بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


حقوق الإنسان في التاريخ الإسلامي



د. عبدالله محمد السهلي


تتناول الدوائر السياسية في الغرب, ومن ورائها الآلة الإعلامية بوسائلها المختلفة ملف حقوق الإنسان بدرجة عالية من الاحترافية, لاسيما وقد ارتدت ثوب المُبشر بها، والمنقذ من ويلات انتهاكها, يتم هذا التبشير بحقوق الإنسان من خلال سياسة إعلامية تؤدلج الحقوق برمتها وتصبغها بمكافيليتها وبراجماتيتها, هذه السياسية يقابلها في عالمنا الثالث خطابان وبطبيعة الحال سياستان, الخطاب الانهزامي الذي نسمعه هنا وهناك بأصوات لا يخفانا لحنها, تحت ذرائع مختلفة منها ضغط الواقع المُعاش في بعض الأقطار الإسلامية أو غيرها, والخطاب الثاني الخطاب المُدافع عن حقوق الإنسان, وهذا الخطاب برغم سلامة مقصده إلا أنه يستبطن اللغة الاعتذارية التي يحتاج أصحابها بالفعل إلى جُرعةٍ كبيرةٍ من الثقة بالذات والمنهج.

إن الحديث عن حقوق الإنسان هو نوع من أسلمة المؤسلم وتأصيل المؤصل, وإن من نافلة القول إن الإسلام جاء نصاً وروحاً من أجل الإنسان هذا على مستوى النظرية، أما على مستوى التطبيق فلم يعرف التاريخ عبر مسيرته البشرية الطويلة حفظاً للإنسان وحقوقه أكثر من حفظها في كنف الإسلام ومحضن الدولة الإسلامية منذ عهد السيرة النبوية فالخلافة الراشدة حتى تتابع الدول الإسلامية بعدها, أقول هذا لأن هناك من يُنظرّ، ويعيد ويكرر أن حقوق الإنسان انتهت بانتهاء عصر الخلافة الراشدة، وهذا الكلام هو في حقيقته نوعٌ من الافتراء، تكذبه حقائق التاريخ، متى ما درست بتجرد وإنصاف دراسة متأنية مقارنة، يشهد بهذا المؤرخون المحققون من المسلمين، والمنصفون من الأعداء ـ والفضل ما شهدت به الأعداء، يقول جوستاف لوبون: فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ولا دينا سمحا مثل دينهم. ويتحدث عن صور من معاملة المسلمين لغير المسلمين فيقول: وكان عرب إسبانيا إضافة إلى تسامحهم العظيم يتصفون بالفروسية المثالية فيرحمون الضعفاء ويرفقون بالمغلوبين ويقفون عند شروطهم وما إلى ذلك من الخلال التي اقتبستها الأمم النصرانية في أوروبا منهم أخيرا.

ويقول المستشرق دوزي: ''إن تسامح ومعاملة المسلمين الطيبة لأهل الذمة أدى إلى إقبالهم على الإسلام وأنهم رأوا فيه اليسر والبساطة مما لم يألفوه في دياناتهم السابقة''.

ويقول المستشرق ديورانت: ''لقد كان أهل الذمة المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرا في البلاد المسيحية في هذه الأيام''.

كما يورد فيليب حتى في كتابه (تاريخ العرب المطول) شهادته يقول ''وأقام الذميون في مزارعهم ومنازلهم الريفية، وتمسكوا بتقاليدهم الثقافية، وحافظوا على لغاتهم الأصلية؛ فكانت لهم الآرامية والسريانية لغة في سورية والعراق، والإيرانية في فارس، والقبطية في مصر... وفي المدن تقلد النصارى واليهود مناصب مهمة في دوائر المال والكتابة والمهن الحرة، وتمتعوا في ظل الخلافة بقسط وافر من الحرية، ونالوا كثيراً من التساهل والعطف'', بل نجد من اليهود والنصارى من تقلد مناصب قيادية وحقائب وزارية مثلا منهم عبدون بن صاعد.. وكان للمتقي وزير نصراني، كما كان لأحد بني بويه وزير آخر. أما المعتضد فقد جعل في المكتب الحربي لجيش المسلمين رئيساً نصرانياً.

ولقد لقي اليهود من محاسن المسلمين فوق ما لقيه النصارى وقد وجد المقدسي سنة (985م) - كما يذكر عماد الدين خليل - أن أكثر الصيارفة وأرباب البنوك في سورية يهود، وأكثر الكتبة والأطباء نصارى. ونرى في عهد عدد من الخلفاء منهم المعتضد أنه كان لليهود في الدولة مراكز مهمة. وكان لهم في بغداد مستعمرة كبيرة ظلت فيها مزدهرة حتى سقوط المدينة. وقد زار هذه المستعمرة بنيامين التطيلي نحو سنة (1169م) ، فوجد فيها عشر مدارس للحاخامين، و23 كنيساً، وأفاض بنيامين في وصف الحفاوة التي لاقاها رئيس اليهود البابليين من المسلمين، بصفته سليل بيت داود النبي - عليه السلام.

ولعلي أختم بمقولة هنري دي شامبون مدير مجلة ''ريفي بارلمنتير'' الفرنسية حيث قال: لولا انتصار جيش شارل مارتل الهمجي على العرب المسلمين في فرنسا لما وقعت بلادنا في ظلمات القرون الوسطى ولما أصيبت بفظائعها ولا كابدت المذابح الأهلية التي دفع إليها التعصب الديني المذهبي، لولا ذلك الانتصار الوحشي على المسلمين في بواتييه لظلت إسبانيا تنعم بسماحة الإسلام ولنجت من وصمة محاكم التفتيش ولما تأخر سير المدنية ثمانية قرون, ومهما اختلفت المشاعر والآراء حول انتصارنا ذاك فنحن مدينون للمسلمين بكل محامد حضارتنا في العلم والفن والصناعة مدعوون لأن نعترف بأنهم كانوا مثال الكمال البشري في الوقت الذي كنا فيه مثال الهمجية''.

بالله عليكم معاشر القراء هل رأيتم ديناً أرحم من الإسلام بالإنسان وأحفظ لحقوقه؟! ثم هل أدركتم مدى جنايتنا على أنفسنا وعلى العالم من حولنا في عدم نشر هذه الإنسانية الرحيمة؟!، ثم هل يدرك الغرب مدى الوحشية والهمجية التي ينتهجها نحو الإنسانية باسم حقوق الإنسان؟! نعم يا هنري دي شامبون نحن نشهد والتاريخ يشهد وأفغانستان والعراق والصومال وفلسطين تشهد مدى همجية الغرب المعاصر وشهوته للقتل والتدمير!

صحيفة الإقتصادية الإلكترونية