فتح الباري بشرح صحيح البخاري

‏قَوْله : ( سُفْيَان ) ‏
‏هُوَ الثَّوْرِيّ . ‏

‏قَوْله : ( عَنْ مَيْسَرَة ) ‏
‏هُوَ اِبْن عَمَّار الْأَشْجَعِيُّ كُوفِيّ ثِقَة , مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث وَآخَر تَقَدَّمَ فِي بَدْء الْخَلْق , وَيَأْتِي فِي النِّكَاح , وَشَيْخه أَبُو حَازِم بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ زَاي هُوَ سَلْمَان الْأَشْجَعِيُّ . وَقَوْله " خَيْر النَّاس لِلنَّاسِ : أَيْ خَيْر بَعْض النَّاس لِبَعْضِهِمْ أَيْ أَنْفَعهُمْ لَهُمْ , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا سَبَبًا فِي إِسْلَامهمْ , وَبِهَذَا التَّقْرِير يَنْدَفِع مَنْ زَعَمَ بِأَنَّ التَّفْسِير الْمَذْكُور لَيْسَ بِصَحِيحٍ . وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق السُّدِّيِّ قَالَ " قَالَ عُمَر : لَوْ شَاءَ اللَّه لَقَالَ أَنْتُمْ خَيْر أُمَّة فَكُنَّا كُلّنَا , وَلَكِنْ قَالَ : كُنْتُمْ فَهِيَ خَاصَّة لِأَصْحَابِ مُحَمَّد وَمَنْ صَنَعَ مِثْل صَنِيعهمْ " وَهَذَا مُنْقَطِع . وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق وَأَحْمَد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِم مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس بِإِسْنَادٍ جَيِّد قَالَ " هُمْ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَهَذَا أَخَصّ مِنْ الَّذِي قَبْله . وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : نَزَلَتْ فِي اِبْن مَسْعُود وَسَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة وَأُبَيِّ بْن كَعْب وَمُعَاذ بْن جَبَل . وَهَذَا مَوْقُوف فِيهِ اِنْقِطَاع , وَهُوَ أَخَصّ مِمَّا قَبْله . وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق مُجَاهِد قَالَ : مَعْنَاهُ عَلَى الشَّرْط الْمَذْكُور تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ إِلَخْ . وَهَذَا أَعَمّ وَهُوَ نَحْو الْأَوَّل . وَجَاءَ فِي سَبَب هَذَا الْحَدِيث مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَابْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق عِكْرِمَة قَالَ : كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ لَا يَأْمَن هَذَا فِي بِلَاد هَذَا وَلَا هَذَا فِي بِلَاد هَذَا , فَلَمَّا كُنْتُمْ أَنْتُمْ أَمِنَ فِيكُمْ الْأَحْمَر وَالْأَسْوَد . وَمِنْ وَجْه آخَر عَنْهُ قَالَ : لَمْ تَكُنْ أُمَّة دَخَلَ فِيهَا مِنْ أَصْنَاف النَّاس مِثْل هَذِهِ الْأُمَّة . وَعَنْ أُبَيِّ بْن كَعْب قَالَ : لَمْ تَكُنْ أُمَّة أَكْثَر اِسْتِجَابَة فِي الْإِسْلَام مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة . أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْهُ . وَهَذَا كُلّه يَقْتَضِي حَمْلهَا عَلَى عُمُوم الْأُمَّة , وَبِهِ جَزَمَ الْفَرَّاء وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ : ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ ) وَقَوْله : ( وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا ) قَالَ : وَحَذْف كَانَ فِي مِثْل هَذَا وَإِظْهَارهَا سَوَاء . وَقَالَ غَيْره : الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : ( كُنْتُمْ ) فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَوْ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى . وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا حَمْل الْآيَة عَلَى عُمُوم الْأُمَّة , وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ بَهْز بْن حَكِيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه " سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة ‏
‏( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) ‏
‏قَالَ : أَنْتُمْ مُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّة أَنْتُمْ خَيْرهَا وَأَكْرَمهَا عَلَى اللَّه " وَهُوَ حَدِيث حَسَن صَحِيح أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ وَالْحَاكِم وَصَحَّحَهُ , وَلَهُ شَاهِد مُرْسَل عَنْ قَتَادَةَ عِنْد الطَّبَرِيِّ رِجَاله ثِقَات . وَفِي حَدِيث عَلِيٍّ عِنْد أَحْمَد بِإِسْنَادٍ حَسَن أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ " .