السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
بسم الله الرحمن الرحيم


قصّة سيدنا اسماعيل عليه السلام




كمال السيد

هاجَر سيدنا ابراهيم من أرض النهرين[1] ، أخذ معه زوجته سارة و ابن خالته سيدنا لوط ( عليه السلام )، ذهبوا إلى مملكة الاقباط ، و هناك أهدى الملك فتاةً اسمها هاجر إلى سارة إكراماً لزوجة خليل الرحمن .
مضى سيدنا إبراهيم إلى فلسطين ، في الطريق و عندما وصلوا إلىقرية " سدوم " على سواحل البحر الميّت أمر سيدنا إبراهيم لوطاً أن يسكن في تلك القرية و يدعو أهلها إلى عبادة الله سبحانه .
أما سيدنا إبراهيم فقد واصل طريقه مع زوجته سارة و الفتاة هاجر إلى أرض فلسطين .
رأى سيدنا إبراهيم وادياً جميلاً تحيطه الراوبي و التلال فالقى رحله هناك .
و منذ ذلك التاريخ و قبل آلاف السنين سكن سيدنا إبراهيم الأرض التي تدعى اليوم بمدينة الخليل .
ضرب سيدنا إبراهيم خيامه في ذلك الوادي الفسيح و ترك ماشيته ترعى بسلام .
كان ذلك الوادي في طريق القوافل المسافرة ، لهذا كان يقصده الكثير من المسافرين فيجدون عنده الماء العذب ، و الطعام الطيب و الكرم و الاستقبال الحسن ، و يجدون عنده الكلمات الطيبة . .
كان سيدنا إبراهيم يتحدث مع ضيوفه ، و كان همّه أن يعبد الناس الله الواحد الأحد لا شريك له و لا معبود سواه .
و تمرّ الايام و الأعوام و عرف الناس إبراهيم الرجل الصالح الكريم . . عرفوا أخلاقه و كرمه و حبّه للضيوف ، عرفوا صلاحه و عبادته و تقواه . و عرفوا حبّه للخير و الناس .

البشرى :
و لكن من يدقق النظر في وجه سيدنا إبراهيم ( عليه السلام )يرى حزناً في عينيه . . لماذا ؟ لان سيدنا إبراهيم يحبّ الاطفال .
كان يتمنّى ان يكون له طفل . .
و ها هو الآن قد أصبح شيخاً كبيراً و أصبحت زوجته عجوزاً و لم يرزقا طفلاً يأنسا به و يملأ بفرحته خيمتهما ، أو يلعب مع الحملان و الخراف .
سارة زوجة سيدنا إبراهيم كانت تحبّ زوجها و لا تريد له أن يحزن ، لهذا قالت له ذات مساء .
ـ أنت تحبّ أن يكون لك أطفال و ذريّة .
قال سيدنا إبراهيم :
ـ انها مشيئة الله و إرادته و أنا راض بذلك .
قالت سارة المرأة الصالحة :
ـ أنا أحب أن يكون لنا طفل نرعاه و . . نحبّه و يحبّنا . .
ـ و لكن !!
ـ يا خليل الرحمن أعرف أنني قد أصبحت عجوزاً و لكن سأهب لك جاريتي هاجر . . تزوّجها فلعلّ الله أن يرزقنا منها أولاداً .
قال إبراهيم :
ـ أنا لا أريد أن تحزني بسببي يا سارة .
ـ لن أحزن يا خليل الرحمن . . سأفرح بفرحك .
و هكذا وهبت سارة جاريتها هاجر إلى زوجها إبراهيم فتزوّج سيدنا إبراهيم . .
و لم تمض تسعة اشهر حتى سُمع بكاء الطفل . . وفرح الجميع بميلاد إسماعيل .

الرحيل :
وهب الله سبحانه إبراهيم ولداً هو إسماعيل . كان طفلاً محبوباً ملأ قلب أبيه فرحاً ومسرَّة . لهذا كان يحتضنه ويقبّله و كان يقضي بعض أوقاته في خيمة أمّه هاجر .
سارة المرأة الصالحة كانت تحبّ سيدنا إبراهيم ، تحبّ أن يفرح زوجها . . و لكنها بدأت تغار من هاجر . هاجر التي رزقت طفلاً أمّا هي فظلّت محرومة .
سارة لا تريد للغيرة أن تأكل قلبها . . لا تريد أن تكره أو تحقد على هاجر بسبب ذلك . .
من أجل هذا قالت لزوجها إبراهيم : انها لا تريد أن ترى هاجر بعد الآن . . لأنها اذا رأت هاجر فستغار منها وتحقد عليها وهي لا تريد أن تدخل النار بسبب ذلك .
الله سبحانه رؤوف بعباده . . كانت سارة محرومة من الأطفال تحمّلت العذاب والهجرة بسبب إيمانها بزوجها إبراهيم و هي صابرة طوال هذه السنين . . ظلّت مؤمنة بربها و برسوله إبراهيم .

إلى البيت العتيق :
و قضت مشيئة ربّنا سبحانه ان يأخذ إبراهيم هاجر و ابنها إسماعيل إلى أرض بعيدة في الجنوب .
امتثل سيدنا إبراهيم لأمر الله فشدّ الرحال إلى مكان مجهول لم يذهب اليه من قبل ..
و سار إبراهيم مع زوجته هاجر ، ومعها إسماعيل الطفل الرضيع سارا أيّاماً طويلة . . و في كل مرّة و عندما يرى سيدنا إبراهيم مكاناً جميلاً أو وادياً معشباً كان ينظر إلى السماء ، كان يتمنّى أن يكون قد وصل المكان الموعود .
و لكن الملاك يهبط من السماء و يخبره باستئناف المسير .
و هكذا كان سيدنا إبراهيم يسير ويسير ومعه زوجته هاجر و هي تحمل طفلها الرضيع .
و بعد أيام طويلة وصلوا أرضاً جرداء عبارة عن وادٍ ليس فيه سوى الرمال ، وبعض شجيرات الصحاري الجافّة .
في ذلك المكان هبط الملاك و اخبر سيدنا إباهيم بانه قد وصل الأرض المقدسة .
نزل إبراهيم في ذلك الوادي . . كان وادياً خالياً من الحياة ليس فيه نهر و لا نبع و لا يعيش فيه إنسان .
إنها إرادة الله أن يعيش الصبي إسماعيل و امّه في هذا المكان .

الوداع :
قبّل سيدنا إبراهيم طفله الوديع إسماعيل . . بكى من أجله .
على إبراهيم أن يعود و يترك هاجر و ابنها في هذا المكان الموحش بكى إبراهيم من أجلها و هو يبتعد عائداً إلى فلسطين .
التفت هاجر حواليها لم تر شيئاً سوى الرمال وسوى صخور الجبال الصماء . . قالت لزوجها :
ـ أتتركنا هنا . . في هذا الوادي الموحش ؟!
ـ لقد أمرني الله بذلك يا هاجر .
كانت هاجر امرأة مؤمنة عرفت ان الله رؤوف بعباده ويريد لهم الخير و البركات .
قالت لابراهيم :
ـ ما دام ان الله قد أمرك فهو كفيلنا و هو يرعانا . . انه لا ينسى عباده .
ابتعد إبراهيم بعد ان ودّع ابنه و زوجته .
وقف فوق التلال و نظر إلى السماء و ابتهل إلى الله أن يحفظهما من الشرور .

الماء ! الماء !
اختفى إبراهيم في الافق البعيد . لم تعد هاجر تراه ، أمّا إسماعيل فلم يكن يعلم ماذا يجري حوله . .
فرشت هاجر لابنها جلد كبش ، وقامت لتصنع لها و لطفلها خيمة صغيرة .
كانت تعمل بكل طمأنينة ، و كأنها في بيتها . . كانت تؤمن أن هناك من يرعاها و يرعى و ليدها . في النهار تجمع بعض الحطب و في المساء توقد النار و تصنع لها رغيفاًً تتعشّى به ، و كانت تسهر معظم الليل و هي تنظر إلى السماء المرصعة بالنجوم .
مضت عدّة أيام و هاجر على هذه الحال . . نفد ما معها من الماء . . لم يبق في القربة حتى قطرة واحدة .
نفد الماء كلّه . . لم تبق منه قطرة واحدة . . الوادي الموحش يملأه الصمت .
راحت هاجر تدير بصرها في جنبات الوادي . . و لكن لا شيء ، ايقنت ان هذه أرض جرداء خالية من الماء . . لم يمرّ بها انسان من قبل و لا يطير في سمائها طائر . .
بكى إسماعيل الطفل الرضيع كان عطشاناً يبحث عن قطرة ماء . . انه لا يدرك ما يجري حوله . .
لا يدري في أي مكان هو في هذه الأرض .
نظرت امّه اليه باشفاق . . ماذا تفعل . .من أين لها أن تأتي بالماء في هذه الصحراء ؟!
فجأة تفجَّرت في قلبها إرادة الأمومة . . لابدّ ان تفعل شيئاً . . لا بد أن يوجد في هذه الأرض ماء و لو قطرة . .
لعل في خلف هذا الجبل غدير أو نبع . . لعل خلف ذاك التلّ بئر حفره إنسان طيّب من أجل القوافل المسافرة .
نهضت هاجر . . نظرت حواليها لتتأكد من عدم وجود ذئب أو ضبع يفترس ابنها الرضيع . . لا شيء سوى شجيرات الشوك هنا و هناك . . ركضت هاجر باتجاه جبل الصفا .
كانت تركض بعزم و أمل و كان هناك خوف في قلبها . . فقد يختطف الذئب صغيرها الظامئ إسماعيل . .
كان صراخ إسماعيل يدوّي في أذنها . .
ارتقت هاجر قمّة الجبل . . فنظرت في الوادي . . رأت ما يشبه تموجات الماء . . انحدرت باتجاه الوادي . .
و لكن لا شيء لم تكن هناك غير الرمال . . لقد كان مجرد سراب ما رأته في قلب الوادي . .
عادت هاجر تركض نحو طفلها إسماعيل . . ما يزال يبكي يصرخ يريد ماءً . . نظرت إلى جبل المروة في أمل . . لعل هناك ماءً . .
راحت تركض باقصى سرعة . . و كانت الرمال تتطاير تحت قدميها . .
تراءى لها ما يشبه الماء . . ركضت . . ركضت . . ركضت . . بسرعة . . و لكن لا شيء سوى السراب . . انقطع بكاء إسماعيل غاب عن بصرها . .
عادت بسرعة . . رأته من بعيد يبكي . . ما يزال يطلب الماء . . و ربّما كان يبحث عن أمّه . . كان خائفاً . .
راحت هاجر تعدو بين جبل الصفا و جبل المروة تبحث عن ماء لوليدها إسماعيل . . سيموت من الظمأ ، سيموت من العطش . . نظرت إلى السماء صاحت من كل قلبها : يا رب :
ارتقت جبل المروة غاب إسماعيل عن بصرها . . انقطع بكاؤه . . خافت هاجر ربّما يكون قد مات . . ربّما افترسه ذئب جائع . .
أقبلت تعدو بكل ما أُتيت من قدرة رأت من بعيد إسماعيل هادئاً كان يحرّك يديه و قدميه و كان هناك نبع قد تفجّر عند قدميه الصغيرتين .
نظرت هاجر إلى السماء و هي تبكي ، لقد استجاب الله دعوتها فتدفق الماء من قلب الرمال . .
أسرعت هاجر لتصنع حوضاً حول الماء . . ليكون فيما بعد بئر زمزم التي يشرب منها الظامئون .

قبيلة جرهم :
شمّت الطيور رائحة الماء فراحت تدور حول النبع سعيدة . .
هاجر فرحت بمنظر الطيور البيضاء و هي تحلق في سماء الوادي .
إسماعيل أيضاً كان سعيداً و هو يراها تلعب في الفضاء .
كان السكان في تلك الصحاري يعيشون حياة الرحّل . . ذات يوم مرّت قبيلة جرهم قريباً من الوادي فرأى الناس طيوراً تحلق في السماء . .
عرفوا أنّ في ذلك الوادي ماءً . . لهذا توجهوا نحوه . .
عندما انحدرت قوافلهم في الوادي شاهدوا منظراً عجيباً لم يكن هناك سوى امرأة مع ابنها الرضيع . .
قالت لهم المرأة : أنا هاجر زوجة إبراهيم خليل الرحمن .
كان افراد قبيلة جرهم أُناساً طيبين . . قالوا لهاجر :
ـ هل تسمحين لنا في السكن في هذا الوادي ؟
السيدة هاجر قالت لهم : حتى استأذن لكم خليل الرحمن .
ضرب أفراد جرهم خيامهم قريباً من الوادي ريثما يأتي سيدنا إبراهيم فيستأذنوه . .
جاء سيدنا إبراهيم و رأى مضارب الخيام . . رأى قطعان الماشية و الجمال لهذا فرح بقدوم تلك القبيلة العربية .
و منذ ذلك الوقت استوطنت قبيلة جرهم الوادي وعاش إسماعيل و هاجر حياة طيبة . .
أفراد القبيلة قدّموا لاسماعيل كثيراً من الخراف ، و ضربوا له و لوالدته خيمة جميلة تقيهم حرّ الشمس في الصيف و تحميهم من المطر في الشتاء . .
كبر إسماعيل و تعلّم لغة العرب . . كان فتى طيباً ورث أخلاق أبيه إبراهيم وتأثَّر بأخلاق العرب الطيبين تعلّم منهم الكرم و الضيافة و الشجاعة و الفروسية .

الكعبة . . رمز التوحيد
الله ربّنا أمر سيدنا إبراهيم ( عليه السلام ) أن يبني بيتاً و مسجداً يكون رمزاً للتوحيد و مكاناً لعبادة الله .
قال سيدنا إبراهيم لولده :
إنّ الله يامرني أن ابني بيته فوق هذا التل الصغير !
لبّى إبراهيم أمر الله و لبى إسماعيل دعوة أبيه إبراهيم لبناء بيت الله .
كان على إبراهيم الشيخ الكبير و إسماعيل الفتى أن ينهضا بهذه المهمة الشاقة .
عليهما أولاً أن ينقلا الصخور المناسبة للبناء من الجبال المحيطة بالوادي .
و كان عليهما أن يجمعا التراب و يوفرا الماء الكافي لصنع " الملاط " اللازم في بناء البيت .
و هكذا بدأ البناء نقلوا أوّلاً الصخور من الجبال المحيطة بالوادي و صنعا حوضاً للماء و جمعا التراب .
كان الفتى إسماعيل يتولّى حمل الصخور . . كان ينتخب الصخور الصلبة لتكون أساساً قوياً في البناء . .
جمع كثيراً من الصخور الخضراء اللون . . ثم صبَّ الماء في حوض التراب ليصنع طيناً لزجاً يشدّ الصخور إلى بعضها .
كان سيدنا إبراهيم يرصف الصخور الخضراء الواحدة بعد الاخرى ليبني أساس البيت . .
أمّا إسماعيل فكان يناول أباه الصخور . .
في كل يوم كانا يبنيان سافاً واحداً ، ثم يعودا في اليوم التالي لبناء ساف آخر و هكذا .
في كل يوم كان البناء يرتفع قليلاً . . و في كل يوم كان إبراهيم و إسماعيل يطوفان حول البناء و يقولان : ربّنا تقبل منّا انك أنت السميع العليم .
ارتفع البناء في الفضاء تسعة أذرع أي ما يقرب من الثمانية أمتار رأى سيدنا إبراهيم فراغاً في زارية البيت العليا .
في تلك الليلة كانت الشهب تتوهّج في السماء و سقط نيزك فوق سفوح الجبال القريبة .
في الصباح انطلق سيدنا إبراهيم إلى الجبل المطلّ على الوادي وقعت عيناه على حجر ابيض مثل الثلج كان حجراً بحجم الفراغ . . لهذا حمله سيدنا إبراهيم و وضعه في مكانه .
انتهى بناء البيت . . بيت الله الحرام ليكون أول بيت يعبد فيه الله وحده لا شريك له .
كان للكعبة بابان باب باتجاه الشرق ، وباب باتجاه الغرب جمع سيدنا إبراهيم نباتاً طيب الرائحة يدعى " الأذخر " فوضعه على الباب ، وجاءت هاجر أم إسماعيل و أهدت إلى الكعبة كساءً


في حفظ الله ورعايته