بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، قيوم السماوات السبع والارضين، باعث الرسل صلوات الله وسلامه عليهم الى المكلفين لهدايتهم وبيان شرائع الدين، بالدلائل القطعية وواضحات البراهين. وأصلي وأسلم على رسوله الكريم المبعوث رحمة للعالمين ... عليه وعلى آله و اصحابه افضل الصلاة والتسليم ... ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين ثم اما بعد، ..

لا يختلف اثنان على ان كتب النصارى واليهود قد حرفت ... وشملها التغيير والكتمان والاضافة ... مصداقا لقوله تعالى "أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة : 75]

وقوله سبحانه " مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ " النساء 46

وقوله سبحانه " فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ" المائدة 13

وقوله سبحانه "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ" المائدة 41

وايات اخرى كثيرة اشارت الى تحريف اليهود والنصارى لكتبهم التي استحفظهم الله تعالى عليها ...ولم يقف الامر عند هذا الحد، بل لقد حرف النصارى في كتاب اليهود "التوراة" نصوصا واعدادا مختلفة ... ليصنعوا نبؤات وايات ليس لها وجود الا في عقولهم المريضة ...

وليس هدفنا في هذه الاسطر القليلة البحث في تحريفهم لكتبهم والتدليل عليه، فقد اشبع هذا الموضوع بحثا، انما نريد ان نعرض لمسألة اطلق عليها اتباع هاتين الملتين ما يسمى "بالنقد النصي" ....
والنقد النصي عبارة عن مناهج اتخذها العلماء في محاولة للحصول او الوصول للشكل الاصلي للنص الذي تغير وتحرف بفعل النساخ والكتبة ...هكذا عرفه بارت ايرمان بتصرف ..
ويعني هذا دراسة مخطوطات قديمة تم العثور عليها ومحاولة قرائتها بمناهج مختلفة منها مثلا المقارنة بين مخطوطات مختلفة او اعتماد المخطوطة الاقدم سنا وتقديمها على غيرها .... الخ من هذه المناهج التي لا يعنينا التعرض لها هنا ....

ولقد اثبتت هذه الدراسات التي قام بها هؤلاء التحريف الذي دخل على كتبهم فما كان لهم الا ان اعترفوا به ... واقروا ان هناك تغييرا تم من النساخ على نصوص كتبهم ... فالحمد لله رب العالمين ...
غير ان بعضا ممن أكل الحقد قلبهم ... وبلغ بهم كره الاسلام والمسلمين مبلغا عظيما حاول ان يطبق هذه النظرية على القران الكريم .... والصحيح انه من الصعب تطبيق هذه النظرية على القران الكريم لاسباب كثيرة ... منها مثلا ان الطريقة التي وصل الينا القران الكريم بها تختلف عن تلك التي وصلت بها التوراة والانجيل الى اصحابها .. فالتوراة مثلا استغرق كتابتها الف وستمائة عام وكتبت على يد اناس كثيرين ... والاناجيل الاربعة كتبت ايضا عبر مراحل زمنية متباعدة نسبيا ... فكان للخلاف ما يبرره .. خاصة اذا علمنا تدخل العنصر البشري في النسخ والتغيير والتبديل والاضافة ... اذا فان مراحل كتابة التوراة والانجيل فرضت على الغرب والاوروبيين استخدام النقد النصي تشكيكا في النصوص التي وردت اليهم .. فاكتشفوا تحريف اسلافهم ...غير ان تطبيق نفس المفهوم على القران يختلف للاعتبارات التي رافقت كتابة القران الكريم وجمعه مقارنة مع تلك التي رافقت التوراة والانجيل وطريقة انتقالهما الى اتباع هذين الكتابين .... وهذا ما سيتضح لاحقا باذن الله
وقد قسمت موضوعي هذا الى عدة اقسام اجملها بما يلي:

اولا: نبذة مختصرة عن جمع القران الكريم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعثمان رضي الله عنهم ...
ثانيا: نبذة مختصرة عن الرسم العثماني ونشاة الخط العربي ...
ثالثا: رد شبهات حول نسخ قديمة من القران الكريم كتبت في عصور مختلفة ... والتعليق عليها ....

هذا والله اعلم واحكم وهو الهادي الى سواء السبيل سبحانه ....