لماذا لا يهتم العمالقة باللغة العربية



أعني في العنوان بالعمالقة: الشركات الكبيرة التي تعمل في مجال البرمجيات. ولنأخذ "جوجل" كمثال يوضح لنا عدم الاهتمام؛ إن "جوجل" تحقق أرباحها بشكل أساسي من سوق الإعلانات، وتحقق أرباحا بحجم 1,56 مليار دولار في الربع السنوي الواحد (3 شهور)، بينما سوق الإعلانات العربية مجتمعا يحقق 10 مليون دولارا فقط سنويا!
يمكننا إدراك الفرق إذا نظرنا إلي صفحة "جوجل" العربية، لن نجد في نتائج البحث أي روابط إعلانية إلا نادرا ، بينما سنجد روابط إعلانية في صفحات نتائج أي كلمة نقوم بالبحث عنها بالإنجليزية. سوق الإعلان العربي، يحتل فيه الإعلان الإلكتروني المرتبة رقم (100) بين وسائل الإعلان الأخرى. لتلك الأسباب لم تتجشم "جوجل" وغيرها عناء تطوير محركاتها لتلائم العربية، لأنها لا تهتم (حاليا) بالسوق العربي المحدود، وربما تنتظر لأن يصبح أكثر نضوجا مما يحقق لها الأرباح التي تسعي إليها.
الأسباب اقتصادية بحتة، ثم هناك أسباب تقنية بالدرجة الثانية، فالغرب عندما يريد إنجاز تطبيق إلكتروني يتعلق باللغة العربية، غالبا ما يلجأ للعرب أنفسهم لأنهم أكثر خبرة بلغتهم ذات الخصائص المعقدة والفريدة، ولأن التقنيين العرب نادرون فإن التطبيقات أيضا نادرة، والعمل والبحث في هذا المجال نادر أيضا (مثال: الشركة التي قامت بتطوير المدقق الإملائي Spell Checker العربي لشركة مايكروسوفت هي شركة Coltec المصرية).
وقد حاول الغرب إيجاد حل لندرة الخبرات العربية, وحاولوا إنجاز المهمات بتوظيف بعض الكوادر العربية في شركاتهم، إلا أن محاولاتهم كانت ضعيفة للغاية، يكفي أن تعرف أن خدمة الترجمة إلي العربية التي تقدمها Yahoo و AltaVista قامت بتطويرها شركة Systran الفرنسية الأصل، وعندما تطلب منها ترجمة جملة بسيطة مثل:
"Ahmad went to meet his friend Ali"
تقوم بترجمتها إلى:
"أحمد ذهب أن يلتقي صديقته علي"!!!
وربما ترجع أسباب الضعف في هذه النظم إلى سببين رئيسيين:
أولهما : أن الغالبية من هذه الشركات تقتني نُظما تعمل بصورة جيدة مع اللغات الأوروبية وخاصة الإنجليزية، وعند محاولة انصياع أو تطويع اللغة العربية لهذه النظم تصبح ضعيفة. فالفكر الساذج أنه بذلك قد تم "تعريب" النظام فكرٌ خاطئ؛ يجب أن يقوم المتخصصون من العرب بتطوير مثل هذه النظم بأنفسهم، حتى تُراعى خصائص اللغة العربية الفريدة والمعقدة.
وثاني هذه الأسباب ترجع إلى أن حقل المعالجة الحاسوبية للغات الطبيعية يحتـّم نوعا من التداخل بين مجالين، هما علم الحاسوب وعلم اللغة. لذا فإن طبيعة العمل في هذا الحقل يتطلب تلاحما بين أخصائيي كلّ من المجالين اللذين سبق ذكرهما، مما يوجب عمل الباحثين والمطوّرين واللغويين جنبا إلى جنب؛ وجدير بالذكر هنا أن أبرز المتخصصين ذوي مستوى مرموق في علم اللغة، موجودون في الجامعات العربية. ومن هنا يمكننا أن نستنتج أن أقوى التطبيقات في هذا الحقل سوف تنبع من داخل البيئة العربية.
وبذلك يمكننا أن نعضد حقيقة معروفة وهي أن التكنولوجيا تنبع من البيئة التي تخدمها وأنه لا يمكن أن تـُنقل أو تـُورّد أو تـُستورد؛ فـ "نقل التكنولوجيا" فكر خاطئ لدرجة كبيرة. ومن ثـَمّ فإن أقوى التطبيقات العربية، التي تحتوي على معالجة للغة العربية، وليدة بيئتها العربية.


علاء الدين عبدالله