.
من بداية خلق سيدنا آدم عليه السلام والشيطان عدو البشرية .

غفل آدم عليه السلام وأغواه الشيطان ليأكل من الشجرة .. وهذه الغفلة الله يُنبه ذرية آدم من بعده : أن الشيطان لن يدعكم .

ثم ينبهنا الحق - سبحانه وتعالى - من خلال هذه القصة إلى أن الشيطان سيأتينا في مقام الطاعة .

فلو أن آدم عليه السلام وزوجته ذهبا إلى هذه الشجرة وأكلا منها ما وسوس لهما .

فهذا دليل على أنهما احتاطا للأمر ، فلم يقربا من الشجرة تنفيذاً لأمر الله ؛ لذلك تدخل الشيطان .

فلو أخذنا (الروشتة ) من خالقنا عز وجل وبمجرد ينزغنا الشيطان نقول :

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لتنبه الشيطان ، وعلم أننا لسنا في غفلة ، وأننا نكشف ألاعيبه ، ونعرف حيله ، وصدق الله العظيم حين قال { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .. الأعراف 200}

وقد وصف الله الشيطان أنه خناس ، يعني : إذا ذُكر الله خنس وتضاءل ، فإن جاءك هذا الخاطر الشيطاني - حتى وإن كنت تقرأ القرآن - قل بجرأة وقوة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .؛ ليعلم أن ألاعيبه لا تخفى عليك فينصرف عنك ، أما أن تخضع له فإنه يعطيك فقط طرف الخيط ، ويفتح لك باباً يشغلك به ، ثم يتركك أنت (تكُرُّ) هذا الخيط من نفسك ويذهب هو (يستغفل) واحداً غيرك .

والشيطان رغم علمه ، إلا أن فيه تغفيلاً بدليل أن أعلن عن خطته ، وأظهر لنا مكايده قبل أن يكيدنا بها .

فقال : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ... الأعراف16}
وقال: { لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ... الأعراف17}

فالذي يدبر المكايد ويتآمر على غيره لا يعلن عن مكايده مُقدماً ، ونحن أيضاً كان علينا أن نحذر هذه المكايد خاصة ، وقد أعلن عدونا عنها .

ولك أن تلاحظ في خطة إبليس لعنه الله أنه يأتيك من جهاتك الأربع ، ومعلوم ان الجهات ست ، فلماذا لم يذكر فوقنا وتحتنا ؟

قالوا : لأن هاتين الجهتين محل نظر إلى الله عز وجل ، فالعبد ينظر إلى عز الربوبية في عليائه وذُل العبودية إذا اتجه في سجوده إلى أسفل .

إذن : فأنت في معية ربك في هاتين الجهتين ، والشيطان لا ينال منك إلا وأنت بعيد عن معية ربك . ومثلنا لذلك ؛؛ ولله المثل الأعلى ؛

قلنا : إن الغلام إذا كان يسير في يد أبيه وفي صحبته ، لا يجرؤ أحد من أمثاله على الأعتداء عليه ، وإنما إن سار وحده فهو عُرضة للإيذاء .

وهذا دليل على علم إبليس وعلى ذكائه ، ونلحظ هذا ايضاً في قوله : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 82 إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ 83 ... ص}

كأنه يقول لربه : أنا لا أقترب من عبادك الذين هم في حصانتك وفي معيتك .


والله أعلم

الإمام / محمد متولي الشعراوي .
.