:bsm:



أليس من المؤمن المحزن أن يكون أهون شيء على المسلم أن يرتكب الخطيئة، ثم إذا أقبل عليه الليل ورجع إلى نفسه حاسبها على كل شيء إلا ما اكتسبت في يومها من الخطايا، فإن كان تاجراً شغل نفسه بمقدار الربح والخسارة، وإن كان موظفاً أخذ يعد العدة للمساواة بين دخله وصرفه، وإن كان عاملاً أطال التفكير في صلته بصاحب العمل هل أرضاه في يومه أو فعل ما يوجب غضبه، وقليلون جداً أولئك الذين يحاسبون أنفسهم حين يؤوون إلى مضاجعهم على ما فعلوا في يومهم من خير وشر، ويذكرون ما كان منهم من إحسان فيرجون المزيد، وما كان منهم من إساءة فيستغفرون الله، ويعزمون على أن يلتزموا الطريق المستقيم.
وأقل من ذلك أولئك الذين إذا ذكروا خطاياهم ابتلت لحاهم بالدموع مع أن الإنسان لو أنصف نفسه لما بكى على شيء كما يبكي على ما أسلف من ذنوب؛ فإن كل ما فاته من أمور الدنيا يسهل دركه، أما ما سبق من ذنبه فلا يدري ماذا يفعل به.
ولقد كان الناس فيما مضى يخافون أن ترد عليهم حسناتهم فأصبحنا نحن نرجو أن ندخل الجنة بسيئاتنا وكانوا يطيلون البكاء إذا مروا بآية من كتاب الله فوجدوا فيها الوعيد الشديد.
حدثوا أن محمداً بن المنكدر - :radia-ico - بكى ليلةً حتى فزع أهله فجاؤوه بأبي حازم الأعرج- :radia-ico - فقال: يا أخي، ما أبكاك؟ قال: ذكرت آية في كتاب الله تعالى: {وَبَدا لَهُم مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكونوا يَحْتَسِبون }، وكان أبو حازم عالماً، فلم يغب عنه أن معنى الآية أن الناس يفعلون كثيراً من الحسنات ويظنون أنهم ينالون ثوابها، فإذا هم يجدونها سيئات لأن الإخلاص لم يصاحبها، وأن أنواع العذاب التي يرونها لم تخطر لهم قبل على بال، فلما سمع أبو حازم الآية واستحضر معناها بكى مع صاحبه واشتد بكاؤهما.
ولعل أبا العتاهية قدم أغلى نصيحة للمسلم إذ قال:

كيف إصلاح قلوب**** إنمـــا هـن قروح
أحــسـن الله بـــنـا**** أن الخطايا لا تفوح
نُح على نفـسـك يا**** مسكين إن كنت تنوح


وقد مرض عبد الله بن مسعود - :radia-ico - فزاره سيدنا عثمان بن عفان - :radia-ico - فقال له ما تشتكي؟ قال ابن مسعود: ذنوبي. قال له عثمان: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي.
فعلى نفسه فليبكِ المقصر، لاعلى عرض زائل، ولكن المرء يسره إدراك ما لم يكن ليفوتَه، ويحزنه فوت ما لم يكن ليدركَه. فليكن سرورك بما نلت من أمر آخرتك، وليكن حزنك على ما فاتك فيها؛ فإن أصفى الناس إيماناً يوم القيامة أشدهم محاسبةً لنفسه في الدنيا.
قال أحد أصحاب الحسن البصري: ما رأيت أحداً أطول حزناً من الحسن، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة..
________________________________
هذا من بعض قراءاتي فأرجوا أن يكون فيه فائدة للجميع