصق بالإسلام وتُنسب إلى الإسلام فعملتُ هذا لنفي هذا الباطل عن الإسلام.
سُمِّيَ جرحًا أو تعديلاً أو سُمِّيَ ما سُمِّي، أنا ما أجرِّح إنّما أنتقد كلامًا باطلاً، وأبيِّن منافاته للإسلام ـ بارك الله فيك ـ بالأدلّة والبراهين، ومخالفاته للعقائد، ومخالفاته للمنهج الإسلامي، أبيِّن هذه الأشياء التي تُعتبر فقهًا في باب العقيدة والمنهج ـ بارك الله فيكم ـ.
سَمَّى بعض الناس ذلك جرحًا وتعديلاً، طبعًا قد يدخل شيء من الجرح والتعديل خلال هذا النقد.
فأنا ما أُسمِّي نفسي مجرِّحًا معدِّلاً، إنّما أُسمّي نفسي ناقدًا، ناقدًا ضعيفًا مسكينًا، وما دخلتُ بحبوحة هذا النقد ـ بارك الله فيك ـ إلاّ لأنّ الناس انصرفوا إلى أشياء أخرى من جوانب الإسلام يخدمها الإسلام.
وهذا يُيَسَّر وكلّها خدمات تؤدّي إلى رفع راية الإسلام وإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى.
هذا يَتّجه إلى باب النقد، وذاك يتجه إلى تصحيح الأحاديث ولا نلوم هذا ولا ذاك.
هذا من فروض الكفايات، إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقين، فهذا يقوم بالفرض في هذا الجانب ـ الفرض الكفائي ـ وهذا يقوم بالفرض الكفائي في هذا الجانب، فهذا يؤلّف في العقيدة، وهذا يؤلف في السنّة، يُصحِّح ويُضعِّف، ويَتفقَّه، والنتيجة كلّها يُكمِّل بعضها بعضًا.
والقول بأنّ التبليغ والإخوان والجماعات هذه يُكمِّل بعضهم بعضًا
. هذه مغالطات وخطأ، خطأ ممن يُنسب إلى المنهج السلفي، ومغالطات من أهل الأهواء والضلال، فإنّ البدعة لا تُكمِّل الإسلام أبدًا.
فإذا كان هذا جنَّد نفسه لرفع راية البدع ونصرتها والدعوة إليها، والآخر مثله، والآخر مثله، فإنّ هذه لا نرى إلاّ أنّها هدم للإسلام، ولا تُكمِّل من الإسلام شيئًا وإنّما تنقِّصه وتشوّهه
وقوله: انتهى عهد الجرح والتعديل هذا كذب، ما انتهى منهج النقد إلى يوم القيامة، ومنهج الجرح والتعديل لم ينته إلى يوم القيامة، ما دامت توجد البدع وتوجد الشعارات الضالّة، ولها دعاة وأئمّة ضلال لم ينته إلى يوم القيامة، وإنّه لمن الجهاد بل أفضل من الضرب بالسيوف

وعهد الرواية انتهى في القرن الثالث فلماذا ابن تيمية رفع راية النقد وراية الجرح والتعديل؟! وهكذا الذهبي وابن القيم وابن كثير وابن حجر وإلى آخره وإلى يوم القيامة.
ما دام هناك صراع بين الحقّ والباطل، وبين الهدى والضلال وبين أهل الحقّ والباطل وبين أهل الهدى والضلال، فلابدّ من سلِّ سيوف النقد والجرح والتعديل على أهل الباطل. وهم أخطر من أهل الرواية، وأولى بالجرح من الرواة الذين يخطئون شرعًا وعقلاً.

هؤلاء يخترعون بدعًا ويتعمّدون بثَّها في صفوف المسلمين باسم الإسلام.
وأمّا الرواة فالكذابون قليلون ومحصورون، والبقية أناس طيبون يخطئون فما سكتوا عنهم.

فإذا كان قد انتهى عهد الرواية فعهد النقد لم ينته، نقد أهل البدع وتجريحهم، وبيان ضلالهم وخطورتهم، وهذا مستمر إلى يوم القيامة وهو جهاد"


كلام الشيخ ربيع حفظه الله في استمرار الجرح والتعديل

قال حفظه الله :"والجرح والتعديل هم أئمته وهم مرجع علماء الأمة فيه من مفسرين وفقهاء وهم الذين تصدوا لأهل البدع فكشفوا عوارهم وبينوا ضلالهم من خوارج وروافض ومعتزلة ومرجئة وقدرية وجبرية وصوفية , ولا يزالون قائمين بهذا الواجب العظيم , ولا يزال باب الجرح والتعديل قائماً ومفتوحاً ما دام هناك أهل حق وأهل باطل وأهل ضلال وأهل هدى , ولا يزال الصراع قائماً بين الطائفة المنصورة ومن خالفها من أهل الضلال ومن خذلها , " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خلفهم حتى يأتي أمر الله ".

ومن قال : إن باب الجرح والتعديل قد انتهى فقد غلط غلطاً كبيراً , ولا تزال أقلام أهل السنة تتدفق بنقد وبيان حال أهل البدع من روافض وخوارج ومعتزلة وصوفية وأشعرية , وأحزاب منحرفة , وبيان بدعهم وضلالاتهم "

من مقالة بعنوان: أئمة الحديث ومن سار على نهجهم هم أعلم الناس بأهل الأهواء والبدع ومشروعية الجرح والتعديل من الأكفاء لم تنقطع.

ومما يدل على استمرار الجرح والتعديل إلى قيام الساعة :

جرح الشهود من قبل القاضي إذا رأى ما يؤدي إلى جرحهم .

من يقول بأن الجرح والتعديل قد انقطع فهذا لازمه انقطاع سلسلة التحديث خاصة واننا نعلم أن هناك أسانيد تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنجد قراء القرءان لهم أسانيدهم وهناك أحاديث لها أسانيدها من عصرنا الحاضر إلى زمان النبي صلى الله عليه وسلم فإذا انقطع الجرح والتعديل فكيف نعرف صحة تلك الأسانيد ؟

ومما يدل أيضا على استمرار علم الجرح والتعديل أن الرجل يمكنه أن يبتدع مهما اختلفت مرتبته في العلم والبدعة من أقوى أسباب الجرح وبالتالي استمرارية الجرح والتعديل .

ومما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات : 6]

فالاية تثبت استمرارية الجرح خاصة وأن الفاسق يدخل فيها : الكذاب والمتهم بالكذب والمبتدع وغيرها .

ومما يجدر التنبيه عليه أن هناك من العلماء من قال بانقطاع الجرح والتعديل وهذا لا يناقض ما قدمناه لأن :

لكل علم مصطلحاته ومفرداته فالعلماء الذين قالوا بانقطاع الجرح والتعديل في زمننا يقصدون من ذلك أن الألفاظ هذه لا تطلق إلى في علم الحديث وتدوين علم لحديث قد توقف لكنهم يستعملون ألفاظا أخرى كالتزكية والثناء , والنقد والتحذير .

ومما يجدر التنبيه عليه أيضا أن كل العلماء السلفيين متفقون ومجمعون على التحذير من المخالف - حسب درجة المخالفة كفر او بدعة او فسق - وينصحون الناس في ذلك وبالتالي لا مشاحة في الإصطلاح فنقول : جرح وتعديل أو نقد وتزكية لا فرق مادامت النتيجة واحدة وهي :

إن كان الرجل مبتدعا فالعلماء الذين يستعملون لفظة الجرح والتعديل فيقولون هو مجرّح أو مجروح ومن يستعمل لفظة التحذير والنقد يقولون هو محذّر منه وينهون عن اخذ العلم عنه وهكذا .فالنتيجة واحدة .