شريعة ُاللهِ أحقُّ أن تتبعَ أم شريعة ُالغاب ؟
الحمدُ للهِ القائل ِفي محكم ِالتنزيل ِ: ( فلا وربِّكَ لا يُؤمنونَ حتى يُحَكـِّمُوكَ في ما شجرَ بينهُم ثمَّ لا يجدوا في أنفسِـهم حرَجاً مِـمَّا قضيتَ , ويُسلموا تسليماً {65} ) النساء
.
في هذهِ الآيةِ الكريمةِ يبينُ اللهُ تباركَ وتعالى حقيقة ًكلية ًمن حقائق ِالإسلام ِجاءتْ في صورةِ قسم ٍ مُؤكدٍ ، مطلقة ًمن كلِّ قيدٍ .
وليسَ هناكَ مجالٌ للوهم ِأو الإبهام ِ , بأن تحكيمَ رسول ِاللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ هو تحكيمٌ لشخصِهِ. بل هو تحكيمٌ لِشرعَتِهِ ومنهجهِ ، وإلاَّ, لم يبقَ لشريعةِ اللهِ وسنةِ رسولِهِ مكانٌ بعدَ وفاتِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ .
فالآية ُتنفي الإيمانَ بقسم ٍمُغلظٍ عن كلِّ إنسان ٍيرفضُ الإحتكامَ إلى الشرع ِالذي هو القرآنُ والسنة ُوما دلَّ عليهِ القرآنُ والسنة ُأنه دليلٌ , كإجماع ِالصحابةِ والقياس ِ.
بل وأكثرُ من ذلكَ. فإنَّ الآية َتطلبُ عندَ الإحتكام ِإلى الشرع ِأن لا يَشعُرَ المسلمُ حتى بمجردِ الشكِّ بصدق ِالمُخبر, لذلكَ , فإنَّ الشرع َوحدَهُ هو صاحبُ السيادةِ المطلقةِ لكلِّ ما في الحياةِ من عَلاقاتٍ بينَ الناس ِ. وصدقَ اللهُ العليُّ العظيمُ إذ يقولُ ( ألا يعلمُ من خلقَ وهوَ اللطيفُ الخبير{14} ) الملك .
فلا يجوزُ شرعاً رَفضُ جزئيةٍ من الإسلام ِقامَ عليها الدليلُ .
ولا يجوزُ أن نزيدَ عليهِ أو ننسبَ إليهِ ما ليسَ منهُ أبداً .
فقد رُويَ عن الإمام ِجعفرَ الصادق ِأنهُ قالَ : ـ لو أن قوماً عبدوا اللهَ وأقاموا الصلاة َوآتـَوُا الزكاة َ وصاموا شهرَ رمضانَ وحَجُّوا البيتَ ثم قالوا لشيءٍ صَنعَهُ رسولُ اللهِ , ألا صنعَ خلافَ ما صنع !؟ أو وجدوا في ذلكَ حرجاً في أنفـُسِهم لكانوا مُشركين ـ .
لأن ما جاءَ بهِ الرسولُ الكريمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ إنما هو شرع ٌمن اللهِ تباركَ وتعالى ، لأن الأمرَ بطاعةِ اللهِ ورسولِهِ ، هوَ أمرٌ بوجوبِ ــ إتباع ِالكتابِ والسنةِ ــ ولذلكَ فإن كلَّ مَن ِأتهمَ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أو عزَفَ عن حكمهِ لغيرهِ معتقداً بهِ فهوَ كافر .
وقولـُهُ تعالى : ( فإن تنازعتم في شيءٍ فرُدُّوهُ إلى اللهِ والرَّسُول ِإن كنتم تؤمنونَ باللهِ واليوم ِالآخر, ذلكَ خيرٌ وأحسنُ تأويلاً {59} ) النساء .
تـُرشِدُ بدقةٍ إلى وجوبِ العودةِ إلى أحكام ِالشرع ِالواردةِ في القرآن ِوالسنةِ عندَ كلِّ تنازُع .
فقولـُهُ تعالى : ( تنازعتم في شيء) نـَكِرَة ٌفي سياق ِالشرط , تعُمُّ كلَّ ما تنازع َفيهِ المؤمنونَ من مسائل ِ الدين ِدقـِّهِ وَجـُلـِّهِ، جَليِّهُ وخـَفيِّهُ، فلو لم يكن في كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِهِ بيانُ حكم ِما تنازعوا فيهِ ولم يكن كافياً، لم يأمر بالردِّ إليهِ، إذ من المُمتنع ِأن يأمرَ تعالى بالرَدِّ عندَ النزاع ِإلى مَن لا يوجَدُ عندهُ فصلُ النزاع ِ.
ثم إن الآية َقد جعلت الردَّ إلى أحكام ِالشرع ِ من لوازم ِالإيمان . فإذا انتفى هذا الردُّ انتفى الإيمانُ ، لقولِهِ تعالى بعدَ ذلك : ( إن كنتم تؤمنونَ باللهِ واليوم ِالآخر) وهنا تقعُ ضرورة ُانتفاءِ المُلزُوم ِلانتفاءِ لازمِةِ .
فالردُّ إلى اللهِ تعالى إنما هوَ رَدٌّ إلى الشرع ِ، والرَدُّ إلى غيرِ اللهِ سبحانهُ وتعالى إنما هو ردٌّ إلى العقل ِ:أي إلى ما يُشرعُهُ الإنسانُ بنفسهِ, كما تقولُ الديمقراطية ُـ حكمُ الشعبِ بالشعبِ ـ أو هو حكمُ الأغلبيةِ .
فالنصوصُ القرآنية ُلا تدَع ُمجالاً لشكِّ في أن الشرع َوحدَهُ هو الحقُّ والعدلُ , وصاحبُ السيادةِ ، وأنهُ المَرجـِعُ الوحيدُ لِسَنِّ القوانين ِوالدستور، وأنهُ الحَكـَمُ والفصلُ في كلِّ ما يقعُ من مُنازَعَات .
وقولـُهُ تعالى : ( وما اختلفتم فيهِ من شيءٍ فحكمُهُ إلى الله ) أي أن اللهَ : هو الذي يَقضي بينكم ويفصلُ في الحُكم ِ. فلا يصحُّ أن يُجازَ الإحتكامُ لغيرِ الشرع ِبحال ٍمنَ الأحوال ِ. والعياذ ُباللهِ من ذلك .
لأن الإحتكامَ لغيرِ الشرع ِكفرٌ باللهِ ورسولِهِ ، وهذا ما لا يصحُّ أن يقعَ بهِ المؤمنونَ الذينَ قالَ اللهَ فيهم : ( إنما كانَ قولَ المؤمنينَ إذا دُعُوا إلى اللهِ ورسولِهِ ليَحكـُمَ بينهُم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ، وأولئكَ هُمُ المفلحونَ{51} ) النور .
فالاحتكامُ إلى الشرع ِفرضٌ على الأمةِ . وهذا أمرٌ لا خلافَ فيهِ .
لأن اللهَ تباركَ وتعالى مَنَّ على المؤمنينَ وَمَدَحَهُم عَمَّن سِوَاهُم بسجيةِ الطاعةِ , وَوَصَفـَهُم بأحسن ِوصفٍ فقالَ فيهم : ( ولِـيُتِمَّ نِعمتـَهُ عليكم لعلكم تشكرونَ {6} واذكروا نعمة َاللهِ عليكم وميثاقـَهُ الذي واثـَقكم بهِ إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا اللهَ , إن اللهَ عليمٌ بذاتِ الصدورِ {7} ) المائدة .
المفضلات