علاقة الحسن بن علي بمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم

إلى كل من يطعن في الإمام معاوية رضي الله عنه و يسبه و هو ناس وقائع التاريخ وفيه دروس كثيرة يمكن استنباطها من سيرة الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كيف لا، وهو إمام من أئمة المسلمين، وسيد من سادات آل البيت الكرام، تربى في بيت النبوة، وفضائله ومناقبه أكثر من أن تحصى.

وقد علم أنه عندما تنازل عن الخلافة لمعاوية كان ذلك رغبة في حقن دماء المسلمين، وطمعاً بما عند الله من الأجر.

وعلم أيضا أن الصلح الذي أقدم عليه لم يرق للشيعة الذين اتهموه بأنه "مذل المؤمنين"، ذلك أنهم كانوا يريدون استمرار القتال بين المسلمين، وكانوا يرون ما أقدم عليه الحسن هزيمة وانكساراً.

لقد كان واضحاً أن الإمام الحسن تنازل عن الخلافة من موقف قوة لا موقف ضعف كما تزعم الشيعة، حيث كان الحسن رضي الله عنه يقول إن جماجم العرب كانت بيده، كناية عن قوة جيشه، وهو الأمر الذي أكده معاوية نفسه، وكذلك عمرو بن العاص الذي قال: "إني أرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها".

إن هذه السطور تشكل محاولة لمعرفة العلاقة التي سادت بين الحسن رضي الله عنه، وآل البيت من جهة، ومعاوية بن أبي سفيان بعد أن آلت الخلافة إليه، ذلك أن الحسن توفى على الأرجح بعد الصلح بعشر سنين أو أكثر قليلاً، أي أنه أدرك عشر سنوات من خلافة معاوية التي استمرت عشرين سنة (40 ـ 60هـ)، وهي مدة جديرة بالتفكر.

لقد كان تنازل الحسن عن الخلافة وإبرامه الصلح مع معاوية بعد بضعة أشهر من مبايعته ـ أي الحسن ـ فاتحة خير على المسلمين إذ توحدت جهودهم، وسمي ذلك العام عام الجماعة، وعادوا للجهاد والفتوحات.

إن تنازل الإمام الحسن عن الخلافة كان سنة 41هـ بعد عدة شهور من مبايعته ،وقد توفي رحمه الله ـ على الأرجح ـ سنة 51هـ، وقيل سنة 48هـ، وقيل سنة 50هـ. أي بعد 10 سنوات من إبرام الصلح، وهي مدة كافية لاستخلاص العبر التي من شأنها أن تدحض المزاعم بأن الإمام الحسن كان مكرهاً على الصلح، وأن جيشه كان ضعيفاً مقارنة بجيش معاوية.

لقد ترك الحسن الكوفة بعد تنازله لمعاوية، ورجع بمن معه من أصحابه وبني هاشم إلى المدينة النبوية،واستقر بها،وكان الهاشميون محل الإجلال والتكريم عند معاوية،وكانت زعامتهم عند الحسن، وكانت المدينة في تلك الفترة يسكنها عدد كبير من الصحابة والتابعين.

وجاء في سير أعلام النبلاء للذهبي أن معاوية كان في خلافته، فَقِدم عليه الحسن ذات مرة، فقال له معاوية: لأجيزنك بجائزة ما أجزت بها أحداً قبلك، ولا أجيز بها أحداً بعدك، فأعطاه أربعمائة ألف، فقبلها.

وكذلك كانت صلات معاوية مع الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، فقد أمر للحسين بمائة ألف فذهب بها إليه وعنده عشرة فقسمها عليهم عشرة آلاف، وأمر لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب بمائة ألف.

وكان معاوية إذا تلقى الحسن بن علي قال له: مرحباً وأهلاً بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا تلقى عبد الله بن الزبير قال له: مرحباً بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر للحسن بثلاثمائة ألف، وعبد الله بن الزبير بمائة ألف.

وجاء في بعض الروايات بأن معاوية كان دائم الوصل للحسين، ويسارع في تلبية مطالبه وحاجاته، ولقد اعترف الشيعة أنفسهم كما جاء في جلاء العيون للمجلسي والكافي للكليني بعطايا معاوية للحسن والحسين وعبد الله بن جعفر.

وبالمقابل كان أهل الكوفة يبعثون الرسائل باستمرار إلى الحسن ـ بعد خروجه منها ـ هو والحسين، وكانت هذه الرسائل تحمل دعوة لمعارضة الحكم القائم، وتأكيد أحقيتهما بالخلافة، إلاّ أن هذه الرسائل لم تكن تؤثر بالحسن، والعهد الذي عاهد عليه معاوية، كما أنها أعطته انطباعاً وتصوراً واضحا عن أهل التشيع والكوفة، وأنهم لا يريدون وحدة الأمة واجتماع كلمتها.

وكان معاوية يعرف قدر الحسن، فقد قال يوماً لجلسائه: من أكرَمُ أباً وأماً وجدّاً وجدّة وعماً وعمة وخالاً وخالة؟ فقالوا أمير المؤمنين أعلم. فأخذ بيد الحسن بن علي رضي الله عنهما وقال: هذا.(العقد الفريد لابن عبد ربه).

إن مدة عشرين عاماً التي قضاها معاوية في الحكم تشهد بأنها كانت سنوات وحدة واجتماع كلمة المسلمين، ولم يكن الحسن أو الحسين لينكث العهد، ولم تكن العلاقة بين الحسن والحسين وآل البيت، وبين معاوية إلاّ علاقة إيجابية كما مر معنا، أما ما تخيله البعض من صراع آل البيت وبني أمية، فإنه لا وجود له إلاّ في أوهامهم.